الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رتابة الرتابة

ياسين لمقدم

2012 / 10 / 21
الادب والفن




دبت من ظلامها تسحب ماض سحيق يعبق بروائح الحناء والقرنفل، والشعيرات القانية التي تتسلل من أسفل منديل الرأس تختزل تاريخا بكامله، بأحداثه وفصوله، ترويها للآذان الصاغية بكل براعة دون أن تغفل عن ذكر علم أو أثر. في ألق الصبح مشت بتريث، تجر جسدا منهكا عتيقا كآخر خرافات الأزمان، تسللت بخوف وسط الطرقات العامرة، تحاذر العير الجامحة في معمعة الفوضى حيث الجميع يعسفون الطريق، وإزارها يكاد يفلت منها، يسبقها، تذروه الرياح فيُطوح بها ثم يجرها إلى الأمام كسفينة صغيرة بقلوع كبيرة. بعد جهد رست على عتبة باب السوق لتزاحم التعساء. تململت في مكانها، قرفصت فجردت راحة معروقة من بين ثناياها، مدَّتها ثم بسطتها.

جاءت الظهيرة شاحبة المحيا والوجوه المغبرة تغادر السوق محملة بقفف ملؤوها بالحسرات. وأطفال صغار، صغار جدا يكدون في دفع عربات كبيرة تحمل أثقالا ليوصلوها حيث ييمم الزبون الذي يتعقبهم، يتوقف ويحك شعره امتعاضا كلما تعثرت العجلات في حفر الطريق، قد تنهرس الخضر قبل الوصول، وقد يتوقف ليغازل بدوية تختال في زركشاتها فتلهج القلوب وتتخاطب الأحداق من دون حروف، فتنكس الرأس دلالا وتعض بحنو على ظهر الإبهام المخضب بالحناء، لكن تنتهي المغامرة عند هذا الحد للترصدات الكثيرة، ثم يستأنف ممارسته في تعقب العربة ليحكي في المساء عن مغازلات السوق بكل الزهو فتستيقظ في جسد كل جليس رجولته الأخرى، ويحذوا الجميع أمل الأسبوع المقبل.

وتعود العجوز من تسولها وتوسلها بعد أن جمعت بعض الدراهم، تفتح بابا موصدا عن عمر كامل، تستلقي منهدة على الفراش القض فيتطاير الغبار حولها، ولّى زمنها ولم تعد تقوى على الكنس. تأتيها الجارة الثرثارة، تدفع الباب الذي تركته لها مواربا كي لا تكلف النفس المهدودة جهدا في فتحه دونما فائدة تجنى من الفضول القادم الذي سيزور لبرهة، يستشف فيها مكنونات الصُّرة لمشروع سلفة لا تُرد.

غفت قليلا ثم قامت لتبحث لها عن غذاء في الحواري القريبة قبل أن تتخلص المطابخ السمينة مما فضُل عن الموائد. تصادف متشردة كالحة مزمجرة بالسباب تمشي على غير أثر في سبيلها المعتاد، تنفر الناس فتوصد كل الأبواب. تنهرها العجوز ويحتدم النقاش وينتهي بعد لحظات فقط لتبدأ الصفعات والعض والضرب، تنبعث في جسدها قواها المستترة.

تمضي الأيام وتتغير التواريخ، تسحب رتابة ثخينة بترسبات غبار الأسواق، والباب الموارب يئز على جري عادته، وتشتكي الرُّكب من طول الإقعاء حين تلتمع الأنوار في السماء أو كلما أمعنت بالهطول الأنواء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف