الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكاية الأحوازية المنسية عربيا

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2012 / 10 / 22
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


من المدهش قدر التجاهل الذي يسيطر على وسائل الإعلام العربية، بمختلف أنواعها واتجاهاتها، إزاء قضية الأحواز، وهو الإقليم العربي الذي سقط في القبضة الإيرانية عام 1925م، ليصبح بعدها واحدة من الأراضي العربية "الكثيرة"، الواقعة تحت سيادة أجنبية، شأنها في ذلك شأن مدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين للاحتلال الأسباني، وكذلك إقليم أوجادين الصومالي، الذي تحتله أثيوبيا، وتعتبره أرضا إثيوبية، وتعمل على طمس الهوية الصومالية فيه.
وتتفاوت قضايا تلك المناطق العربية في شهرتها الإعلامية، إلا أن هناك بعض القضايا، التي يتم تسليط الضوء عليها أكثر من غيرها لأسباب شتى من بينها توازنات القوى والعلاقات الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى المصالح المباشرة للأقطار العربية المختلفة.
ففي ظل استقطاب قضية فلسطين للاهتمام العربي طيلة عقود، كان من الصعب الالتفات إلى أية قضايا أخرى، وهذا لا يعني تجاهل القضية الفلسطينية لصالح قضايا أخرى، ولكن يعني الاهتمام بالقضايا الأخرى في إطار منظومة سياسية عربية تسعى إلى حل جميع تلك القضايا الخاصة بالأراضي العربية الواقعة تحت الاحتلال أو الخاضعة لسيطرة قوى أخرى، إلا أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، والذي كان في جزء منه يهدف إلى تحقيق مصالح داخلية لبعض الأنظمة العربية، طغى على تلك القضايا. ومع ذلك، فقد فشل العرب في صياغة رؤية موحدة لحل الصراع العربي الصهيوني ككل، ومن ضمنه القضية الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى استمرار احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وإلى عدم السعي الجاد لحل، أو على الأقل لإثارة، مثل تلك القضايا. وفيما يلي عرضا شديد الاختصار لأصل الحكاية الأحوازية، والموقف العربي منها والغرض منه إلقاء الضوء على هذه القضية المنسية

أصل الحكاية
في كل الأزمات السياسية الداخلية والخارجية، التي عصفت — ولا تزال تعصف — بالعالم العربي، هناك عدد من العوامل المتكررة في كل أزمة، ومن بين تلك العوامل نقض الغرب "عهوده ومواثيقه" مع الأطراف العربية المتأثرة سلبا بالأزمة، إلى جانب عامل القوة الإقليمية التي تكون سببا مباشرا في نقض الغرب لـ"عهوده ومواثيقه"، بالإضافة إلى عامل الخيانة.
والحاصل في قضية الأحواز لا يخرج كثيرا عن هذا الإطار التقليدي، فقد كانت أطماع إيران السبب الرئيسي وراء السعي لضم الأحواز، وقد استفادت تلك الأطماع من البراجماتية التي تحكم السياسة الخارجية البريطانية. فقد رأت بريطانيا أن تحالفها مع الإيرانيين سيكون أكثر فائدة لها من "الضمانات"، التي سبق أن قدمتها للشيخ خزعل الكعبي الذي كان حكم الأحواز منذ العام 1897م وحتى 1925م. فقد حصل الكعبي على ضمانات وحماية من البريطانيين في تلك المنطقة الملتهبة من الشرق الأوسط دائم التوتر، إلا أن البريطانيين وجدوا في الإيرانيين حليفا أفضل، بالنظر إلى التعاون السابق بينهما، والذي قام فيه الإيرانيون بمساعدة البريطانيين في التخلص من النفوذ البرتغالي في الخليج العربي مقابل تثبيت دعائم الإيرانيين في المنطقة.
كذلك فإن البريطانيين خشوا من قوة الدولة الكعبية، التي تأسست في الأحواز في العام 1724 وازدادت قوة في عهد الشيخ خزعل الكعبي، لذلك سلموها إلى الإيرانيين مكافأة لهم على خدمتهم للمصالح البريطانية في المنطقة. ويرجع طمع الإيرانيين في الأحواز إلى أنها منطقة غنية بالموارد الطبيعية من نفط ومياه وأراضٍ زراعية، إلى جانب موقعها الإستراتيجي على الخليج العربي.
وكان العام 1925م هو العام الذي شهد ضم إيران الشاهنشاهية للأحواز بمساعدة من البريطانيين. فقد قام القائد الإيراني الجنرال زاهدي بإعداد فخ للشيخ الكعبي، إذ أوهمه بأنه يريد إجراء محادثات معه في العاصمة الإيرانية طهران. ولما وصل الشيخ الكعبي إلى طهران، تم اعتقاله. ويقال إنه ظل قيد الاعتقال على ظهر طراد بريطاني لفترة من الوقت، قبل أن يودع في أحد سجون طهران؛ حيث لاقى ربه تعالى مسموما، كما تؤكد أغلب الروايات.
وسيظل يوم 20 أبريل من العام 1925م محفورا في الذاكرة العربية الأحوازية، فهو اليوم الذي دخلت فيه القوات الإيرانية إلى أراضي الأحواز بقيادة رضا خان؛ حيث أعملوا في أهلها التقتيل واتبعوا سياسة الأرض المحروقة للقضاء على كل أثر عربي فيها، ولمنع إمكانية نشوء مقاومة أحوازية، إلا أن الرهان الإيراني على ذلك قد خاب. فبعد 84 عاما من الاحتلال الإيراني للأحواز، لا تزال المقاومة مستمرة ضد الاحتلال وضد كل محاولات طمس الهوية العربية للإقليم، وهي المحاولات الممثلة في اقتطاع أراضٍ أحوازية وضمها لإيران، وإنشاء مستوطنات فارسية في الأحواز، وتهجير سكان الأحواز، وتغيير أسماء المناطق العربية بأخرى فارسية،

الموقف العربي من القضية
هناك التباس كبير في الموقف العربي من قضية الأحواز، ولعل ذلك الالتباس يرجع إلى عدد من العوامل بعضها إقليمي والآخر داخلي. فمن العوامل الإقليمية أن إيران تعتنق المذهب الشيعي وتقع بالقرب من السواحل العربية والتي تضم سكانا شيعة كثرا بينها يصل بهم الحال إلى أن يشكلوا أغلبية في البحرين. وبالتالي، تخشى الدول العربية أنها إذا ما طالبت باستقلال الأحواز أو دعمت قضيتها أن تقوم إيران بتدعيم الأقليات الشيعية في العالم العربي وتشجيع مسعاها الانفصالي.
ولكن هذا التحفظ العربي مردود عليه بأن الإيرانيين بدؤوا بالفعل التدخل في الشئون العربية من حيث إثارة القلاقل في البحرين كما رأينا في أحد لقاءات كرة القدم بين المنتخبين البحريني والإيراني في العاصمة البحرينية المنامة عندما رفع البحرينيين من أصل فارسي ويسمون بـ"العجم" العلم الإيراني في استاد المنامة، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الاستياء في الأوساط العربية. ذلك إلى جانب التحركات الإيرانية الأخيرة في الأزمة البحرينية والتي استهدفت دعم الشيعة في مطالبهم الإصلاحية لا لكونها مطالب إصلاحية ولكن لاعتبارات مذهبية، وهو الأمر الذي أثار حفيظة دول الخليج العربي فراحت تدعم السلطة الحاكمة في البحرين.
كما أن التصريحات التي نقلها علي أكبر ناطق نوري أحد كبار مستشاري المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران عام 2009 والتي قال فيها إن "البحرين إيرانية" توضح النوايا الإيرانية ضد المنطقة العربية، مما دفع الدول العربية إلى اتخاذ مواقف سياسية وصلت تداعياتها إلى حد إعلان المغرب قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
ولا يخفى على أحد ما قامت به إيران من تدعيم للشيعة في العراق ضد السنة والتحالف مع الاحتلال الأنجلو أمريكي ليس بداعي نشر الديمقراطية وحماية الحقوق المدنية والدينية بالطبع ولكن لتحقيق مبدأ نشر الثورة الإيرانية في العالم العربي وكسب دول تدور في الفلك الإيراني. إلى جانب الحديث عن الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين في اليمن.
كذلك، هناك عوامل داخلية في الدول العربية تمنعها من اتخاذ إجراءات قوية ضد إيران وهي أن في الدول العربية أقليات تخشى الدول العربية أنها إن دعمت مسعى عرب الأحواز في الانفصال، انفصلت عنها تلك الأقليات مثل الأمازيغ في الجزائر والمغرب والأقليات العرقية المتنوعة في السودان والأكراد في سوريا "رغم بعدها كل البعد عن دعم الأحواز في إيران للعلاقات الإستراتيجية التاريخية بين الإيرانيين والسوريين والراجعة أيضا للمذهب الشيعي العلوي الذي يعتقنه الحكام في سوريا.
ويبرز الموقف المصري كأحد أقوى المواقف العربية من قضية الأحواز، على ضعفه بشكل عام. فتشير صحيفة الشرق الأوسط اللندنية إلى أن مجلة باسم (عرب الأحواز) حصلت على إذن بالصدور في مصر في عام 2008، وهي المجلة التي كانت ذات ترخيص أجنبي وتصدر في مصر مديرها العام مصري هو الدكتور عبد الصمد الشرقاوي.
وتوالت زيارات الوفود الأحوازية إلى القاهرة ومن بينها زيارة قام بها وفد من الجبهة الديمقراطية الشعبية في ذلك العام، التقى الوفد خلالها بأعضاء حزب التجمع الوحدوي، كما قام بزيارة لجريدة (الأسبوع) الأسبوعية.
وعلى الرغم من هذا النشاط، فإنه لا يرقى بأي حال من الأحوال لما يمكن تسميته دعم القضية الأحوازية، وهو النشاط الذي يحتاج إلى الكثير من التفعيل، سواء من المنطلقات القومية العربية أو من منطلق رد الجميل لإيران على تدخلها في الشئون العربية وهو التدخل الذي ازداد بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وتولي الشيعة السلطة هناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نأيد القضية الاحوازية ونرفض النفس المذهبي
يسار زين ( 2012 / 10 / 22 - 22:58 )
مع تأيدي للقضية الاحوازية بوصفها قضية تشبه الى حد كبير قضية فلسطين حيث نفس السياسات تتبع من قبل الصهاينة و النظام الايراني على سبيل المثال : التهويد يقابله التفريس طمس الهوية العربية في كلتا الخالتين ، الا انني أرفض ما ورد في النص أعلاه فهو بمثابة المجهض للقضية الاحوازية و اغراق لها في فخ الطائفية خدمة لمشايخ النفط في الخليج و اسيادهم في الغرب ، القضية الاحوازية تأخذ بعدين بعدا قوميا و بعدا اقتصاديا اجتماعيا وسيكون تكامل القوى الاحوازية مع مثيلاتها الايرانية والعربية المعبرة عن المضطهدين المفقرين خير دعم للقضية الاحوازية


2 - البعد المذهبي
حسين محمود التلاوي ( 2012 / 10 / 23 - 09:29 )
شكرا لملاحظتكم المهمة... ولكن في كل الأحوال، لم يكن المقصد من الإشارة للاختلاف المذهبي هو استعداء مشيخات الخليج النفطية على القضية، ولكن المقصد هو طرح مختلف الأبعاد التي تؤثر سلبا على الموقف العربي من القضية ومن بينها البعد المذهبي الذي إن اختلفنا أو اتفقنا معه، فهو موجود ومؤثر وفاعل. وإلا لماذا لم تدعم دول الخليج قضية الأحواز مثلما تدعم الثورة السورية الآن؟! للقرب الجغرافي الإيراني والقوة العسكرية الإيرانية وهي الأمور غير المتوافرة في الحالة السورية. شكرا لكم جزيلا تعليقكم وملاحظتكم المهمة

اخر الافلام

.. بشكل فوري.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء أحياء بخان يونس ورف


.. الفلسطينية التي اعتدى عليها كلب الاحتلال تروي تفاصيل الجريمة




.. أخبار الصباح | بايدن ينتقد المحكمة العليا.. وأول تعليق من إي


.. -تايمز أوف إسرائيل- تستبعد إرسال الجيش الإسرائيلي للآلاف من




.. علاقة السمنة بانقطاع التنفس أثناء النوم