الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة مفتوحة إلى الطبقة العاملة اللبنانية وحركتها النقابية

قاسيون

2005 / 3 / 6
الحركة العمالية والنقابية


أتوجه برسالتي إلى قادة الحركة النقابية المناضلة في لبنان والذين تربطني بهم علاقات نقابية كفاحية تمتد إلى أكثر من أربعين عاماً، خاض فيها العمال السوريون واللبنانيون ونقاباتهم كفاحاً مشتركاً وطنياً واجتماعياً في وجه الخصوم الداخليين والخارجيين.
لقد حزّ في نفسي ما تعرض له العمال السوريون في لبنان من استفزازات عنصرية أدت إلى مقتل وجرح العشرات منهم في مناطق مختلفة من لبنان والمؤلم أن بعض تلك الاعتداءات كان منظماً ومدروساً مستغلاً لحظة الانفعال بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
إن تاريخ الحركة النقابية المضيء بنضالاته ومواقفه كان يجب أن يكون حصناً لهؤلاء العمال الكادحين الذين كان لنقاباتهم في سورية ولبنان نضالٌ مشتركٌ ومواقف مشرفة بل موحدة وكان مؤذياً انفلات الغضب الذي وصل إلى حد القتل والضرب المميت دون أن نسمع استنكاراً صريحاً من قيادات النقابات اللبنانية الشقيقة وإنه لمن الوفاء التذكير ببعض الأصوات التي شجبت ورفضت هذه الممارسات العنصرية الحقودة وخاصة ما ذكره المثقف اللبناني المعروف «غسان سلامة» من رفضه واستنكاره لهذه الممارسات.
إن الاتفاقات العمالية الدولية العربية تصون حقوق العمال وحياتهم وكرامتهم وفي مقدمتها الكفاح ضد التمييز خاصة بين عمال اتحادات شقيقة عاشت تجربة واحدة ضد الاستعمار والمستغلين ومهما قيل... فلقد ساهم العمال السوريون مساهمة حاسمة في نهضة لبنان في الخمسينات والستينات تماماً كما فعلوا في إعادة إعماره بعد الحرب الأهلية البشعة بل أنهم قاموا بدور رائد في شركات المغفور له رفيق الحريري نفسها والذي شهد بجدارتهم وإخلاصهم مرات عديدة.
وإنه لمن الواجب أن نذكر أن السوريين بمجموعهم لم يرموا إي مواطن لبناني بوردة في أشد لحظات الاحتقان بين البلدين لا بل أنه في ذات اللحظة التي كان فيها عمالنا يتعرضون لحملات الضرب والقتل كان مئات بل آلاف اللبنانيين يتجولون في المدن السورية دون أن يسمعوا كلمة نابية من مواطن سوري، وليس مّنة التذكير بأن نقابات العمال السورية وقفت بلا تردد إلى جانب النقابات اللبنانية والشعب اللبناني حينما أغلقت الحدود بين البلدين آواخر الستينات، فقام اتحاد العمال السوريين بفتحها بناءً على طلب من الاتحادات العمالية اللبنانية وفتحت فعلاً بعد أن ضغط الاتحاد السوري على القيادة السياسية وقتها (1969) لتسهيل العمل والحركة الاقتصادية أمام الشعب والفعاليات والنقابات اللبنانية.
ولعل أبرز الأسباب التي سعى لها مخططو ومنفذو جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري لتحقيقها، هي محاولة إحداث شرخ حقيقي، وربما طويل الأمد، أو نهائي، بين الشعبين العربيين السوري واللبناني.
فمن جملة التداعيات المؤلمة التي تلت عملية الاغتيال المروعة، والتي لم تجد في زحمة الأحداث من يشير إليها أو يسلط عليها الضوء، اللهم إلا ببخل شديد، كانت الاعتداءات الدموية التي تعرض لها العمال السوريون، وما يزالون، في مختلف المحافظات اللبنانية.
الكثير من القتلى والجرحى من العمال البسطاء الذين لم يجدوا سبيلاً للرزق في سورية، ومضوا إلى لبنان باحثين عن أمل وفرصة لسد الرمق وقهر الفاقة، تحولوا فجأة إلى أهداف متحركة، بعد أن راح بعض الحزانى والغاضبين المتعصبين يوجهون إليهم الحراب وأصابع الاتهام، مدفوعين بخطاب عنصري عدائي صارخ ضد سورية، سيطر على معظم وسائل الإعلام اللبنانية المرئية المسموعة والمقروءة، وعلى الكثير من الفعاليات الإعلامية الدولية، والأهم، على تصريحات عدد متزايد من رموز المعارضة اللبنانية.
ولم يكن اغتيال الرئيس الحريري سوى فرصة لتفريغ شحنات سلبية كبيرة، تعبأ بها الكثير من المهمشين اللبنانيين، فقراء وعاطلين عن العمل، بعد أن جرى، وعبر سنوات طويلة إيهامهم بأن العامل السوري ينافسهم بأرزاقهم، ويحرمهم فرص عملهم، ويصادر إمكانية رفع الأجور وتحسين مستوى معيشة العاملين منهم، لأنه يرضى بالقليل اليسير، ويعمل بشروط صعبة من دون أي تذمر. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فقد ظلت أوساط، من بينها قوى سياسية ومنابر إعلامية، تتعاطى مع السوريين عموماً سواء أكانوا عمالاً أو طلاباً أو زواراً بشكل عنصري، وراحت تجاهر بكراهيتهم والتعالي عليهم، وهؤلاء لم يجدوا أفضل من هذه الفرصة لتحويل أحاسيسهم ومشاعرهم إلى سلوكيات عدائية، في ظل غياب شبه تام لدور الدولة والمؤسسات الحكومية، وفي ظل الارتباك الكبير للقوى الأمنية التي أصيبت بالشلل.
في هذه المعمعة، كان حرياً باتحادات النقابات العمالية في لبنان أن تقول كلمتها.
لماذا النقابات؟ لآن العامل في أي بلد، ومهما كانت جنسيته، هو مسؤولية إنسانية وطبقية، تتحملها الجهات الأكثر قرباً والتصاقاً منه وبه، بغض النظر عن السياسة وتبعاتها وكوارثها!
إنني إذ أسجل استيائي من كل الإهانات والاعتداءات والجرائم التي تعرض لها العمال السوريون، في المصانع والورش والمزارع والشوارع اللبنانية، أسجل في الوقت نفسه عتباً كبيراً على القيادات النقابية في لبنان، لأنها لم تبادر إلى حماية العمال السوريين، ولم تصدر أي بيان يستنكر الاعتداء عليهم، أو يدعو الناس على اختلاف انتمائهم ودوافعهم ومشاعرهم، لعدم التعرض لهم بالأذى.
إن الطبقة العاملة في سورية ولبنان، وقياداتها النقابية، خاضت بشكل مشترك نضالات طويلة ومجيدة، منذ أيام الاحتلال الفرنسي، مروراً بالفترات العصيبة التي تلت الاستقلال، وصولاً إلى الفترة المعاصرة.
كما أتذكر، وأذكر أن اتحادنا في سورية، وقف إلى جانب العمال اللبنانيين وتنظيماتهم النقابية في التسعينات من القرن الماضي، في عهد الرئيس إلياس الهراوي، حين أعلنوا الإضراب العام، ودعم مطالبهم المحقة، وبذل كل ما بوسعه لإنصافهم وعدم التعاطي معهم بشكل موتور.
ومما يبعث على الأسف والاستياء في آن معاً أن المستفيدين الوحيدين من العلاقات الوثيقة بين سورية ولبنان كانوا مجموعة من الانتهازيين (سوريين ولبنانيين) الذين شكلوا «مافيات» حقيقية لجنيّ مكاسب غير مشروعة في مجملها على حساب الشعبيين الشقيقين اللذين لم يطالا في النتيجة إلا الفتات.
وقد ساهمت هذه «المافيات» إلى حد كبير في تشويه صور العلاقة الأخوية بين البلدين، وشكل تأمين مصالحها عبأً على الشعبيين، ولعل هذا له مساهمة كبيرة ويتحمل مسؤولية مباشرة في وصول الاحتقان الشعبي إلى ما وصل إليه.
لذلك، وانطلاقاً من حرصي الكبير على الطبقة العاملة في كلا البلدين الشقيقين سورية ولبنان، وأملي الدائم في عدم إغراق العمال في معارك ليست معاركهم الحقيقية، أدعو كافة العمال اللبنانين وتنظيماتهم النقابية وقياديهم إلى التنبه من الانزلاق إلى شرك الانفعال السطحي، وآمل منهم أن يكونوا نصراء حقيقيين لأخوتهم العمال السوريين في هذه المحنة الكبرى التي تواجه بلدينا وشعبينا وطبقتنا العاملة وأؤكد أن معاركنا وأهدافنا وآمالنا ومصائرنا كانت وستبقى واحدة ومشتركة.
أيها الأخوة... أيها الرفاق النقابيون سنبقى معاً... نناضل معاً... ولن تكون سحابة الصيف هذه إلا ذكرى نأمل ألا تتكرر.
■ إبراهيم اللوزة
قيادي نقابي سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وجه سياسي جديد لبريطانيا.. العمال يسحقون المحافظين في نتيجة


.. زعيم العمال -ستارمر- يصل إلى قصر باكنغهام ليُكلف من الملك تش




.. نايجل فاراج: الحكومة العمالية المقبلة ستكون في ورطة قريبا


.. السودان.. نقابة الصحفيين: 90% من الصحفيين فقدوا وظائفهم وأمل




.. مني عبد الوهاب: نعتمد على خبرات العاملين بالشركة المتحدة في