الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكيولوجيا اللسان البذيء

عمار مها حسامو

2012 / 10 / 22
العلاقات الجنسية والاسرية



كنت صغيراً ألعب في أزقة حارة منزلنا جاء طفل يكبرني بسنتين اسمه أحمد دخيلاً على حارتنا ، رسم دائرة بيضويّة الشكل على حائط أحد الأبنية السكنيّة بواسطة قطعة من الجبصين المتناثر إثر ترميم أحد عمارات الحي و وضع خطاً في منتصفها ، فقسمها نصفين شبه متساويين ، لم نفهم معنى ما رسمه إلى أن كتب بأحرف عاميّة " هذه طيز " ، أنا و أطفال الحارة ضحكنا في السِّر لكن كتمنا ضحكتنا و منعنا ارتسامها على وجهنا ، و كانت مظاهر الإشمئزاز من ذاك الطفل " الرذيل " واضحة على أوجههنا .
شدّني أحمد بجرأته ، يده و فمه اللذان لا يخشا شيئاً ، كان معي في ذات المدرسة الإبتدائيّة ، أبحث عنه في الاستراحة ، أراه بين تجمع من الصِبية ملتفين حوله الجميع صانت لحديثه ، كي أسمع كلامه اللامقيّد ، فبين النشوة و الخجل كنت أقف حائراً مع تأنيب الضمير .
لم يكن أحمد ذاك الطفل " الرذيل " ابناً لعائلة متحررة اجتماعياً ، بل كان هو و أخوته يتمردون على أمهم المتكفلة بتربيتهم في غياب والدهم الذي يعمل في منطقة تبعد مسافة طويلة عن منطقتنا ، متأثرين بأخوالهم الشباب المنعوتين من قبل المجتمع بالـ " شوارعيّة " .
رذُلَ - رَذالةَ و رُذُولة : رَدُؤَ ، فهو رذْل و رَذيل ، يستخدم مصطلح " الرذيل " في مجتمعنا بمعنى البذيء كلاماً و أفعالاً ، إي السيء أخلاقاً ، يطلقه المجتمع على من يخالف منظومة الأخلاق التي يتبناها .
فربما يكون شارب الخمر كثيراً أو قليلاً " رذيل " ، المتفوه بالشتائم ذات الطابع الجنسي أو الروحاني " رذيل " ، الكافر بالله " رذيل " ، المرتشي و السارق و المنافق قلّما يذكرهم المجتمع على أنهم أرذال ، و تنصح الأسر أبنائها بالابتعاد عن الإنسان " الرذيل " خوفاً من العدوى و حفاظاً على السّمعة " الخلوقة " ، تلك هي معايير المجتمع للرذالة و الأخلاق .

بينما كنت أشاهد ألبومات الصور العائلية في منزلنا أنا و أقربائي ، وقعت صورتي و أنا طفل في سنواتي الأولى عارٍ من ملابسي في يد أحدهم ، بدأ بالضحك و تابعه الآخرون ضاحكين ، استفزني ذلك الصوت ، سارعت بالتقاط الصورة من بين أيدهم و ذهبت نحو أمي ممتعضاً متسائلاً ، لمَ كانت هذه الصورة و ما ضرورتها ، أجابتني للذكرى فقط ، سألتها : ألم تخبرونا أن ذلك عيباً و من المفروض أن نخفي هذه الأعضاء عن الآخرين ، قالت لي : كنت صغيراً ، و لم يشاهدها أحد سوى نحن عائلتك التي ما زالت ترافقك أثناء الاستحمام ، فأنا أمك و ذاك أبوك و هذا أمر طبيعي ، قالت لي احتفظ بهذه الصورة لديك إن كنت خجولاً من ذلك ، احتفظت بها تحت فراش سريري كي لا يراها أحد بعد و أصبح موقعاً للسخرية و الضحك مرّة أخرى .
لم أكن رافضاً للضحك و السخرية فقط بل كنت خجولاً ، أخجل أن يرى أحدهم بدني العاري كونه شيء من " العيب " بناءاً على مفهوم العيب الذي لقنني إياه أبي ، أمي و مدرستي ، ذاك المجتمع المحافظ الذي يرى في الأعضاء الجنسيّة أعضاء تختلف عن باق الأعضاء الأخرى من حيث إباحيتها ، و معهم المؤخرة أيضاً ، فتلك الأعضاء لها وظيفتها الإطراحية فقط .
إلى أن نختلط في المجتمع أكثر و أكثر و نتواصل مع من يزيدنا عمراً و اختلاطاً في الحارة و المدرسة و ربما في الكتب المدرسية في سن متأخر " سن البلوغ عند الذكر تقريباً " لنكتشف أن لتلك الأعضاء وظيفة أخرى هي التكاثر ، كنتُ صغيراً عندما أخبرني أحد أقربائي الذي يقاربني عمراً عن طريقة التكاثر ، أصابني خجلاً باطنه نشوة من كلامه و أجبته و بشكل سريع " إذا كانوا أهلك هيك ، أهلي أنا مش هيك ، أنا الله بعثني بواسطة إشعاع في بطن أمي أما أهلك رذيلين " .
أذكر عندما كنت في الصف الثالث الإبتدائي و عند الانصراف من المدرسة شاهدت أحمد - ذاك الطفل "الرذيل " ذاته - في الطريق و بيده أخيه الصغير ، سألته : هذا أخوك ، أجابني : نعم لم يدخل المدرسة بعد لكنه يجيد السُباب ، ضحكت ، فقال لأخيه : اشتمه ، فشتمني بأمي ، يومها بان الإنزعاج على وجهي و لم أجرؤ على مجابهته كونه كان يتقدمني سناً ، يمتلك لسان " رذيل " و نفوذ عالية و بتوصيف شعبي " زعوري " ، فركضت باكياً ، استقبلتني أمي في المنزل و أنا أتابع البكاء ، سألتي ما بكَ ، لم أجب و تابعت البكاء ، استفسرت إن كان لدي مذاكرة أو امتحان و لم أكن راضياً عن علامتي ، هززت رأسي مجيباً بلا ، و تابعت البكاء ، مكثت في غرفتي أبكي ، جاء أبي ليسألني عن السبب ، لم أجبه ، بانت ملامح العصبيّة على وجه أبي ، خفت فخضعت و جاوبت ، قلتُ له : أحمد سبّني ، أصر أبي على معرفة السُباب ، لم أنطق لأبي بما سبّني ، كتبت له على ورقة صغيرة السُباب ، كتبت " سك " و أرفقتها بكلمة " اقلبها " .
كبرت عمراً و علمت أن للإنسان يدين و رجلين و أعضاء تناسلية أيضاً لا تختلف عن باقي الأعضاء سوى وظيفياً ، لكن بقي ذاك الخجل يرافقني إلى الآن في تلفظ اسم الأعضاء التناسلية في لهجة الشارع في الأوساط العامة ، أطلق على الفم " تم " و الأذن " دان " و الأنف " منخار " لكن العضو التناسلي " مهبل أو قضيب " .

ليس من الدقيق توصيف الجنس كرغبة فقط على قدر ما هو بحاجة بيولوجية و مجتمعية لضمان استمرار النوع البشري و مصدراً للمتعة ، كالأكل ، الشرب و الإطراح ، الرضيع يفتقد إلى الأسنان و الأنزيمات المفككة للمواد الغذائية المعقدة الموجودة في الأطعمة ، بينما يستطيع جسمه الصغير أن يمتص الحليب و الماء إلى أن يبلغ العامين ومع بداية ظهور الأسنان اللبنيّة يستطيع طحن و هضم أغلب المواد الغذائية تسارع العائلة بإطعامه المواد الغذائية المختلفة تدريجياً انطلاقاً من الفاكهة التي تحوي على السكريات و الماء وصولاً إلى الدهون المعقدة في تركيبها الحيوي ، كون جسمه يحتاج إلى عناصر غذائية أخرى غير الموجودة في الحليب فبدنه يكبر و يحتاج لتللك العناصر كي يؤمن عمليات الاستقلاب الخلويّة ، و كذلك الإنسان الغير بالغ لا يستطيع أن يمارس الجنس و الإنجاب إلى أن يصل سن البلوغ و يبدأ إفراز الهرمونات الجنسيّة التي تظهر آثارها عليه في علائم صغرى و كبرى و هنا تقوم العائلة مشتركة مع المجتمع على عكس ما قامت به عندما تحول من الرضيع إلى الآكل ، تحاول جاهدة طمس معالم هذه الحاجة و كبتها من باب العفاف و الأخلاق إضافةً إلى التغذية الدينية مترافقة مع فصل الأخ في غرفة خاصة عن أخته ، و فصل الصديق عن صديقته في المدرسة اللذين قد كانا في صفٍ واحد يلعبا سويةً يتشاركا السندويشة في استراحة الدوام المدرسي ، لتمسي غريبة عنه يحتاجها في داخله و يبعده عنها المجتمع .
يبلغ الذكر في المناطق المعتدلة حرارياً في سن الخامس عشرة تقريباً و الأنثى في التاسعة ، و تبقى هذه الحاجة المكبوتة مكبوتة إلى الزواج - فالجنس خارج إطار الزواج حرام دينياً و مُعاب مجتمعياً - الذي يتأخر و ربما يصل إلى الثلاثين أو يتجاوزها فتبقى هذه الحاجة مكبوتة قرابة الخمس عشرة سنة يحاول أغلب الذكور إفراغها في ممارسة العادة السّريّة أو في علاقات جنسيّة مع المومس ، قلّة من الإناث يمارسنّ العادة السّرية و الباقي يتمنعنّ خائفات من تمزق غشاء البكارة فهي ترغب بحياة زوجيّة سعيدة مستقبلاً و تخشى أن تمسي قتيلة يوم زفافها على يد زوجها أو أحد ذكور عائلتها .
يعيش الذكر قرابة الخمس سنوات مدرسياً و هو بالغ جنسياً و الأنثى قرابة التسع سنوات ، السنون التسع أو الخمس تفتقد لأي ثقافة جنسيّة في المناهج المدرسيّة ، و الكلام حول الجنس يحتكره علم الأحياء بمروره السريع و الخجول على العملية الجنسيّة كوصفها عملية بيولوجية دون التطرق إلى اللذة الجنسيّة أو إعداد المفاهيم و التربية الجنسيّة الصحيحة و السليمة ، محاولةً تكريس الشرخ بين الشاب البالغ جنسياً و الحاجة الجنسيّة طامحة لطمسها مؤقتاً ، لكنها تجند الكبت الجنسي .

عند الشعور بالعصبيّة و عند الرغبة بالمزاح أيضاً يتناول البعض المفاهيم الروحيّة " الله و أنبيائه " و المصطلحات الجنسية بين السُباب و خلق روح الدعابة و قلما تستخدم النكت السياسية وإن وقعت على غير الله و أنبيائه و على غير السياسين و بدون العبارات الجنسيّة لما حققت العدد ذاته من الضاحكين و ما أشعرت الساب بنفس الراحة النفسية التي يشعر بها عند السباب ، يشعر الساب و المازح بحريّة يكتسبها عند إطلاق هذه الكلمات ، تشعره بالتخلص من مشكلته و من القيد المحيط به كونه تجاوز تلك المحرمات التي منع من اقترابها في منزله و مجتمعه المحافظ ، ومن الملاحظ أيضاً أنّ حتى الإنسان الملحد الذي لا يؤمن بوجود الله و أنبيائه ، يوجه شتائمه لله و للأنبياء رغم أنه و بداخله غير مقتنع بهما و بالنسبة له الخالق و الأنبياء أكذوبة لا مكان لها في الواقع ، يشتم دون أن يعي ما يشتم ، لكنه يفرّغ العصبيّة الكامنة في داخله فهو قد تجرأ على أحد المحرمات المجتمعيّة .
ففي الشتائم ذات الطابع الجنسي ، إن كان المقصود بالسُباب أنثى وصفوها جزافاً بالعاهرة و إن كان ذكراً اتهموه بالشاذ جنسياً و بمصطلح شعبوي " اللوطي " أو ابن العاهرة أو أخوها ، عندما كانت الأم و الأخت هي الشرف ضمن المفهوم الشرقي للشرف ، و يلاحظ أن مصطلحات الشتائم الموجهة للذكر تفتقد مصطلح " العاهر " كون ممارسة الذكر للجنس لا يجرمها المجتمع الشرقي كما يجرّم ممارسة الأنثى للجنس خارج إطار الزواج ضمن مفهومه للحريّة الجنسيّة ذات الطرف الواحد .
لم يكن اقحام المصطلحات الجنسيّة في مواقف تفتقد الحديث الجنسي سوى تعبيراً عن شيء يحتاجه بالإضافة كونه ممنوع و هو محتاج للشعور بالحريّة في أبسط صورها كحالة تمرد يقوى من خلالها كاسراً قوانين المجتمع و توصياته .
و ربما يستخدمها الشُبان أكثر من الشابات في الأوساط العامة و المحيطة كون المجتمع فرض و أعدَّ الأنثى مقيدة أكثر من الذكر و تحت رقابة عائلية و مجتمعيّة أكبر ، خجولة و مرتبكة دوماً أمام الجنس الآخر تبقى خجولة في التعبير عن حاجتها الجنسيّة و نشوتها أقل مما هي عليه عند الذكر لذلك تكون باردة جنسياً بعض الشيء في علاقتها الجنسيّة مع زوجها مقارنةً معه ، فالبيئة الشرقيّة من خلال طقوسها و مواقفها جعلت من الذكر صاحب النشوة و الحاجة الجنسيّة في المرتبة الأولى و الأنثى في المرتبة الثانية رغم نفي الطب لتلك الأسباب المميزة بينهما ؛ و على أثرها كان الذكر أكثر حريّة في التعبير و المصارحة .
وفي زيارة سريعة لدورات المياه في المدارس الإبتدائية و حتى الإعدادية و بالذات في المدارس الحكوميّة - كون المدارس الخاصة تمتاز باهتمام أكبر من ناحية الطلبة و أبنية المدرسة و إدارتها - ترى العبارات الجنسيّة مكتوبة على جدرانها ، انطلاقاً من كتابة الأعضاء التناسليّة لمجرد كتابتها فقط وصولاً إلى السُباب الذي يحمل طابع جنسي مع انعدام وجهة السُباب ، سُباب لمجرد أنه تفوه بتلك الكلمات ، أما في المدارس الثانوية تتطور المشكلة أكثر ، فترى شاب يُدلل على ما يملك من سيديات ضمنها أفلام جنسية ، يقدمها لزملائه ، و شاب آخر تراه خجول ، مثقل بسيدي أخذه منذ بضعة أيام من ذاك الشاب و يريد أن يعيده له قبل أن يكتشف الكادر الإداري أنه يمتلك ذلك السيدي فهذا سيعرّضه للمساءلة أمام الإدارة المدرسيّة و من ثم السلطة العائليّة ، ربما كنت من جيلاً يعتبر من الأجيال الأولى التي اقتنى فيها المراهقون هواتف محمولة كحالة ترفيّة و مع انتشار تقنية البلوتوث ، يطلب أحد المتصلين بالشبكة فلماً جنسياً فيلبي الآخر رغبته و ربما تتم المبادرة من أحد الطرفين دون طلب الآخر في الكافتريا ، المدرسة ، الشارع و المدينة الجامعيّة أيضاً ، الأول سعيد بالفلم فسيكون وجبة دسمة له في الليل عندما يغفو جميع أفراد العائلة و الثاني تجندت نرجسيته كونه " زعوري " و يمتلك تلك الأفلام و لها سوقها فهناك من يرغبها أو يطلبها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البذاءة على الحوار المتمدن
عبد الله اغونان ( 2012 / 10 / 22 - 17:19 )
دعنا من بذاءة الفتيان في الشوارع
هنا وفي موقع فكري نجد بذاءات يندى لها الجبين في حق كتاب ومعلقين بل في حق الله تعالى ورسله وكتبه

اخر الافلام

.. هروب طبيب بعد وفاة امرأة أجرى لها عملية شفط للدهون في العراق


.. ولاء عودة عملت بشغف وعزيمة لإقامة زاويتها التي تضم المشغولات




.. حنرجعها معرضاً متنوعاً يدعم الفلسطينيات في غزة


.. إحدى القائمات على المعرض ملاك العرابيد




.. إحدى المشاركات ياسمين مطر