الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أ.د.عبد الرضا عليّ ...مقالياً ... استعادة وهج الذاكرة

حسن مجاد

2012 / 10 / 27
الادب والفن


( لقد قرأت هذا الكتاب في جلسة واحدة، ولذا أدعوك -أيها القارئ الجاد- أن تدخل عوالمه متمتعاً بالجمال والفن والسيرة ولن تخسر أبداً ) أ.د علي عباس علوان .

في الموصل عند نهايات السبعينيات العراقية كان الأستاذ القادم من القاهرة مُنجِزاً فيها رسالته عن السياب يتلمس خطاه بعيدا عن صخب الطارئين في حفلاتهم العابرة كان العراقُ يشهد آنذاك حدة صراع على المستوى السياسي وبدايات لانهيار عصر الايديولوجيا وأفول حركة اليسار التنويري تشريدا في رحلة المنافي الأولى أو تعذيبا في أقبية السجون الكبرى كان ذاك بداية طريق للعبث بصفاء الأجواء و إشاعة الغبار في سماء المدينة ! ، وكانت بدايات أيضا لمحنة المثقف العراقيّ الحقيقي الذي ظل على سجيته لتأكله مرارة الذكرى و تطحنه أحلامه المنكسرة على غيم ملبد بمطر كاذب! .
عرفته الجامعة أستاذا طليعيا بعد ان جاءها من القاهرة حاملاً كتابه عن السياب الكتاب الذي يعدّ درساً في تقصي استلهام الموروث الأسطوري في تجربة الريادة الشعرية العراقيّة مفيدا مما قدّمه إحسان عبّاس وعيسى بُلاّطة وعبد الجبّار عبّاس في هذا الصدد وليلتحق الكتاب بخزانة المكتبة السيابية ليكون مصدرا مهما من مصادر الدراسة والتحليل للباحثين والنقاد ، عرفه طلابه أستاذ العروض وصار الدرسُ على يديه درس متعة وموسيقى بعد ان لامست روحه جوهر الإيقاع نبضاً ودلالة وإيحاء وتخلّص قليلا من فائض المصطلحات العروضيّة ومشكلاتها المتفرعة وقوانينها الملبسة التي ظلت عائقا أمام فهم الدرس وتلقيه ، فلم يكن الدرس إلا بدايةً حقيقيةً لمسعى تجديديّ كان قد ظل راكزاً في وعيه وهاجساً بقي يطارده فحقق المطلب ؛ لتصبح محاضراته كتابا منهجيا في الجامعة العراقية مقتربا لإيقاع عروض شعر التفعيلة ومستشهدا بأمثلة لها من تكامل العناصر ما يحقق شعريتها وبلاغتها هذه هي حسنات كتاب آخر في سيرة كاتب وباحث كان النقد مدار عناية وتقصي وكشف ليطأ أرض القصيدة عابرا مفازات الرؤى والأفكار متوجساً من لحظة الاقتراب للمناهج الشكلانية وما بعدها التي لم يجد فيها إلا عبثاً يفضي الى متاهات لعبة خاسرة ، فكان مفهومُ النقد راسخاً في الذي وعاه درساً ومتابعةً لنبض القصيدة وإيقاعها وأفكارها ، وإن كان هو كذلك فلا يُتيحُ النقد إلا مساحةً من انطباع سيتلاشى وراء قوة الأفكار وعمق التحليل . وظلت نسائم بوح شفيف نراها في مقالة هنا ومقالة هناك إلا انه لم يجعل منها محطة للإفضاء والوصول الى قرار الذات وأمواجها ، لربما كان عامل كبح الذات قويا ومسيطرا على وعيه النقديّ ولربما لغموض الأجواء واضطراب المدار السياسي ، فليدعها إلى حين وليركن الى الدراسة والتدريس والمقال النقديّ .وكان لخروجه من العراق تجربة أخرى ومحطة مختلفة ، بعد ان ترك الجامعة المستنصرية متوجها الى عمان ليرحل من خلالها الى اليمن ، لم يدم طويلا في الجامعة المستنصرية فقد جاءها عام 1992 وغادرها مسرعاً ولم تكن في ذهنه إلا صدى لتجربة طالب قد كان هناك على مقاعدها، وظلت أصداء جامعة الموصل ورجعها البعيد توقظه في أسفاره وتثير في روحه ألق الماضي ، وكيف لا ؟ وقد التقى بمن التقى وأعدّ هناك مع زميل له كتاب " الجواهري في جامعة الموصل كلمات ومختارات " . ومن هنا التقت الشخصية في أفق الذاكرة والتحمت بظل المكان ، وانسلت في كتابته المقالية فيما بعد وأتاحت له صنعاء مكانا وزمانا في الرجوع الى الظلال والملامح ، ظل مكان وملامح شخصية فكان ما أريد وكانت المقالة .
ولا بُدَّ من تحديد جذوره الأولى والوقوف على أسرار بئره العميق ، لنكتشف ان المقالة فن البوح جاءت عند نهايات تجربة بعد اكتمال الأدوات وتكامل عناصر وخلاصة حياة ، هي بوح في الذي يتصل بلواعج الذات وهي استذكارات للوجوه الغائبة تطل على شبابيك رؤياه وتحاصر أحلامه ، وقد وضع في ذلك كتابه " الذي أكلت القوافي لسانه واخرون " ونجد بعضها في غبار السباع أيضا ممتزجا بحسه النقدي وملتقطا شذارت السيرة بما يضيء معالم الشخصية .
في " الذي أكلت القوافي لسانه وآخرون " نلمح على ظهر غلافه مقتبساً لمقالة الناقد الكبير الدكتور علي عبّاس علوان تحدد بوضوح أهمية الكاتب والكتاب معاً : (سفر متميز بقلم ناقد حاذق موهوب، يقدم للقارئ الجاد عصارة تجارب ورؤى نقدية وفنية على مدى نصف قرن من الزمن تقريبا، عايشها الأستاذ الدكتور عبد الرضا علي معايشة حقيقية، فأنتجت -وجميل ما أنتجت- فصولاً ممتعة ومثيرة وكشوفاً في حياة أولئك الشعراء المبدعين، ممن أكلت القوافي ألسنتهم، عرباً وعراقيين. نعم، هو الأكاديمي في التدقيق والرصد وغور الأحداث والنفوس، ولكنه الأكاديمي الذي طرح الجفاف والتزمت والتكرار ليقدم تعليقاته الذكية، ولقطاته الموفقة مع شيء من التحليل وكثير من الإثارة.
لقد قرأت هذا الكتاب في جلسة واحدة، ولذا أدعوك -أيها القارئ الجاد- أن تدخل عوالمه متمتعاً بالجمال والفن والسيرة ولن تخسر أبداً ).
ولنرجع الى الوراء قليلاً ولنتذكر عبر مقاله الرثائي عن الراحل الدكتور محمد حسين الأعرجي سيرة حياة الأكاديمية العراقية ، فقد كان الأستاذ القادم من القاهرة على عهده مع ثلة وعاة من الشباب الطليعي الذين أنجزوا رسائلهم للدكتوراه والماجستير ومنهم الأستاذ الدكتور سعيد عدنان ، والأستاذ الدكتور صالح هويدي والأستاذ الدكتور عدنان العواديّ والأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي والأستاذ الدكتور عبد الإله الصائغ وكان قد سبقهم المرحوم الدكتور محمد حسين الأعرجي في الدراسة وزاملهم في رحلة لكن أُريد لها ان تظل على مبعدة فتتوارى خلف هجرة قسرية وامتحانات في اختيار الطريق؛ لتأتي الأخبار فيما بعد من نهايات الشمال الأفريقيّ ؛ولهذا نجد عبد الرضا علي يستذكر لوعة رحيل الأعرجي في مقالة له "عبقريُّ هو وكتابه كتاب " التي نشرها في كتابه " غبار السباع " مذكراً بكلمة العلامة الدكتور الطاهر في دفاعه عن تلميذه وأطروحته التي كانت مدار المقالة وعنوانها ، وإن كان الدكتور عبد الرضا عليّ قد اتجه نحو المباشرة في تحديد هوية المبغضين تصريحاً ومذكرا بما حدث سابقاً مع عبد اللطيف الراوي ومحسن اطيمش ، فقد كان سعيد عدنان في مقاله " محمد حسين الأعرجي " المنشور في أفق الأدب من صحيفة أفكار جامعية أكثر ميلاً الى التكنية والإشارة البعيدة ليرسم فيما بعد الأجواء ؛ وليدع الخاص الزائل معبرا عن ما شاع واتسع متوغلاً كعادته في رسم معالم الشخصية ودلالاتها نفسيا واجتماعياً ، على حين كان عبد الرضا علي معنيا بتحديد الإطار الاجتماعيّ للأكاديمية العراقية ومآلاتها المصيرية محددا صراع تيارين تيار التجديد وتيار السلطة وطبيعي ان يفوز الرهان للآخر المهيمن الذي يتجه نحو تضييق أفق الحرية وإطفاء جمرة التقاليد البحثية و الاستحواذ فيما بعد على مساحات المعرفة وتسطيحها في النهاية ! كان ذلك مدخله نحو تحديد معالم البيئة التي كان فيها الأعرجي وليلتقط فيما بعد سحر شخصيته عبر رسائل متبادلة .
تمضي مع مقالات " الذي أكلت القوافي لسانه " وتطالع في حدائقه " كاتم أصوات الكلمات " لتعانق معه سحاب حارس الفنار المنسي محمود البريكان ، متنقلاً بين التحليلات التي تقرب المقالة من النقد بمفهومه المنهجي والإيغال في تفاصيل السيرة والتقاط المعبر منها والدال على روحها بما امتازت به من حيرة شخصية وقلق مصير ! ، وتلتقي المقالة بأفق مقالة أخرى عنوانها " سائق التاكسيّ " من حيث الرؤى الرثائية واستخلاص الموقف من حياة على قيد أوجاع الكتابة وهواجسها ... سائق التاكسي هو القاص موسى كريدي الذي مات على سجيته وتوقف نبضه في نهارات صيف ! ، وينتقل معك الى عوالم محسن اطيمش صديقا في القسم الداخليّ ورفقة طالب في معهد المعلمين وصولا الى سنوات التدريس والغربة والشتات؛ ليرسم في النهاية فاجعة الرحيل المرّ وتشييعه مع رفاق له في جامعة صنعاء
ينتقل عبد الرضا علي بين الوقائع التاريخية بإحساسه الذاتي ويرسم مشاهد لرحيل من مروا على ذاكرته وبقوا على ضفافها متعبين ! ، و لك أن تقرأ " الاسكافي الذي نال شهادة الدكتوراه "؛ لتكتشف عمق خيار النهايات برصاصة ... انه خليل حاوي الشاهد الأخير على خراب بيروت المدينة والحلم والجنود واللصوص! .
إنه درس متعة لا شك وأنت تتجول عبر وجوه علي عبد الرضا ومواقفهم لتطل على سيرة إنسان عاش هنا على هذه المجرة المهددة دائما بالانقراض ! ، لك ان تستذكر مقالة الدكتور علي عباس علوان وأنت تقرأ الكتاب : "فلن تخسر أبداً" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل الكوميدي جيري ساي


.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال




.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما


.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم




.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا