الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثروة في مهب الجدل

ساطع راجي

2012 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بإعلان سيطرة الحكومة على البنك المركزي تكون معركة الهيئات المستقلة قد انتهت تقريبا، فقد بدأت هذه المعركة تحديدا بموقعة مواجهة بين الحكومة والبنك عندما ارادت الحكومة اقتراض احتياطيات البنك المركزي وتشغيلها في الموازنة لتغطية العجز، وهي في الحقيقة مجرد طريق التفافي يعبر عن رغبة السلطة التنفيذية في وضع الثروة الوطنية تحت سيطرتها المباشرة، وعندما رفض البنك عملية الاقراض توجهت الحكومة الى المحكمة الاتحادية التي اصدرت تفسيرها الشهير بتبعية الهيئات المستقلة للحكومة، وهكذا تم الاستيلاء مباشرة او عبر صفقات سياسية على الهيئات التي تدار معظمها بالوكالة، لكن البنك المركزي بقي عصيا حتى الايام الاخيرة حيث اثير الموضوع الاثير في العراق "الفساد" الذي لاتخلو مؤسسة منه اما لتضارب المصالح او لتناقض المواقف او ضبابية القوانين وغموض العبارات الدستورية أو لنزوات الموظفين وجشعهم، ودخل البنك اولا في حمى لجان البرلمان التحقيقية التي لم تعرض نتائجها بينما استبقت الحكومة الامر وحسمته بقرار غامض يسحب يد سنان الشبيبي محافظ البنك ويتهمه وعدد من كبار موظفي البنك بالفساد لتصدر بعد ذلك مذكرة اعتقال بينما كان الشبيبي يحضر مؤتمرا خارج البلاد، ورغم تعهده بالعودة لكن السوابق تؤكد استبعاد ذلك.
المعركة اديرت بطريقة فضائحية مثلما يحدث دائما في البلاد ورغم الجدل الاعلامي وتصاعد الاصوات المنددة والمحذرة من تداعيات التدخل في البنك المركزي لكن عمليا فإن قرار التدخل كسب تأييد جميع القوى المشاركة في الحكومة حيث لم يعترض وزراء تلك الكتل على القرار الذي مر بسهولة والبرلمان نفسه لم يتفاعل مع القضية فقد بقي في عطلته بلا جلسة استثنائية رغم البيانات والتصريحات وفي احدث الوعود فإن النواب سيناقشون القضية بعد العيد وستكون الكثير من المياه قد جرت من تحت الجسر العراقي المتأرجح والمهدد بالعواصف من كل جهة.
تم التعامل سياسيا مع قضية البنك المركزي مثلما يحدث كل مرة، نواب دولة القانون والمتعاطفون معهم دافعوا عن قرار الاطاحة بالشبيبي وهو في خارج البلاد مع فريق العمل رغم ان احدا لم يستشر هؤلاء النواب في اتخاذ القرار ورغم انه اتخذ بموافقة وزراء بقية الكتل، نواب بقية الكتل الاخرى اعترضوا على القرار رغم ان وزرائهم وخاصة المتعاملين بالشؤون المالية والاقتصادية لم يبذلوا اي جهد للاعتراض حتى ولو على ادارة الازمة وطريقة اقالة الشبيبي وادارة البنك المركزي، وهو موضوع في حساب النواب للجدل لا أكثر مثل أي موضوع آخر، موضوع للاطلالة الاعلامية يتم تداوله حتى يظهر موضوع بديل.
النخب السياسية ومعها جزء كبير من المواطنين مازالوا غير قادرين على هضم فكرة "الهيئات المستقلة" فالعقل السياسي في العراق مدمن على سيطرة الحكومة في كل المجالات ويفضل هذا العقل غالبا اختصار السلطة في صورة رجل واحد يدير البلاد ويحقق كل الانتصارات والهزائم حتى يقضي الله امرا كان مفعولا ويأخذ أمانته من عمر الحاكم وسلطته، ولذلك تفتقد البلاد حماس الدفاع عن استقلالية اي مؤسسة، وحتى الولايات المتحدة مؤسسة النظام السياسي في العراق وشريكته في مختلف المجالات وخاصة الاقتصادية لم تطلب عبر دنيس مكدوناف مبعوث اوباما الى العراق اكثر من تحقيق شفاف ويبدو ان هناك من استلم الرسالة على انها ضوء أخر لتنفيذ غزوة البنك المركزي.
يبدو إن الاعلام قصر في شرح تفاصيل المعركة للمواطنين، وهي تفاصيل قليلة، حيث للبنك المركزي وحده سلطة اصدار العملة العراقية وهو يبيعها للحكومة مقابل الدولار الامريكي، حيث تحصل الحكومة على الدولارات عبر بيع النفط وتحتاج الدينار لتسديد التزاماتها الداخلية، ونتيجة لهذه المعادلة تراكمت الدولارات عند البنك المركزي وكلما ازداد هذا التراكم ارتفع سعر صرف الدينار وبالتالي سيتمكن المواطن من شراء المزيد من السلع والخدمات، الحكومة تريد الحصول على خزين الدولارات المتراكم عند البنك حتى لو ضعف الدينار وتناقصت قدرة المواطن في الحصول على ما يريد، وهناك ثغرة اسمها المزاد العلني الذي يقيمه البنك المركزي وعبره يتدفق الدولار الى داخل العراق وخارجه، ومع تزايد العقوبات على ايران وسوريا اثير الجدل حول تسرب الدولارات من العراق الى هذين البلدين وترافق ذلك مع ارتفاع سعر الدولار والاحتجاجات الدولية على تزويد العراق لايران وسوريا بالعملة الصعبة، وهذه الحالة قد يطالها الفساد فعلا لكن ذلك لايعني تورط ادارة البنك بالموضوع ومع هذا اصبح للحكومة منفذ للتدخل، وهو التدخل الذي سيعرض استقرار الاقتصاد في العراق ورفاه المواطنين للخطر، فالحكومة تهوى انفاق المال وتمويل مشاريع غير مجدية لاتكتمل ابدا ولهذا من المتوقع ان تستنزف رصيد العراق من العملة الصعبة وتدفع الى تدهور قيمة الدينار وهو ما يعني افقار المواطنين وفقدان رواتبهم واجورهم لقدرتها الشرائية.
القضية خطيرة جدا، لكن المواطنين غير مبالين والولايات المتحدة لاتريد اكثر من منع تدفق الدولار الى ايران وسوريا والقوى السياسية العراقية لاتريد أكثر من الجدل والحكومة مقتنعة بان حصولها على المال يعني ضمان سلطتها وحل مشاكلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا