الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف والمزيف .. المشهد الثقافي في محافظة ديالى

علي متعب جاسم

2012 / 10 / 25
الادب والفن


بعد أن يمضي أكثر من تسعين سنة أو اقل من ذلك بقليل على نشوء حوارات ونقاشات أخذت حيزها في صفحات الصحف العربية والعراقية حول الثقافة والمثقف ,هل هناك جدوى لنفتح باب النقاش واستيلاد الرؤى من جديد ؟
وهل يصح السؤال الأتي : ما جدوى أن نتحدث في ذ لك ؟
وان كانت هناك جدوى أفلا يعد ذلك مؤشرا خطيرا يحتمل مراجعة موقف المثقف ودوره وفاعليته في الوقت الراهن ,وقبل هذا وذاك التساؤل الأتي ,هل طرا تغيير ما على مفهوم الثقافة وبالتالي على تعريف المثقف ؟

في الإجابة عن هذا التساؤلات ولكي نحدد موقفنا بوضوح علينا تبني مفهوما للمثقف ونرى فيما يراه جيرار ليكرك أن المثقف هو منتج الأثر أيا كان ذاك كتابا أو مقالة أو شتى صنوف الإبداع ,ومن وجهة نظري ان مثل هذا المفهوم تنقصه جوانب توضيحية أخرى ,فلا يكفي المثقف ان يكون هو منتج الأثر وإنما ما يقف موازيا لذاك هو الوعي بإنتاج الأثر ويتم هذا الوعي بتحويل الأثر إلى معرفة سلوكية من خلال انسجامها مع الذات وصولا إلى تفعيلها بالبنية العامة للمجتمع ,ويتم ذلك من منتج الأثر او من متلقيه وإزاء هذا الفهم يتسع دور المثقف باتساع تأثيره والعكس صحيح أيضا.

المثقف ينظر ويتعامل مع المجتمع بوصفه بنية منظمة ومنسجمة وفق مظهر مديني فالمدينية من أولى شروط إيجاد الثقافة وتبني المثقف كما أن وجوده متعلق إلى حد بعيد بنشوئها ,

إذا كنا نتبنى هذا المفهوم فإلى أي حد يمكن توصيف المثقف العراقي الحالي؟ وسنتخذ من محافظة ديالى أنموذجا للتعامل مع إدراكنا أن ما سيرد من توصيفات ليست بالضرورة سحبها الى ساحة العراق كلها على الرغم من ان المهيمنات واحدة بالوصف العام الا ان من المناسب التنويه إلى ان فترة ما بعد 2003 أفرزت أنماطا من المدينة وطرحت ألوانا من الثقافات المهيمنة وبالنتيجة اختلفت استجابات المثقف لتلك الدواعي وتذبذب بناء على ذلك أداؤه وفاعليته .

من الانسجام الى التشضي

قد لا يصح ان نصف المثقف بالمنسجم ,فهو اذ ذاك سكوني يتقبل من دون ان يرضى ويرضى من دون قناعة ,مما يهيؤه للوقوع في هاوية التشضي وتفتيت الذات وبذاك يخف أو يتحول دوره المفترض القيام به , ولتوضيح ما نعنيه بالانسجام هو قدرة المثقف على تثوير البنية والوسط الذي ينتمي إليه تثويرا ايجابيا .. طامحا .. مستقلا ذ ا رؤية واضحة مبنية على استنتاجات وتحليل وبالتالي تقديم الرؤية الأصلح وليس بالضرورة الاوفق ويعتمد ذلك بالدرجة الأساس على مجموعة من الأسس التي ينبغي توافرها او إيجادها وتتمثل أبرزها بعدم الانضواء تحت المؤسسة الرسمية التي تحاول دائما تدجين المثقف لصالحها ما يعني ضرورة استقلال الثقافة لضمان سيرورتها بالاتجاه الصحيح ,ولكي يضمن المثقف حيوية مشروعه وفاعليته لابد من ان يعيد إنتاج الذات وفق ما تفرضه المرحلة ليحقق انسجام الذات التي تعمل بوصفها شرطا من شروط إنتاج الثقافة وفي اغلب الأحيان يتم ذلك من خلال تفعيل العمل الجماعي لان الثقافة عمل وبالتالي فعل جماعي وهو ما يقتضي عملا تتدخل به إلى حد كبير الطبقة الوسطى لإنتاج وتفعيل وترويج العمل الثقافي ودعمه وهذا ما نجد تأثيره ضئيلا جدا,وإذا ما عكسنا هذه التصورات على واقع المشهد الثقافي في محافظة ديالى فإننا قد نصاب بخيبة أمل كبرى ,ذاك ان المشهد وعلى الرغم من انه بدأ يتنفس الصعداء بعد 2008 اذ شهدت المحافظة استقرارا أمنينا إلى حد ما _ما أتاح للمثقفين تواصلا ولا سيما بعد عودة بعضهم من المنفى المؤقت ابان الاضطرابات الطائفية _ خيبة الأمل في تصوري تنبع من مصدرين ,الأول أن المثقفين انقسموا على أنفسهم فالنخبة منهم كما أود تسميتهم من مضى في استكمال المشروع الثقافي الا أن ما حققه إلى ألان لا يكاد تعقد عليه الثقة على الرغم من جديته .أنتجت هذه النخبة رؤى فكرية تمثلت بإصدارات كتب وبلورت رؤى من خلال تواصل اللقاءات وترويج أفكار تقدمية تحاول زحزحة ضبابية الرؤية التي سادت ما يزيد عن سنتين بفعل تغييب المثقف وفي ظني ان إمامها الخطوات الأصعب إذ تتمثل بالقدرة على نقل الأفكار إلى مستوى التأثير بالشارع وتقديم ما يكسب قناعاته .إن الانفتاح على الجمهور بخطاب يمثل طموحاته ويختزل همومه ويبث فيه رؤى بناء مجتمع حضاري متمدن هو الخيار الاول وأمامها قبل ذلك السعي لتحصين أدائها بعدم تبني أية اديولوجية من شانها تعمل على إقصاء الأخر أو تهميشه تحت أي طائل .والآخر هو من ذهب مروجا لثقافة "الانسجام "التي انزلق إليها اغلب الأحيان مفترضا أنها الاوفق لتخطي تحديات المرحلة وعن وعي أو من دونه كانت شرعنه لآلية سياسة وليس لإنتاج ثقافة وقد جرى تسييس المثقف إلا في حالات قليلة وفق هذا التوصيف ,بفعل العمل المؤسساتي واستدرج المثقف ليكون واصفا وتابعا عند البعض واتخذ البعض الأخر
لتمثيل الثقافة الرسمية بما يعني الترويج لحالة انسجام وهمية وتمثيل السطح الهادئ الجمهور واستقطابه ,ويفتقد هذا النمط بنية الانسجام مع الذات والوسط لينزلق إلى التشضي بدل التماسك وينتهي إلى قيادة المؤثر السلبي بدل الايجابي .

وإذا كنا نفترض ان المجتمع أي مجتمع هو منظومة من قيم تشكلت عبر مسارات الزمن واختلقت معها ثقافتها المزيحة من أعراف وتقاليد وديانات ومؤثرات أخرى ,فان تعزيز المنظومة وتصحيح انحناءات التجربة وتلافي انحناءاتها وفقا لمعطيات الحاضر ورؤى المستقبل هي من أولى واجبات المثقف , وينسحب ذلك بكل تأكيد الى الجوانب المعرفية للمجتمع , الا ان ما جرى هو تفكيك تلك البنية وفقا لايدولوجيا المهيمن وهي اخطر ما يتبناه المثقف .

اذ وظف أداته لتكون حافز الجدل لتفكيك البنية بدل أن يكون جدله معرفيا لبناء الثقافة, فانهارت على يديه قيم كنا نعتقد بصحتها وظهرت مجموعة من مثقفي الوسط ممن تبنوا هذه الحالة ورسخوها بوصف اقرب إلى التعبئة الضدية . ومما ساعدهم على ذلك الانفتاح غير المتوقع في النشر المرئي والمقروء الذي يستقطب مشاعر الجمهور ويثير فيهم الاستجابة بوعي جمعي

والمصدر الثاني لخيبة الأمل ان محافظة ديالى لم تبلغ الى ألان مستوى المدينة وفقا للتصنيفات الغربية كما يرى ماكس فيبر ,ويبدو ان ذلك أسهم الى حد كبير في تعطيل الوجه الثقافي لها اذ لم تنشا فيها طبقة تنمي الصناعات والمشاريع الخاصة وبالتالي لم يعتد أهلها الحياة المدينية كما في كثير من مدن العراق وربما كان قربها من بغداد له اثر بهذا الجانب ففي الكثير من الأحيان تشهد هذه المحافظة نزوحا لاسكانيا فحسب وإنما ثقافيا أيضا اذ ما ينبغ أديب او مبدع في أحيان كثيرة حتى يجد له في بغداد فسحة وفرصة نادرا ما تتوافر له في محافظته وقد تعرضت هذه المحافظة لهجرات على مر الأزمان لدواع اقتصادية او ثقافية او أمنية .



البطالة الثقافية

لا يستكمل الحديث عن المشهد الثقافي في المحافظة من دون الالتفات الى الدور المفترض للأكاديميين فيها ,والمعروف ان الجامعة جزء أساس لا يمكن التغاضي عنه في كل الأحوال لا بصناعة الثقافة وتخريج المثقف فحسب بل وبقيادة المشروع الثقافي في المحافظة التي تنتمي إليها على المستوى "مؤسسات الدولة"والخاص وهو ما يحملها مسؤولية ويلقي على عاتقها مشاريع كثيرة اقلها ضخ اكاديمييها في المؤسسات الرسمية وعقد الندوات المفتوحة لمناقشة المشاريع الثقافية واحتضان المبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي العام والمسالة معكوسة أيضا اذ لا يمكن استثناء الجامعة في وضع خطط تطوير المشروع الثقافي ,غير أن الأمر لمتابع الشأن لا يبدو كما مفترض له أن يكون ,ان الأكاديمي باستثناء قلة معروفين أسهموا ويسهمون في تحريك المشهد الثقافي من خلال انفتاحهم على الوسط الجماهيري والثقافي وتواصلهم في إنتاج الفكر ولاسيما الإبداعي بعيدا عن الأكاديميات الضاغطة ,لا يبدو أنهم متحمسون لممارسة دورهم بوصفهم مثقفين والرضا بمزاولة التعليم وهو وان كان لا يقل أهمية عن تلك المهمة الرئيسة لهم الا أن مزاولة الثقافة إنتاجا ومتابعة هو أيضا من المهام التي لا تستثنى ولذلك يصح توصيف هذه الحالة ببطالة الثقافة لان جزءا معطلا عن الإنتاج في مرحلة يفترض أن تشغل به كل خطوط الإنتاج .

على الأكاديمي وعي دوره بحصافة والانخراط ضمن البنية الثقافية للمجتمع الذي يعيش فيه ودعوة لجامعة ديالى لرعاية هذا الجانب بشكل أكثر فاعلية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا