الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة الثورة

محيي المسعودي

2012 / 10 / 21
الادب والفن



لقد غيّرت العالم, بما وصلت اليه وحققته من انجازات في العلوم والتكنلوجيا والآداب والفنون ... انها الثورة الصناعية في اوروبا , ومثلها, حدثت عندنا في هذه المدينة, ثورة, ثورة شاملة. فعلت فعلها, اسرع من فعل ثورة اوروبا الصناعية حتى صارت لهذه الثورة تقنياتها وفنونها في العمل وسائر الميادين الاخرى.. غيرت وجه المدينة بعد ان غيرت الذات الخفية للفرد والمجتمع واحدثت هذه الثورة ثورات اخريات في ميادين كثيرة.. كالمجتمع والأخلاق والسياسة والامن والقضاء.. والتربية والتعليم.. و. و.. حتى وصلت الثورة الشاملة الى كل بعد من ابعاد وجودنا ولكن في اطراف المدينة .. بقيت دار منيعة عصية في وجه الثورة الشاملة.. لم تستطع هذه الثورة بكل فنونها واختراعاتها دخول هذه الدار.. فاطلق زعماء الثورة على هذه الدار لقب (قلعة الممانعة ) لما فيها من رجال لا زالوا متمسكين بالرجولة والعدل والشرف والنزاهة والغيرة والنخوة, هذه التقاليد البالية المتخلفة وسط عالم الثورة وتياراتها المتعاظمة والمدهشة في تقدمها, نحو خلع كل قديم حتى الثياب.
وفي حفل جماهيري كبير, وبعد خطب عصماء, القاها مؤسسوا الثورة تزايد الحماس في نفوس جمهور وقادة هذه الثورة الذين اكملوا دورة الحياة في الوجود, فأقسم أحد فدائييها على دخول (قلعة التخلف) لكسر شوكة اهلها وهدم اسوارها وفتح نوافذها امام نور الثورة الجديدة, وفعالياتها من سلب ونهب واغتصاب وافتراء ومجون ومزيد من الحريات الرغبوية التي لا تعرف الحدود.. وبينما اقترب فدائيوا الثورة من القلعة وشرعوا في محاولة الدخول كان صاحب الدار قد اعد (مصيدة المتسللين) التي تعلمها واتقنها غاية الاتقان في السنين الاخيرة من حرب الوجود من اجل الفناء, التي دارت رحاها في مدن الضمائر الصحراوية المنحرفة كان صاحب الدار آنذاك ضابط حجابات على ارض المعركة في الحرب, زكان فائق المهارة والخبرة والتدبير.. لقد طبق على فدائيي الثورة عمل المصيدة واذا بالفدائي الذي دخل الدار يدور داخل غرفة اغلقت عليه بابها بشكل عجيب وصار الفدائي كأنه الجرذان داخل قفص المصيدة, لا يعرف دربا للخروج .. ولأن أحدا لم يدخل هذه الدار من قبل والجميع يجهل مسالكها ونواميسها ولم يكن بوسع احد مساعدة هذا الفدائي.. حضرت الشرطة مسرعة اطلقت سراح الفدائي من المصيدة واعتقلت صاحب الدار بتهمة خطف واحتجاز مواطن شريف.. وفدائي ووجه من وجوه مجتمع الثورة.. وقد تزداد التهم لأنها تتناسب طرديا مع حركة ابهام الفدائي وسبابته الخارجتين من جيبه, المتمخض, وجيوب عشيرته الحبلى التي سوف تلد في جيوب القضاة والمدعي العام, كان (هُبل) منتصبا وسط هيئة المحكمة و(اللات) الى يمينه و(العزى) الى يساره والمتهم - صاحب الدار - في القفص واقفا والمحامي الدفاع عن الفدائي والمدعي العام والفدائي يجلسون على كراسي الصف الاول, من قاعة المحكمة.. المدعي العام يوشوش في أذن محامي الفدائي قائلا : انا معكم على المهر المعلوم, دفعتم الحاضر, وبقي الغائب, واستطرد يقول: لم يدفع ابن الزانية "صاحب الدار" شيئا .. بينما جلس المحامي الدفاع عن صاحب الدار متبرما ربما لان الدولة كلفته بالدفاع عن الرجل الذي ليس لديه مال ولا سلطة لتصبح مساعدته طريقا ممهدا لاتهام محامي الدفاع عنه بالجريمه.
المحامي الدفاع عن الفدائي يوشوش في اذن الفدائي قائلا : ما دمت دفعت لي المبلغ كاملا فما عليك الا ان تأيد اقوالي وتعترف بصحة ما اقوله انا عنك.. يرفع هبل يده ويضرب الطاولة معلنا أذانا ببدء المحاكمة.
ينهض المدعي العام ويقول : لقد احتجز هذا المجرم المتخلف الارهابي مواطنا شريفا.. وفدائيا تطوع بدمه للدفاع عن ثورتنا الجبارة.. ونحن نطالب المحمة الموقرة بايقاع أقسى العقوبات به, هذا ولكم الامر سيدي .. ثم ينهض المحامي الدفاع عن الفدائي بحركة بهلوانية.. ويقول : (انظروا سادتي كم كان موكلي رجلا شريفا ونزيها.. قبل على نفسه الأذى وقبل التعرض للسجن وهو البريء, ولم يذكر الحقيقة حتى لا يعرض هذا المجرم - مشيرا الى صاحب الدار - للحرج ولأنه حريص حتى على التقاليد البالية التي يؤمن بها هذا المتخلف كالشرف والسمعة.. وو .. وحتى لا يضيع الحق ولكي يسود العدل اسمحوا لي ان أكشف لكم هذه الحقيقة لتكون مصباحا في درب العدل.. لقط طفح الشوق بموكلي - يا سادتي - وهزه النزق ودعته انسانيته الى حبيبته وعشيقته التي وجدت فيه شذوذ المتعة والحب المطلق والحنان والنزق والانسانية الجديدة التي فقدتها بزوجها الجلف المحتشم المتحفظ.. فبادلت موكلي الحب في ليال وليال حتى تلك الليلة التي اعمى بها الحقد قلب وعقل هذا الزوج المغتصب الظالم والمجرم فأوقع بموكلي قبل اداء واجبه الانساني المقدس اتجاه تلك المرأة زوجة هذا المجرم الذي اختطف موكلي وحجزه ثم اتهمه بجريمة السطو, والسطو في عصر الثورة ليس جريمة بل واجب, واليوم نحن جميعا نمارس ما حاول ان يمارسه موكلي مع تلك المرأة.
فأية جريمة تلك التي تُخمد نار الشبق عند الرجل والمرأة وهي على اشدها كما حصل مع موكلي, الذي مُنع نزقه واضطهدت شهوته وحُرم من ممارسة حقوقه الثورية.
محامي الدفاع عن الفدائي يعد من ابرز رواد ومنظري وعلماء عصر الثورة, في المدينة وقد ابدع واخترع واكتشف الكثير, وهو فنان بارع ومبدع, نحت من صخرة القانون تمثالا رأسه إله وجسده جسد مومس واظافره اظافر شيطان. هكذا دار الحديث في القاعة, نهض المحامي الدفاع عن صاحب الدار وقال امام القاضي ببؤس ويأس : فتشت شرائع وقوانين السماء والأرض فلم اجد لموكلي شفاعة او عذرا يخفف من جرمه ..
وبعد ان صمت صاحب الدار من صراخه شرع يبتسم ويقول.. يحيا العدل.. يحيا العدل.. بعد ان ادانته المحكمة بالجرم المشهود وألقي في السجن.
في السجن ظل المحكوم صامتا ولم يشهد رفاقه السجناء على وجهه التذمر من السجن ولم يدعِ الظلم, كما يدعيه رفاقه واغلبهم من الذين ازاحتهم الثورة الشمولية عن طريقها عندما وجدتهم على ذلك الطريق.. ولكنه اخيرا اعترف لصديقه الوحيد داخل السجن وأفشى له سرا مفاده انه قد قام بقتل زوجته قبل سبعة اعوام, حين وجدها تتلوى شهوة في احضان احد الكلاب المغتربة التي ترعاها الثورة الشمولية وتدعمها وتحميها.. وقد كان لهذه الجملة (وجدتهما على فراشي وفي غرفتي يلهثان) وقعا يخرجه من عالم العقل الى عالم الجنون.. ولانه متأكد من أنه قتلها.. فقد اسعده الحكم الأخير حيث ابعده عن عقوبة قتل الزوجة, التي لو اكتشف قتله لها لكان مصيره الاعدام وفق قوانين الثورة.. وطلب من صديقه كتم السر لان احدا لا يعلم بهذا, الا الله, وأخواه اللذان فرا هاربين الى المدن البعيدة خوفا من أن ينكشف الامر.. فتشملهما المحكمة الثورية بقانونها الشامل.. ذات يوم امام شبك السجن وقف بمواجهة أخويه اللذين عادا من اجل زيارته بعد ان علما بالأمر.. فعلم منهما ان خصمه الفدائي قد سكن دارهم مع امرأة (مشاع) من ارض الثورة, والفدائي يدعي ان هذه المرأة هي زوجة أخيهم المسجون, وقد طلقها القضاء أو هي خلعت أخيهم فتزوجت من هذا الفدائي,, والدار وما فيها مسجلة باسمها.. وليس لهم ولا لأخيهم شيء فيها.. وتساءل الاخوان : كيف يكون هذا والدار مسجلة باسم ابينا فأجابهم أخاهم السجين: ضاحكا بسخرية مريرة:- هذه بعض منجزات وابداعات الثورة في عالم القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال