الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترييف المدن وتدمير الريف

ميثم مرتضى الكناني

2012 / 10 / 22
الصناعة والزراعة



الريف منظومة من العادات والقيم والاعراف منها ماهو جيد ومنها ماهو سئ , وبعيدا عن تقييم ومحاكمة هذه المنظومة على مشرحة النقد , فان بناء اي مجتمع بناء حضاريا يحتاج الى عناصر اهمها الاستقرارالعام للدولة والدينامية الذاتية التي تسمح بالمراجعة والتنقيح للتجربة والعنصر الثالث هو الاخذ بالنهج العلمي للادارة ومن خلال هذه العناصر الثلاثة الاستقرار والحركية واتباع النهج العلمي نستطيع كمجوعة بشرية ان نرتقي ونتقدم , لوتصفحنا تاريخ العراق المعاصر بداءا بعهد السلطة العثمانية التي لم تترك اي مقوم من مقومات الحضارة والتمدن في المجتمع بخلاف بعض الجزر البشرية من العوائل الارستقراطية المرتبطة منفعيا او روحيا بالسلطة فيما يغرق جل المجتمع في غياهب الجهل والتخلف والانقسام لم يشهد العراق بناء حقيقيا لدولة الحقوق والواجبات وانما تعاقبت على حكم العراقيين سلسلة من النظم المستبدة مرة باسم الحق الوراثي والملكية الدستورية المزعومة وتارة اخرى باسم الشرعية الثورية والخطاب الايدلوجي المكثف الذي يقدم كل شئ على المواطن وحقوقه البسيطة بالامن والحرية والعيش الكريم ,ولم يغير المستعمر البريطاني في بداية القرن الماضي ولا الاميركي في بداية هذا القرن كثيرا من هذا الواقع وكاننا نعيش ذات السيناريو الذي عاشه جيل الاباء في القرن الماضي ونتتبع خطواته وفصوله ولو على كراهة فيما يصح تسميته بالتطور الطبيعي للعراق من وضع الادارة الاستعمارية المباشرة فالانتداب ومن ثم الاستقلال الظاهري والارتهان الفعلي لارادة المستعمر عبر ادواته المحلية لقد كان لهذا التطور فضل في تصاعد الوعي لدى الشرائح المثقفة من ابناء الطبقة الوسطى الامر الذي عجل في قيام ثورة14 تموز الخالدة عام 1958 والتي ارادت بناء مجتمع حر وعصري يقوم على اساس الانسان المواطن وكان من ثمار الثورة الاجهاز على الة القمع العشائرية المتخلفة التي كانت شريكافعليا في كل جرائم المستعمر وزمرته المنصبة من قبله على رقاب الشعب ولكن سرعان ماانبرت قوى الغدر لتجهز على الثورة وقائدها وتعيد انتاج حالة الاستعباد للشعب وسرقة ثرواته واستباحة مقدراته من قبل الزمرة النفعية الحاكمة ان مشكلة هجرة ابناء الريف للمدينة ليست مشكلة عراقية متفردة وانما تشاركنا فيها كل الدول التي تشترك معنا في ظروف الحكم الاستبدادي وغياب الديمقراطية واستشراء الفساد حيث ينعدم التخطيط الاستراتيجي وتهمل المشاريع الصناعية والزراعية ويتعطل الابداع بفعل استيلاء الجهلة على مواقع القرار مايعني بعثرة الجهود والثروات على الامور والمشاريع الكمالية واستنزاف المقدرات على كل ماهو سطحي فيتعطل الاقتصاد وتنتشر البطالة وتتفسخ مؤسسات الدولة وتتحول الى دكاكين للاتجار بالمال العام المنهوب فيطبق الفقر على اعناق الاكثرية ويبدا بالاقل دخلا والاكثر محرومية ومايرافق ذلك من نسب عالية من الامية مايجعل هذه المجاميع مشاريع للجريمة والانفجار رهن الصدفة او المناسبة . ان اكبر موجتين من موجات الهجرة من الريف الى المدينة كانت تلك التي شهدها العراق في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي وكان اغلبها من المحافظات الجنوبية _(ناصرية عمارة ) باتجاه بغداد لاسباب عديدة ويقف على راسهااولا : الهروب من سلطة الاقطاع وقسوته وظلمه وثانيا انعدام فرص العيش في الريف بسبب الاهمال الحكومي للمشاريع الاروائية من سدود وخزانات ومشاريع بزل التي تحتاجها الزراعة فضلا عن غياب المشاريع الخدمية التي تساعد الفلاح على الاستمرار في ارضه وعدم مبارحتها ,اما الموجة الثانية فقد بدات عام 1980 اما بسب مباشر للحرب من خلال لجوء سكان المناطق الريفية على الحدود الى مراكز المدن الاكثر امنا او بسبب غير مباشر من خلال منح الحكومة ذوي ضحايا الحرب من شهداء واسرى ومعوقين قطع اراضي وامتيازات مادية اخرى سهلت لذويهم السكن في مراكز المدن مامثل هجرة تعد هي الاكبر بعد هجرة الاربعينات من القرن الماضي, وشهدت مرحلة التسعينات من القرن الماضي فرض الحصار الدولي على العراق بعد غزو الكويت عام 1990 ماشكل فصلا اخر من فصول النزوح نحو المدن الكبيرة بسبب عاملين رئيسيين اولهما تجفيف الاهوار في الجنوب واجبارمئات العوائل الريفية في الجنوب على تغيير مواقع سكناها بحثا عن ظروف حياة بديلة والسبب الاخر كان تردي الاوضاع المعيشية في المدن العراقية عامة وخاصة في المدن الجنوبية الاكثر فقرا ماسبب هجرة وبعداد كبيرة باتجاه العاصمة بغداد للعيش والعمل
ان اهم السلبيات التي تنطوي عليها هجرة الريف للمدينة هو نقل التقاليد الريفية المتمثلة بمايلي
1. (الكوامة والنهوة وغسل العار...)الى واقع المدينة الاكثر تحضرا فضلا عن
2..المزاج الحاد الذي يميز ابن الريف ونزقه المعهود بفعل بيئته القاسية واستسهاله استخدام السلاح الذي هو جزء لايتجزا من وجوده الريفي والقبلي.مايتسبب في الغالب في حصول قتولات ونزاعات لاتشهدها المدن في الغالب بسبب الطبيعة المسالمة لابناء المدن
3. تغليبه المعروف للمصلحة والمنفعة الشخصية والعائلية على حساب المصلحة العليا لان الاخيرة لا تمثل له جزءا من منظومته المجتمعية التي تربى عليها والتي تعمل وفق المقولة (اني واخي على ابن عمي وانا وابن عمي عالغريب) والمبنية على اساس من تقديس وتقديم رابطة الدم على ماسواها من روابط.
4. عدم الاعتداد غالبا ب التحصيل العلمي في مسالة.تقييم واختيار القيادات حيث ان القيادة العشائرية هي حالة وراثية لاعلاقة لها بالمؤهل وان وجد فعلى سبيل (البرستيج لااكثر)
5.تغليب الكثرة على النوع في نزعتهم للتكاثر العددي باعتبارها واحدة من اسباب العزوة والقوة
6.النزعة الفطرية لاختراق القانون وعدم احترام النظم ويمكن تلمسها في السلوك الفطري الذي يخرق القانون عند الاشخاص من اصول ريفية في الاشياء البسيطة من حالات تطبيق القانون مثل طوابير المخابز او الاشارات الضوئية وانتهاءا بالاشياء الاكثر خطورة من خلال تولي افراد من اصول ريفية مواقع قانونية او مناصب رسمية مايجعلهم اكثر استعدادا لخرق التعليمات وتسهيل معاملات اقاربهم من اولئك المتحدرين من مراكز المدن .
7. سيادة الفكر الاحادي الاطلاقي الذي لايؤمن بالتعدد او التعايش بفعل البيئة احادية اللون التي نما وترعرع فيها ابن الريف
8.عدم اعتداده بالامور الجمالية والذوقية مايجعل المتحدرين من اصول ريفية اقل حماسا للمشاريع الفنية بل تجدهم يعتبروها اما شيئا مخلا بالاداب او موضوعا لاطائل ولافائدة من وراءه
9.النظرة الدونية للمراة تاسيسا على واقع الريف الذي يمتهن المراة ولايعترف لها باي دور في الحياة العامة
, اننا لانبتغي من وراء ذكر هذه الاشياء الحط من قيمة الريف شخوصا وجغرافية بقدر مانتمنى عكس المعادلة وتحويل الهجرة من المدينة للريف بعد معالجة اسباب تردي اوضاع الريف التي ادت الى الهجرة ان استمرار هجرة الريف للمدن يمثل تغييرا في طبيعة ونمط حياة المدينة فضلا عن تدمير الاقتصاد واستنزاف الموازنات الحكومية على تقديم خدمات اساسية للمدن التي تتوسع بدون منهجية صحيحة بسبب التجاوزات المتمثلة بالاحياء العشوائية على تخوم المدن مع ماتمثله من خطر امني يتمثل في ايواء هذه الاحياء مع ماتعانيه من محرومية تجعل من الحياة فيها نسخة مكربنه معكوسة لواقع الحياة الطبيعي للمدن الامر الذي يشجع الارهاب والتطرف واستشراء الافكار الهدامة في المجتمع فضلاعن ان استمرار هروب اليد العاملة الزراعية من الريف الى المدن يعمل على تاكل القاعدة الزراعية للبلد والتي هي ركيزة وصمام امان امام التقلبات الاقتصادية العالمية ان الحكومة مطالبة بوضع سياسات استراتيجية لتسوير الريف وحمايته وتنميته وتطويره من اجل الارتقاء بواقع ابناءه وتحويلهم من اجراء الى شركاء في واقع البلد وتوفير البنى التحية لمجتمع زراعي متفوق لايحتاج للمدينة بل يضخ اليها الموارد والمواد الاولية ويسهم بحل ازمة البطالة المستشرية بالمدن لما في القطاع الزراعي من قدرة متعاظمة على خلق فرص للعمل فيما لو تم تحديث وتطوير القطاع الزراعي وفق المواصفات العالمية المعتمدة على المكننة والتكنلوجيا الاروائية وطرق الوقاية المبتكرة ضد الافات الزراعية , ان مجتمعنا بحاجة الى توازن علمي ومنع اختياري لهجرة الريف للمدينة من خلال تحويل الريف الى قبلة وفرصة يتسابق اليها ابناء المدينة لاكما فعل الطاغية المقبور عندما فرض القوانين التي تصنف العراقيين الى طبقات واخبثها قراره بمنع اسكان من ليسوا مقيمين في بغداد قبل تعداد 1957 حيث ان الهجرة من الريف لها اسبابها التي ان عولجت ستمنع ابناء تلك القرى من مبارحة مناطقهم والذهاب للمجهول , ورغم اننا نقر بحق الانتقال والذي هو مكفول لكل عراقي حسب الدستور العراقي الا اننا لانجد ان هذا الانتقال هو اختياري بل يقع في خانة الانتقال القسري بسبب تجاهل الحكومة لواقع الريف وعليه فاننا نطالب الحكومة لتحسين واقع الريف ومنع هذا النوع من الانتقال القسري من الريف الى المدينة.
د.ميثم مرتضى الكناني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا