الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلسل عمر .. لم يعجبنى

عبد السميع جِميل

2012 / 10 / 27
الادب والفن


لم أهتم بمسألة ديانة أو مذهب الشخص المؤدى لشخصية عمر فى المسلسل إطلاقاً , ولا اظن أن فى هذا الأمر أى شيئ مفيد , ولم أهتم كذلك لفكرة أن مؤدى الدور وجه جديد وغير محترف .. طبعاً كنت سعيد بفكرة ظهور الشخصيات التاريخية فى مسيرة الإسلام لأول مرة فى العالم العربى السنى فى عمل درامى , فالشيعة قد سبقوا فى هذا الأمر وقدموا عدد لا بأس به من الأعمال التاريخية الدينية كـ ( مسلسل يوسف - فيلم إبراهيم الخليل - فيلم موكب الإباء - فيلم النبراس .. وغيرها ) إلا إنه تظل كل هذه الأعمال داخل دائرة المذهبية الدينية , وهو الأمر الذى لم يستطيع مسلسل عمر أن يخرج منه , بل خرج منتجوه والقائمون عليه بالتباهى بهذه المذهبية التى يتلبسها المسلسل !!! .

عندما شاهدت برومو المسلسل أثار اعجابى , وخصوصاً عندما كان عمر يقول : قد آن آوان الحزم .. فمن علمت أنه فارق ديننا , فلأعذبنه عذاباً شديداً . كان الصوت المؤدى لشخصية عمر لهذه الكلمات فى البرومو مؤثرة ومدهش ومذهل ورائع ومختلف تماماً عما جاء فى احدى حلقات المسلسل , فقد جاءت هذه الكلمات وكأنها خارجه من داخل كهف مخنوقة وغير معبرة !! .

هذه ملحوظة ربما لا يهتم بها البعض , ولكنها بالنسبة لى هامة جداً , لكن الأهم منها هو تعبيرات وجه سامر المؤدى لدور عمر , لم يعجبنى تعبيرات وجهه وبالأخص رفع حاجبيه دائماً وهو يتحدث , فضلاً عن أنه لم يعجبنى شكل الجسم , فكما هو معلوم فى كل كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب كان رجلاً جسيماً وضخم وطويل وأصلع (وتذهب روايات كثيرة للقول بأن خالد بن الوليد كان يشبه عمر بن الخطاب إلى درجة أن يصعب على البعض التمييز بينهم ! ) وهو الأمر الذى لم نجد له أثراً فى المسلسل إطلاقاً , فضلاً عن الأداء الهادئ والممل والبارد لمؤدى شخصية لعمر الذى فشل بنجاح ساحق أن يعطينا لمحات من حيوية عمر وانفعالاته وسرعة بديهته .

إن الممثل التونسى الذى لعب دور أبو سفيان كان أكثر إجادة فى دوره من ممثل شخصية عمر , وكان ذلك واضحاً جداً حتى فى أدق التفاصيل وأصغرها كإهتمام هذا الممثل لشخصية أبو سفيان دائماً بتلك الأداة التي لزمته فى جميع الحلقات وهو يهش بها علي وجهه بصورة حاسمة وسريعة أستطاع بها أن يقنع المشاهد بإتقانه فى تقمص الشخصية .

إذا كانت هذه كلها أمور شكلية , فإن عرض مسلسل عن سيرة رجل شارك فى مسيرة الإسلام دون أى إهتمام بقائد هذه المسيرة وهو النبى محمد فهذا لعمر الله لهو أمر فى منتهى الحماقة الفكرية والفنية !! , فضلاً عن الإهتمام حتى الشغف بشخصية تاريخية صغيرة بطريقة وصلت لحد منافسة بطل المسلسل وكادت تخطف منه البطولة وهو وحشى - قاتل حمزة - وحواراته الوهمية مع حبيبته ومع بلال ومع المشركين , كما إنه كانت هناك رغبة واضحة فى الإهتمام والإمعان فى عرض سيرة سهيل بن عمرو مع ابنيه والتركيذ الشديد على حزن سهيل على ابنه عبد الله ساعة موته فى حروب الردة , وهو الامر الذى أخذ إهتماماً شديداً فاق بكل تأكيد ما اخذه مشهد حزن عمر على موت أخيه زيد وعلى موت النبى نفسه أيضاً ! , وكان أثر هذا أيضاً هو غياب عمر عن موقع الشخصية المحورية للمسلسل فى أغلب الوقت حتى كاد المسلسل لا يحمل من عمر إلا الأسم !! .

فى نفس الوقت الذى تم فيه الإهتمام الكبير بشخصيات صغيرة فى حياة عمر تم أيضاً إهمال شخصيات مهمة وكبيرة فى التاريخ كحمزة بن عبد المطلب وعلى بن أبى طالب وعثمان بن عفان وأبو ذر الغفارى وغيرهم من الذين قدمهم المسلسل كشخصيات هامشية وضعيفة وهزلية ؛ فكتب التاريخ لا تتحدث عن إسلام عمر إلا مسبوقاً وممزوجاً بإسم حمزة بن عبد المطلب , وهذا الأمر - اسلام حمزة - بالتأكيد كان من بين العديد من الأمور التى كان لها تأثير كبيرة على اسلام عمر وإنضمامه إلى صفوف المسلمين , فإذا بنا أمام مسلسل يظهر فيه حمزة بن عبد المطلب فى دور صغير أقل بكثير جداً مما قدمه الممثل العظيم عبد الله غيث فى فيلم الرسالة !! .

وعلى ذكر فيلم الرسالة فإن أى مقارنة بين الفيلم ومسلسل عمر فهى فى صالح الفيلم بكل تأكيد , فإذا نظرنا مثلاً إلى ملك الحبشة الذى قدمه المسلسل والذى قدمه الفيلم وجدنا أنفسنا امام شخصية كرتونية بهلوانية وكوميدية لملك الحبشة الذى قال عنه النبى نفسه أنه ملك عادل لا يظلم عنده أحد !! .

أظهر المسلسل على بن أبى طالب نحيلاً وضعيفاً ومتخشباً وعلى عكس حقيقته , ولم نجد مشاهد من بطولات على ولا فروسيته الإ اللمم الخاطف التافه , لم نجد علىّ ذو البأس الشديد الذى أقتلع بيده باب حصن خيبر وحمله ليكون ترساً لمواجهة اليهود .. لم يهتم المسلسل ببطولات على بن أبى طالب كما أنه لم يهتم بمشوراته لعمر بن الخطاب التى جعلت عمر نفسه يقول عنه دائماً أنه لولا على لهلك عمر !! .

أستمر المسلسل فى ظلم شخصيات تاريخية عظيمة وأهملها تماماً حتى إنى لم أجد ذكر أو تمليح لواحد من المسلمين العظماء فى تاريخ الإنسانية وهو أبو ذر الغفارى , ولأبى ذر مواقف فى منتهى الاهمية والعظمة مع عمر بن الخطاب أهملها المسلسل تماماً ! .

فى الحلقات الست الأولى التى كان من المفترض أن تعطينا صورة دقيقة أو أقرب ما يمكن أن تكون للدقة لتكوين شخصية عمر بن الخطاب فى مرحلة طفولته وشبابه وتأثير البيئة والحالة الإجتماعية والعائلية والثقافية والفكرية والدينية وحتى الإقتصادية فى شخصيته تم إختصارها وإهمالها وتم الإهتمام "بتلميع" الشخصية على حساب كل ذلك , حتى كدت لا تجد فرق واضحاً أو حتى باهتاً بين عمر قبل الإسلام وعمر بعد الإسلام , وكأن الإسلام لم يصنع فيه شيئ ! , وكأن النبى لم يكن له تأثير فى صناعة تلك الشخصية ! .

وفى خلال عشرين حلقة كان يتناول فيها المسلسل ظهور الإسلام فى مكة وأنتشاره فيها تدريجياً لم يخرج بشيء جديد ومختلف عن الأفلام والمسلسلات التى تناولت هذا الموضوع اللهم سوى أمر واحد فقط وهو الخروج من قوقعة التعامل الشكلى الستذج مع الكفار وتصويرهم بوجوه قبيحة وثياب سوداء وأصوات غليطة فى مقابل تصوير المؤمنين بصورة ملائكية وصوت رومانسى وملابس بيضاء .

ثم إن السرد التاريخي فى المسلسل مهلهل ومليئ بالاختلاق الذى لم يخدم الشخصية ولا حتى المسلسل للأسف , حتى إنه أختصر خلافة عمر فى أخر 9 حلقات فى نفس الوقت الذى أفرد فيه 21 حلقة للإغراق فى التفاصيل الهامشية والأقل أهمية من تفاصيل أحداث خلافة عمر التى لم يشهد المسلمون فترة تاريخية مليئة بالعدل والحرية والكرامة والعزة مثلها , ثم إن المسلسل فى الـ 9 حلقات تلك لم يتوقف عند أهم الأحداث التاريخية فى سيرة عمر ولم يشير إليها حتى !! , والحقيقة أن المسلسل لم يتوقف أصلاً منذ بدايته عند الأحداث المركذية فى حياة عمر ؛ فلم نرى أى شيئ عن التكوين النفسى والوجدانى لعمر , ولم نرى التأثير النبوى ولا الشفرة النبوية التى صنعت من عمر فاروقاً ورمزاً للعدل والعدالة , ولم نرى كذلك شيئاً من الحياة الشخصية لعمر , ولم نرى الجوانب المتوارية من شخصية عمر كتعامله مع البهجة والضحك والهزار مثلاً , ولم نرى الواقع الحقيقى للمواطنين والدولة التى كان يحكمها عمر , حتى المعارك لم نرى أثراً للتقنيات التى خرج المخرج علينا زاعماً أنه أستخدمها فى المعارك , أين هو المشهد الذى يجعل المشاهد يضع يده على رقبته تحسباً من ضربة سيف طائشة كما يحدث فى مشاهدة فيلم 300 مثلاً ؟! .. للأسف أستمر المسلسل فى ركوب عربة عدم الرغبة فى فتح الأبواب المغلقة فى التاريخ والإكتفاء بتناول التاريخ كنظرة طائر , والحقيقة أنها كانت نظرة مذهبية وعظية سطحية تقليدية مميتة .

عندما تناول المسلسل حكاية السيدة التى كانت تجلس فى ليلة باردة من ليالى الشتاء بين أطفالها وهم يتصارخون من الجوع , وكانت هذه السيدة قد وضعت ماءاً فى قدر وأشعلت تحته النار لتوهم أطفالها بأنها تطبخ طعاماً فيسكتون , فرآها عمر وتألم من ذلك ألماً شديداً وذهب إلى دار الدقيق وحمل منها شوال وآتى به السيدة – كنت أتصور أن المسلسل بعد ذلك سوف يعرض بيان تفصيلى عما كان عليه الفقراء فى هذا الوقت من عوز وضيق لدرجة جلعت عمر يقوم بتغير النظام الإقتصادى للدولة صارخاً فى التاريخ بقوله : «لو أستقبلت من أمرى ما أستدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على الفقراء» . إلا أن المسلسل أبى ذلك وأكتفى بالنظرة التقليدية للحكاية والخروج منها بفضل عمر وحنوه على رعيته فقط !! .

رغم أن المسلسل كسر هالة التقديس التى كانت تمنع تجسيد الصحابة فى الأعمال الدرامية إلا أن هذا المسلسل نفسه ظل متقوقع داخل هالة أخرى من التقديس وهى التعامل مع الصحابة بملائكية شديد , وقام بتميع كل مواقف عمر التى كان يشتد فيها على كثير من الصحابة أبتداءاً من خلافه مع أبو بكر مروراً بحدث السقيفة أنتهاءاً بتعامله مع أهله وعماله على الأمصار .


لم يخل المسلسل أيضاً من الأخطاء التاريخية الخاصة بنزول بعض الآيات وتضارب أحداث المعارك وتداخلها فى بعض !! , كقراءة عمار بن ياسر سورة الضحى على أبويه , وكقتل قائد الجيش الفارسى فى معركة الجسر وهو الأمر الذى لم يحدث إلا فى أخر معارك الفرس مع المسلمين وهى معركة نهاوند , هذا كله فضلاً عن تسطيح بعض المعارك كمعركة اليرموك .

الخلاصة أننى بحثت كثيراً عن عمر فى هذا المسلسل فلم أجده !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة