الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح امرأة (6)

محمد هالي

2012 / 10 / 22
الادب والفن


لم أعد أذهب إلى البيت، بعدما اكتريت شقة صغيرة، و نظمتها بالطريقة التي تلائمني، انقطعت العلاقة مع إخوتي نهائيا، لا هم يسألون عني، و لا أنا أريد لقاءهم، لما وصلت إليه من مجون، و تمرد على القيم، و الأعراف، و التقاليد، يظهر هذا بشكل واضح، في طريقة الملبس، و الماكياج المستعمل، كما أني لم أقطع صلتي بأختي فاطمة، كنت أزورها كلما سمحت لي الظروف بالقرب من الثانوية،أ و في كل زيارة أقول لها:
- أنت الأمل، فكري في دراستك فقط، و هاتفي أختك، كلما احتجت إلى أي شيء،
فكانت تخبرني بما جد عن إخوتي، كنت آخذ المعطيات، و أنسحب.
إنسانة أخرى، أصطاد الضحايا بعناية فائقة، و نصائح معلمتي البارعة أمينة، لا تفارقني:
- كل شيء له ثمنه، من يدفع أكثر، فهو لك، الحياة صراع، القوي يغلب الضعيف، ليس هناك حب، و لا زواج، المصالح تحرك الإنسان، سواء كانت عبارة عن رغبات جنسية أو مادية .
و بينما كنت ألبي رغبات أحد المعتوهين الجنسية في شقتي الجديدة، مقابل أجر معين مسبقا، رن هاتفي المحمول، ضغطت على زر الرد، تفوهت:
- ألو، من؟
- ألو، أنا فاطمة، لقد نجحت في مدرسة تكوين المعلمات، و المعلمين، و سألتحق هذا الأسبوع بالمركز.
و بدون شعور دفعت الشخص البدين من فوقي، قبل أن يفرغ قيحه في أحشائي، و أنا أردد:
- مبروك، مبروك...
انقطع الصوت، لأول مرة، كدت أن أطير من الفرح، سكبت جرعتين كبيرتين من ماء البيرة في جوفي، و قلت للزبون:
- مع السلامة، غير مستعدة بأن تبقى هنا
دندن بصوت غير مسموع، و بدا شخصية مفزوعة لم يعرف ما حدث له، ارتدى ملابسه بسرعة، و هرول خارجا بدون أن يلتفت.
لأول مرة عرفت قيمة السرور، و تساءلت مع نفسي:
- هل السعادة تأتي نتيجة الخبر الجميل؟
نظمت حجراتي بسرعة، و غيرت مظهري ككل، و ارتديت سترة غطت شعري، و جانب كبير من صدري، و توجهت مباشرة إلى البيت، اختلط الفرح بالحزن، و أنا أتذكر الحدث الجديد الممجوج بتاريخ العائلة المشئوم، لم أجد أحدا، اتكأت في ركن من الحي، أنتظر قدوم أحد الأفراد من العائلة، صادفت نساء الحي، هناك من تؤدي التحية، و هناك من لم تعرني أي اهتمام، و شيئا فشيئا، تراءى لي أخي مصطفى من بعيد، في حالة يرثى لها، لم يعجبني منظره، ثيابه رثة، و وجهه شاحب، و شعره أشعت، و متسخ، و ريق فمه يتساقط، على الأرض، يحمل قنينة صغيرة، أدركت أنها تحوي الكحول، اتجهت صوبه و الدموع ملأت مقلتا عيناي:
- مصطفى، مصطفى، لماذا أنت هكذا؟ أنت تنتحر بهذا الشكل، تعالى أجلس هنا. حاولت ان اساعده على الجلوس على قطعة حجر متسخة بالقرب مني، ناولته ما قيمته 10 دراهم، و أنا أقول:
- ارتح هنا، انتظر معي فاطمة، و عمر، ألقي بهذا هناك. و أنا أشير إلى القنينة التي كانت في يده المرتعشة، و المزبلة التي كانت توجد بالقرب منا.
لم يفعل أي شيء، ظل متمسكا بكحوله، و فر هاربا مني، و كأنه لم يعرفني قط، أدركت أن اللحاق به لم يعد يجدي نفعا، فتسمرت في مكاني، و أنا يقتلني الانتظار، لا أريد أن أناقش مع فاطمة ما شاهدته الليلة، لا أريدها أن تحزن، كفاها غما، و ألما، يكفيها ما عانته مع إخوتها، تبدو لي الآن نموذج للمقاومة و التضحية، مكافحة بما تعني الكلمة من معنى، بسيطة و صبورة، و صلبة بدت لي شامخة، و هي قادمة اتجاهي، تبتسم ابتسامة اللقاء، تحاول أن تتغلب على الحزن، الذي علق بها طيلة حياتها، لم أتمالك نفسي، عانقتها بحرارة، بكيت، لا أعرف هل هو بكاء الفرح أم الندم، رددت عبارة الهاتف:
- مبروك، مبروك
قبلت كل وجهها تقريبا، لا أعرف ما أفعل، انفتح الباب، ارتمينا فوق أريكة مكسرة، من كل الاتجاهات، تمايلنا، كدنا أن نسقط، لكن تمالكنا أنفسنا، و خلقنا نوع من التوازن، أثناء جلوسنا، لكي تبقى الأريكة حاملة لهذه القطع البئيسة، و الحزينة، و في نفس الوقت سعيدة، بما حققته فاطمة من معجزات.
تناقشنا بما فيه الكفاية، استفسرت عن عمر، بعدما تعرفت على مصير مصطفى من قبله، أخبرتني بأنه يتاجر في مخدرات الشيرة و السجائر بالتقسيط، و أنه دائم الشجار، و كل مرة ينجو من ضربة سكين، أو خنجر، من طرف أقرانه في الحي، تأكدت أنه هو الآخر، سينقرض في أية لحظة، قدمت لها قدرا مهما من المال، لتدبر أمورها في العمل الجديد، لكن بقدر ما فرحت لأختي، بقدر ما ألمني مآل إخوتي، ودعتها، و انصرفت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR


.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-




.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه