الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفيفة اسكندر والموت الحزين

رحمن خضير عباس

2012 / 10 / 22
الادب والفن


ماتت فنانة الشعب , عفيفة إسكندر. ماتت وكأن موتها يرمز لرثاء اللحظة التاريخية التي جعلتنا لانفرق بين احزاننا وافراحنا .حينما يغادرنا الوعي تتساوى الأشياء. وبموتها نسدل الستارة عن زمن جميل واريناه بحماقة , لنستقبل زمنا غريبا عنا , ولسنا متأكدين من هويته . لأنه ببساطة استهان بهويتنا العراقية . ومزقنا الى نتف مجهرية , منها المذهبية والعرقية والدينية . لم نلتحف بعراقنا الكبير . بل مزقناه وصرنا نلوذ برايات صغيرة صنعتها مخيلتنا المريضة , لنستبدلها بالراية الكبيرة لعراقنا البهي . ماتت عفيفة اسكندر بصمت دون ان ان نشعر بعذابات موتها , اهمالها, شيخوختها , انسانيتها المستباحة . الم نجعلها في هوة الفاقة , وهي التي لم تبخل علينا بالفرح ؟ ألم نبخل عليها بالرعاية وهي التي منحتنا الحب ؟ اي زمن عاق هذا الذي نعيشه ؟ فقد ماتت سيدة الغناء العراقي متدثرة بالفقروالحاجة والأهمال ! ونحن منشغلون عنها بأداء فرائض النفس الأمارة بالسوء . حيث الفساد يصل الى درجات قياسية في عراق يحكمه الأعداء من طبقيين ومذهبيين وحاملي حصص لا ينتمون اليها . لقد سرقوا عراقنا , فتبا لهم .
ولدت عفيفة الطفلة في سوريا عام 1921 من اب عراقي وام يونانية . وفي عمر الخمس سنوات استطاعت ان تغني وان تتقن المقامات معتمدة على موروث موسيقي هائل فكانت امها عازفة على اربع الات موسيقية .وقيل ان روح امها قد رافقتها في مسيرتها الفنية . الغريب ان رجلا عازفا وملحنا يكبرها اكثر من نيف واربعين عاما تزوجها وهي في سن الثانية عشر . وكان يدعى اسكندر فلذالك اكتسبت اسمه فنيا . فاصبحت تسمى عفيفة اسكندر . وقد بدأت مشوارها الفني في نوادي بغداد وملاهيها . في ذالك الوقت لم يكن للملاهي معنى سلبيا . وقد تبوأت النجومية في سماء بغداد , واصبحت اغانيها على كل لسان . ومن هذه الأغاني ( حركت الروح لمن فارقتهم ) و (بعيونك عتاب ) وكثير من الأغاني الرائعة التي شكلت الروح الحقيقية لبغداد .
لقد كانت عفيفة إسكندر فنانة العراقيين من طبقاتهم العليا الى الطبقات الشعبية . لقد كان الملك الراحل فيصل الأول يعشق اغانيها وكذالك نوري السعيد وعبد الكريم قاسم في العهد الجمهوري الأول . والغريب أنّ عبد السلام عارف كان يكرهها !
لقد كانت لميعة توفيق امتدادا طبيعيا للفن العراقي النسوي الذي تبنته الفنانة القديرة صديقة الملاية وبعد ذالك سليمة مراد . وقد استفادت الفنانة عفيفة من هذه المدارس الغنائية , الى أن إختطت لنفسها اسلوبها وطريقتها ومنهجيتها الغنائية . ولقد ملئت الساحة الغنائية لبغداد واشاعت الفرح في عصرها . ولكنها اعتزلت الغناء واعتكفت في بيتها . ومع مرور العراق باوقات عصيبة , اصبحت هذه الفنانة عبئا على نفسها تتوسل الشفقة . بعد ان زهدت بالدنيا وما فيها واصبحت رهينة سرير الشيخوخة لسنين عديدة . لم يساعدها سوى بعض المحسنين من اصدقائها ومحبيها .
ماتت عفيفة اسكندر الفنانة البهية والمثقفة وصاحبة الصالونات الأدبية والمعجبة والصديقة لعلماء العراق ومثقفيه امثال المرحومين علي الوردي ومصطفى جواد .
ماتت عفيفة اسكندر وهي تودع عذابات شيخوختها . ولكنها تركت لنا كعراقيين اجمل الذكريات , تركت لنا اعذب الأغاني واللمحات الفنية في افلامها واحلامها وصوتها الشجي . ماتت عفيفة الشابة العراقية الجميلة جمال النخل والنهر , ولكنها تركت لنا اغان عراقية لاتموت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عراقة العراق
طلال السوري ( 2012 / 10 / 22 - 23:57 )
جميل ان تكتب عن عراقة العراق وحب العراق الكبير وليس عن شيوعية العراق

اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال