الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الممثلة حياة حيدر في مسرحية للمخرج حميد شاكر

سرمد السرمدي

2012 / 10 / 27
الادب والفن


الأم العراقية التي تصارع الخوف على ولدها منذ لحظة الولادة, ذلك الخوف المتجسد في طرقة باب او تعاقب غير روتيني لخطوات هذا الأنسان المولود في ارض المجهول تحت ظل انظمة لا تعي تعريفا بل ومفهوما لكلمة انسان, تقبع الأم في ديدنها اليومي تسترجع قصص من ذهبوا واجتاح الدمع اعين امهاتهم عنوة بعدما غاب عنهن أي خبر, تلك معاناة شخصية مسرحية اكثر واقعية منها دراميا, تلتحم فيها كل اهات العراقيين الحائرة في تفسير اعصار موت احل بهم وتربع على عرش الجماجم المغدورة.

يمتد عمق اداء الممثلة المتألقة حياة حيدر ليكسر الطابع الروتيني لما عرف عنه التمثيل المسرحي في العراق من فحولة مطبقة على كل همسة قد تسمح بتلوين هذا النسيج فوق الخشبة بلون انساني, فالمرأة ودورها المسرحي في العراق لم تكن من الموضوعات المحبذة الطرح لأنها تكشف خواء ثقافي معين تجاه الفنون الدرامية, و من كثرة ما ترسخت هذه الذائقة السلبية للدراما اتجهت اغلب النساء لفنون صامتة كالتشكيل والنحت والكتابة ليتربصوا بالجهل حينا بعد حين, لكن النوادر امثال ممثلات اعتلين خشبة المسرح لم يكن لهن ذاك التقدير المرشح لحلبة الصراع نحو اعلاء شأن الأنسان مجسدا بالمرأة رمزا , هكذا اتجهت حياة حيدر لتلقي عبئ ذاك السواد في نظرة التاريخ المجتمعي العابر عند بعض المدركين لأولوية انعكاس الحياة باشكاليتها واقعيا امام مرآة فن لينتج مجتمعا متوازن, واستمرار هذا النهج التنويري من نوادر من يحملن شعلة الفن رغم كل صعاب هذه الرحلة وانكساراتها ما بين العقبة فالرهبة, لا يمثل موضوعا عابرا في صفحات تاريخ الأنتكاسة الثقافية التي تسجن ازادوهي صاموئيل وريام الجزائري واخيرا حياة حيدر, في نمطية التضحية لأجل الأستمرار, فالشعلة بدأت تحرق اصابع حاملها, وما من سامع لهذا الأنين المدوي في ردهات وزارة للثقافة لا تذكرهم الا في احتفاليات التكريم دون برنامج ستراتيجي للحفاظ على ثروة الثقافة هذه, او اكاديمية للفنون تدفع بالشهادة العليا دون تقييم عملي لكم النظريات المكدسة في كتب شارع المتنبي, كل هذا يجري بأسم الفن الذي يلفظ انفاس احتضاره لأنه افتقد العائلة, فأستحال الفحل ابا واما, واستبدل المخرجون الممثلة بالممثل مرتديا مكياج نسائي, او في احسن الأحوال, استعانوا بما تجود به صالات نوادي الملاهي الليلية من مواهب راقصة, في عرس تجاري لشباك تذاكر مضاء باصطياد رغبات مكبوتة في قعر نفوس حائرة ضاق بها نتاج الوردي تحليلا, هي رقصة تنذر بمزيد من هز الغجر ولغة التتر تجري من على جثة مسرح لاعراقي .

منذ العام 1983م, ارتقت حياة حيدر , طالبة الدراسات العليا قسم السينما حاليا, في أداءها التمثيلي بعد تلك البداية الموفقة في مسرحية "جذور الحب"’ حين تمكنت من أدواتها ك ممثلة وصاحبة مشروع ثقافي يمتد من أعماق خشبة المسرح ليستمد خبرة المؤهلين القائمين على تمكنها من حلقة الوصل تلك ما بين خشبة مسرح وجمهور, على رأسهم مكتشفها في المسرحية المذكورة المخرج محسن العلي, فان استرخاءها المفرط في استلهام الخبرة الطويلة على خشبة المسرح يتضح جليا شاخصا دون رتابة اسهاب فيه, ولا تكلف متعمد طلبا لريادة معينة, فكانت الأم المتأثرة المضحكة المبكية المتفاعلة بكل هناتها, تمكنت من الجست كبادرة تقنية لتلوين قد اعانها عليه المخرج حميد شاكر مبتكرا مزيجا ناجحا بين اخراجه للسينما والمسرح, فتعاون الممثلة حياة حيدر مع رؤية المخرج اتضحت من خلال تمكن كل منهما من موقعه وحدوده للدرجة التي يصعب معها فك اشتباك التداخل بين ملامح وجهة نظر المخرج والفلتر المرشح لها اخيرا الا وهو وعي الممثلة المستند على مرونة التعاطي الصوتي في ثنايا حوادث المشهد, ويكمن سر جاذبية هذا النوع من التعاون في كون المخرج ادرك باختياره ابتداء قدرة الممثلة حياة حيدر على ترسيخ ثيمة حركية غير منفرة لذاكرة الجمهور عن اصل الأم العراقية في موقف الخوف بالمقارنة بالصورة التي تم عرضها ببراعة, توازنت ملامحا واستثمارا لدلالة الزي التقليدي لتلك الهالة الشعبية المرافقة لفكرة الأم, عباءة مرصعة ببصمات سنوات العوز البغيض.

ان المفارقة كون هذا الدور وحيثياته مناسب جدا لأعادة هيكلة نقدية لما يسمى المسرح التجاري ورفع بعض الوصفات النقدية الجاهزة باستنكار كل ما لا يتحدث باللغة العربية الفصحى من ادب مسرحي بحجة انه ينتمي لفنون لا ترتقي بعقل المتلقي, مع انها ربما وفي اغلب الأحيايين تبعده عن واقعه وتبعده هو ايضا عن فن المسرح وذلك بالنظر للقياس الكمي البين في فرقه بين عدد الجمهور المتوفر للمسرح التجاري والعدد المحدود من نخبة المسرح اللاتجاري اذا جاز هذا الوصف مؤقتا, ناهيك عن اولوية التجارة في الفن كسر لديمومته واستقلاله عن الأنظمة الشمولية المهيمنة عل خطاب الثقافة المرسخ لبسط سيطرة دائمة على الحكم, ربما لم يكن هذا في حسابات النقاد الذين تجاهلوا هذا اللون المسرحي العراقي المطلوب دوما في مناسبات احتفالية, فلم يرتقي مهرجان متخصص ليكون لهذا اللون المسرحي مساحة اوسع من التقييم والدراسة, لذا لم نجد الكثير من الباحثين في مجال فن المسرح ونقاده من بين الجمهور الحاضر لمسرحية كوميدية والتي تعرض في ايام مناسبة العيد من على خشبة مسرح الثقافة والفنون في بابل, بتاريخ 2012-10-26 تحت عنوان" اغبر قصير واثول طويل" وهي من تأليف زهير الجبوري وإخراج الأستاذ حميد شاكر, وتمثيل علي الشجيري وحسين العكيلي, بما يمثلونه من نبض شاب واعد بالتألق للمسرح الحلي والعراقي بشكل عام.

الكاتب
سرمد السرمدي
أكاديمي - مدرس مساعد - ماجستير- فنون مسرحية - كلية الفنون الجميلة - جامعة بابل - جمهورية العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل