الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة

كامي بزيع

2012 / 10 / 24
الادب والفن


تشكل الكتابة طريقة عظيمة لترتيب ذات الكاتب، انها تضع النقاط على الحروف، انها تأوي الانسان وتبعده عن التشتت لانها تنظمه، تنقحه وتوضحه.
الكتابة تكتشف الذات، تكشف انفعالاتها وقلقها، تجيب على الاسئلة السريعة التي تؤرق الفكر، والفكرة التي تمر في الخاطر، انها "تفضفض" عن الكاتب، تريحه من اعباء همومه، لان هذه الهموم تظهر على الورق (او بشكل آخر من التعبير) لذلك تترك الكاتب شفافا وصافيا.
تحرر الكتابة الكاتب من تراكم الهموم والمشاكل والانفعالات، انها بطريقة ما تنظفه من سموم الحياة، تنقيه اذا صح التعبير فيبقى بذلك مستعدا لاستقبال انفعالات جديدة، وتأثيرات مستجدة، ففي ذاته لا مكان للقديم، الكتابة تأخذ عنه القديم تحرره على الورق، وتلقيه في الكتب، فنجده دائما متجددا مستعدا لتقبل اي طارئ طارق.
الكتابة تحمم الكاتب، تغسله، تزيل عنه التراكمات، وترجعه ابيضا ناصعا ، نقيا. لذلك عندما ينتهي الكاتب من كتابة امر ما يشعر بانه اصبح نظيفا، خفيفا، لقد افرغ حمولته.
لان الكاتب شفافا، يستطيع اي هم مهما كان عاما ان يكون همه الخاص، والقلق الانساني بمجمله يصبح قلقه الفردي، لذلك عندما يكتب، فانه لا يكتب نفسه، بل يكتب الاخرين، كل الناس الاخرين، الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم، الذين يشبههم والذين لا يشبهونه، انه تلك الذات العامة الموجودة في كل الناس او اغلبهم، لذلك عندما نقرأه نقول، انه يكتب عني، انه يكتب مااريد قوله، ان يعبر عني.
وعلى هذا الكاتب لا يتعب، لان الكتابة تحرر اثقاله، تزيحها عن منقبيه، فيصبح خفيفا يسعى للامتلاء دائما.
الكتابة تحرر الكاتب من القلق، لكنها بالوقت عينه تفرض عليه قلقا من نوع اخر...قلق الكتابة...لكنه يشبه قلق الحب، انه لذيذ لانه الحب نفسه.
الكتابة تجعل الكاتب متصالحا دائما مع نفسه لانها لا تحب الاقنعة، تنزعها بقوة وتفرض حقيقتها على الكاتب، فيغدو الكاتب حقيقيا ايضا.
الكتابة تجعل الكاتب ثريا، فيشعر بنفسه وكأنه امير العالم، انه ممتلئ لدرجة لا تستطيع معه الاموال ان تجد لها مكانا، انه مليئ لدرجة الاشعاع.
الكتابة تزيل الالم والوجع، لانها تدخل الكاتب في مرحلة ابعد من الحواس، وهي تسمو به متجاوزة جسده الصغير، تحلق به بعيدا حيث الالم يصبح احساس عابر للجسد، ترمي الكتابة عليه ظلالا من النسيان، فلا يعود يشعر معه الكاتب انه من لحم ودم بل من نور وضياء.
الكتابة تجعل الكاتب جميلا، فيرى صورته متوهجة، عيناه لامعتان، ويديه منحوتتين من رخام، وشعره غابة من الزهر، ووجهه انعكاسا للشمس.
الكتابة تحقق التوازن للكاتب لان فعل الكتابة هو فعل اعتراف وبوح، وعندما تتحول الكتابة الى اعتراف ينعتق الانسان ويتحرر من سجن التفاصيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. مهرجان موازين للموسيقى يعود بعد غياب 4 سنوات بسبب ج


.. نون النضال | خديجة الحباشنة - الباحثة والسينمائية الأردنية |




.. شطب فنانين من نقابة الممثلين بسبب التطبيع مع إسرائيل


.. تونس.. مهرجان السيرك وفنون الشارع.. إقبال جماهيري وأنشطة في




.. دارفور.. تراث ثقافي من الموسيقى والرقص