الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاتَ مساءٍ في تشرينْ

وليد مهدي

2012 / 10 / 25
الادب والفن


(1)
يوم التقيتها ذلك المساء ، لم تكن اول مرة ..
لكنها كانت انيقة وجميلة كما لو اني التقيتها اول مرة ..
قلت لها مازحاً :
لا اعرفك ..
فردت : وانا ايضاً لا اعرفك ..
ثم سألتني ، بما في الانوثة من عنفوان، ينفث ضباباً تحت اقدامها وهي تقترب ببطيء :
ما هو اسمك ؟ وكم هو عمرك ؟
تبسمتُ في وجهها وقلت :
عمري يا سيدتي سيبدأ بعد لحظات ..
اما اسمي , فها هو ذا ..
نقشته بحجر فوق جذع الشجرة التي كانت اتكأت عليها وتوقفت :
Walid ?
تهجأت تلك الحروف مبتسمة مستفهمة ..
فقلت لها :
الآن ولدتُ في فمك ..
وقبلها لم اكن سوى حروف ..
علت ضحكتها .. وضمتني

(2)

في ذلك المساء ..
تراقصت حولي كفراشة ..
تثائبت مثل زهرة تجمع ما في الشرق والغرب من فتنة وسحر ..
ما في الجنوب من رقة وكل ما في الشمال من جمال
كنتُ قد ادركت منذ اول اللقاء , كما في ذلك المساء ..
انها إمرأة ستكونُ لي كل الدنيا ..
فعلى خصلات شعرها المتناثر كثورة , تتدفق الازمنة ..
و على ايقاع الحروف والكلمات المنسابة من فمها كجدول ..
كانت شراييني تتلوى لظىً ,
واوردتي تتشابك اشتياقاً لعناق الألف عام ..
كانت الروح يتمنى الفناء فيها ..
ان يهطل مطراً فوق جسدها الماوردي الاقدس ..
حتى تلك السحائب التشرينية الداكنة فوقنا ..
كانت تتقارب وتتباعد متجنبة أن تمطر ، مثلما افعل أنا وهي ..
كأنها ادركت لعبة الاحتفاظ طويلاً بحرارة اللقاء ..

(3)

تحدثنا كثيراً في ذلك المساء الذي يختزلُ كل عمري ..
كانت مبهورة بي وبعالمي الغريب كلياً عن عالمها ...
مثلما كنت مأخوذا باللغز الكامن وراء تلك العينين ..
كانت تسالني كثيراً .. وكثيراً
كنت اجيبها بكل وضوح وصراحة حتى قالت :
ما هي قصتك يا رجل ؟
اجدني احياناً هائمة في حبك , واحيانا اخرى تجعلني انفر منك ..
لا تكن صريحاً كثيراً معي , اكذب علي قليلاً .. واتركني اغرق !
ادركتُ حينها باني امام اصعب إمرأة اواجهها في حياتي ..
فأجبتها على الفور :
يكفي انني انا هو الذي يغرق ..
فانا يا سيدتي لم اكن اريد ان اعرف الفرح في حياتي حتى التقيتك !
لم تكن تريد ؟ .. سألتني مندهشة مستغربة ..
نعم ، فهذا العالم ليس مكاناً مناسباً لكي نفرح به طويلاً ..
كل شيء طارئ ومؤقت ...
انتفضت حينها وهي تنظر الي بغضب زاد لحاظها فتكاً :
فانا اذن احدى الطارئاتُ في حياتك ؟
سألتني وقد تبدى عدم ارتياحها لوقاحتي ، فأجبتها :
انت يا سيدتي لست بطارئة في حياتي ..
لم اكن اسمح لنفسي حتى بقضاء الوقت مع " طارئة "
من مثلي حرمت عليه الاقدارُ العشق ...
انت هي اجمل واول الخطايا في كل حياتي ...
جلست وقد بدا حزنها وتعاطفها معي في محيا وجهها المنير كالبدر
ثم اردفت بصوت حانٍ حف مسامعي كما النسيم :
ارجوك , حدثني المزيد عنك ..
سيجن جنوني لأعرف حقيقتك ، ومن تكون ؟

(4)

التفتُ اليها وانا لا اصدق بأن هاتين العينين العسليتين تهيمان في ابتلاعي تلك اللحظة ، فقلت لها :
كل ما استطيعُ ان اقوله لك ، لا يغرنك هدوئي واتزاني ..
لا يخدعنك حديثي الممتلئ بالألغاز ، فأنا اولاً وأخيراً رجلٌ يريد الفوز بكل قلبك وروحك ..
انا رجلٌ ادرك انك من سلالة نادرة منقرضة من النساء , نقطةُ ضعفها هي شدةُ ذكائها !!
امسكت يدي بقوة .. واقتربت من وجهي كثيراً وقالت:
لقد فزت بقلبي ولكن ، لا بد ان اعرف الحقيقة ..!!
كان صعباً علي ان اخبرها بالحقيقة ..
لكن عينيها وانفاسها لم تترك لي من سبيل الا البوح ..
ماذا اخبرك يا مولاتي ؟؟
استطردتُ محاولاً لملمة شتاتي المتهتك في فمي واكملت :
هل اخبرك باني رجل ما خلق إلا لكي يحمل بندقية ؟
ام اخبرك بان تصوفي يصل بي لحد الانتحار مثل الحيتان .. دونما سبب ؟؟
لستُ مجنوناً ..
انامثل النحلة ، تجمع الرحيق وتطوف حول الازهار لكنها " جنديٌ " في مهمة ..
انا انسانٌ يعيش بهدوء وسكون لعشرين سنة ثم يعلن حرباً لن تستمر سوى ستة ايام ..
قاطعتني بصوت حاد كانه شهقة ، شقت سكون ايامي ..
و زلزلتفرائصي و وجداني :
اعتذر لأني سببت لك كل هذا الاضطراب وغيرت خريطة المسار الذي انت عليه ..
ان احتجت الي يوماً , انت تعرفُ اين تلقاني !!

تركتني مبتعدة , كسفينة تترك وحيداً في جزيرة مهجورة ..
كانت تتوقع مني ان ادركها ..

كانت تتصور باني لن ادعها ترحل ، قرات ذلك في وجهها حين التفت للخلف وهي تبتعد ..
كانت مصدومة بي وانا ابتسم ودموعي على خدي ..

(5)

واليوم ، بعد ان مرت كسحائب الخريف تلك ايامي ..
وبالرغم من كل هذه الاعوام التي انقضت ..
وكأنها في ذاكرتي البارحة ..
هي بكل ما فيها ، و أمسيتها البنفسجية الساحرة في تشرين ...~








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيةً، تقديراً وعيداً سعيداً
حميد خنجي ( 2012 / 10 / 25 - 21:41 )
ما أجمل هذه القصة أيها العبقريّ! ولكن لماذا أخطأتَ في بضع كلمات ولم تضع الهمزة الملعونة- العربية- في مكانها الصحيح؟! حقاً أن الحلو ما يكملش، كما يقول أهل مصر
ولا يهمّك يا عزيزي.. القصة جميلة وهي تأخذ بالألباب .. وتزيدنا شوقاً للرعشاتِ الأولى ونحنُ في مقتبلِ العمر؛ من ذلك الحبّ الذي أفلّْ

ستعرف أبعاد كلامي ومعانيه أكثر عندما تصل إلى عمري


2 - اكيد عراقية
Almousawi A. S ( 2012 / 10 / 26 - 09:08 )
ما احلى تنوع وخصوبة افكارك وقابليتك على تطويع واخضاع الكلمة حسب الموضوع
الف مبروك وايامك سعيدة


3 - الأستاذ وليد مهدي المحترم
ليندا كبرييل ( 2012 / 10 / 26 - 09:25 )
هذه المرة الثانية التي ألتقي بحضرتك كفنان شاعر ، والحق أنك حتى في مقالاتك الفكرية تلبّس طروحاتك أدباً ، لكن قلمك يتجلّى هنا بالجمال . شعرت كأنك تسرّ لقارئك بحديث القلب ، هو كلام عادي لكنه شعر، سهل بسيط تأخذ سامعك به، ثم في لحظة .. تفاجئه فترفعه درجات في لقطة جميلة تختتم بها موقفاً في كل مقطع
أميل كثيراً لقراءة هذا النوع الأدبي المتراوح بين النثر والشعر
والحقيقة أني قرأت لك مرة مقالاً لم أوافقك على أفكاره ( لم أعد أذكره للأسف) ، فلم أجد الرغبة في التعبير وقد طرح الزملاء ما كنت أفكر به. واكتفيت أن أقرأ الردود . لكني يومها وقفت أمام لغتك الرشيقة التي تعبر بها عن أفكارك ، وسألت نفسي : كيف لا يكتب مثل هذا القلم شعراً ؟
وجاءتني الفرصة اليوم للمرة الثانية
شكراً للقطات الجميلة
مع تقديري


4 - الاستاذ والرفيق الفاضل حميد خنجي
وليد مهدي ( 2012 / 10 / 27 - 08:50 )

تحية رفاقية معطرة برياحيين البصرة ومنداةُ بشذا اوروك العذب ايها الرفيق الغالي
وكل عام وانت بالف الف خير

بصراحة اقدم اعتذاري لك وللقراء لهذه الاخطاء رغم اني كالعادة صححت النص اكثر من مرة

ربما هو قلبي الذي لا يدرك الاخطاء في الادب كصرامته في متابعة نصوص المعرفة وتصويبها

شكرا لمروك وتعليقك
وكل سنة وانته طيب


5 - الاستاذ والرفيق الموسوي مع ودي
وليد مهدي ( 2012 / 10 / 27 - 09:02 )
شكرا لك عمي واستاذي الغالي

ممنون منك ومن مرورك البهي الرائع

لا عدمتني الايام لقياك

كل عام وانت بالف الف خير


6 - الفاضلة الاستاذة ليندا كبرييل
وليد مهدي ( 2012 / 10 / 27 - 09:20 )

اهلا وسهلا بك دائما وابدا على صفحتي

شكرا لقرائتك وتواصلك

وكما اخبرتك

لن يكون كاتبا علميا محترفا من لم يكن ذو باع في الفن والادب

هناك نص اكدي خالد يقول
ليس كاتبا من لم يتقن السومرية

وكذلك في بابل
ليس كاتبا من لم يتقن السومرية

فعلى مدى اربعة الالف عام ورغم اندثارها , كانت السومرية لغة الكهان السرية في بابل واكاده

ما كان يميزها يا ترى ؟؟

هذه النزعة التصويرية الادبية
كانت لغة الاداب والاساطير المقدسة
****

ما يحدث اليوم في فضائنا الثقافي العربي شيء مقارب نوعا ما

لغة الادب العربي هي اصل الكتابة
ولو درست السومرية لوجدت الادب العربي صورة مستوحاة منه

تحية لك ايتها الفاضلة
وكل عام وانت بالف الف خير

اخر الافلام

.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي