الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-طائف جديد- في سوريا

محمود عبد الرحيم

2012 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لايمكن الجزم الآن بمصير مهمة المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الابراهيمي، وهل ستؤول هذه الوساطة للفشل أم ستكلل بالنجاح، وربما كان الديبلوماسي الجزائري المخضرم من الذكاء والحنكة الديبلوماسية بمكان، بل والواقعية الشديدة ، حين لم يستهين بطبيعة مهمته أو يقلل من خطورتها، إذ من اللحظة الأولى أعلن أنها في غاية التعقيد والصعوبة، بل والمهمة شبه المستحيلة، لكنه قبل التحدى، راغبا في توظيف خبراته السابقة في ملفات شائكة كالملف اللبناني والعراقي وغيرها على امتداد خارطة العالم، وربما طامحا لنجاح مدوي في سجله الديبلوماسي الطويل، مع ترك مساحة لعدم المغالاة في التوقعات بشأن مهمته وإمهاله الوقت الكافي لينضج تصوراته، ورؤيته للحل دون ضغوط تحت أى مسمى.
وإن كانت خطوات الإبراهيمي الأولى بدت بطيئة، ولم تؤشر لإختلاف عن سلفه في ذات المهمة كوفي انان، غير ان اختياره للديبلوماسي المغربي مختار لماني كمساعد له، بعد خبرته السابقة في أوضاع مشابهة في العراق كرئيس لبعثة الجامعة العربية ببغداد، ثم انتظار نتائج مبادرة الرئيس المصري محمد مرسي، واجتماع لجنة الاتصال الرباعية في القاهرة التى تضم كل من مصر والسعودية وايران وتركيا، عكس بصورة ما نهج الإبراهيمي، وكيف أنه يريد أولا ترتيب أوراقه بشكل متأن، خاصة أنه يريد توظيف كل الفرص المتاحة لبلورة تحرك فاعل في ملف يبدو مستعصيا على التسوية.
وتجئ مبادرة الإبراهيمي للتوصل لهدنة مؤقتة خلال عيد الأضحي كمحاولة لإنقاذ مهمته من الفشل، وضخ الدماء إليها بعد أن كادت تلقى مصير سلفه كوفي أنان نتيجة التوقعات السلبية إزائها، وبقاء مواقف كل الأطراف السورية على حالها من التصلب، وتواصل التجاذبات الاقليمية والدولية.
وفي ذات الوقت تعد محاولة استكشافية جادة لإرادة عناصر الصراع الداخلي والخارجي بإتجاه الحل من عدمه، وتوريط في ذات الوقت الأطراف الاقليمية تحديدا التى تعد معظمها جزءا من المشكلة في البحث معه عن مخرج من النفق المظلم الذي آل الوضع السوري لما يزيد عن العام ونصف العام.
وأيضا محاولة لكسر الجمود في المشهد، وإحداث اختراق في جدار المواقف المتشددة والاستقطابات شديدة الوطأة.
ولذا وجدناه يقوم بزيارات مكوكية شملت السعودية وتركيا وإيران ومصر، فضلا عن سوريا للقاء رموز نظام الأسد، مع اتصال مباشر مع قادة المعارضة المسلحة، غير أن الزيارات ذات الدلالة الخاصة كانت لكل من العراق ولبنان اللذين تتشابه أوضاعهما كثيرا مع الحالة السورية، من حيث التكوين السكاني ذي التعدد العرقي والمذهبي مع حساسية الموقع الجغرافي الذي يجعل من كل منهم ساحة لتأثيرات اقليمية ودولية، وما يجرى بالداخل يحدث أصداءً مسموعة لدى جيرانه، بالإضافة إلى حدة الصراع السياسي الذي وصل إلى الاقتتال بين مكونات الشعب المختلفة.
فضلا عن أن ما يحدث في سوريا ينعكس سلبا على كل من العراق ولبنان بحكم الجوار الجغرافي والصلات المذهبية والمصلحية.
وفي كلا الملفين العراقي واللبناني كانت ثمة مساهمة واضحة للأخضر الإبراهيمي في التوصل لتسوية سياسية بين فرقاء مساحة الثقة بينهم تكاد تكون منعدمة، غير أن يجب النظر إلى أن نجاح الوساطة في الحالة اللبنانية تطلب إلتقاء الإرادة العربية ممثلة في الجامعة العربية والإرادة الدولية ممثلة في الولايات المتحدة، فضلا عن قبول الجار السوري بعد أن تم ترك له مساحة تأثير سياسي وعسكري في الداخل اللبناني، ودعم النظام السعودي الذي أوجد لنفسه مساحة تأثير ما في لبنان، ساهم في التوصل ل"اتفاق الطائف" ونزع فتيل الحرب الأهلية، وفق صيغة الحكم الثلاثية القائمة حتى اللحظة بين السنة والشيعة والمسيحيين الموارنة.
وذات العناصر أيضا تحققت في الحالة العراقية، من توافق عربي ودولي، وإن كان اللاعب الأكبر في المعادلة هما طهران وواشنطن الذي ما أن اتفقا على مساحة مشتركة لكليهما ولانصارهما في العراق، حتى تمت تسوية الأزمة السياسية، وإيجاد سلطة حاكمة عراقية بعد صدام حسين تحل محل الحاكم الامريكي بول بريمر الذي كان وجوده على رأس بلد عربي كرمز لاحتلال مباشر خصما يوميا من رصيد الولايات المتحدة عربيا ودوليا، وسببا لتأجيج العنف والفوضي الأمنية.
ولعل بعد مرور سنوات على تجربة التسوية السياسية في كل من العراق ولبنان، نجد أن نهج المحاصصة الطائفية الذي جرى اعتماده في الحالتين وكان الإبراهيمي طرفا فاعلا فيه، وإن مثّل حلا في البداية، إلا أنه لاحقا انتج أزمة دائمة تعلن عن نفسها من وقت لآخر، أحيانا نتيجة صراعات داخلية، وأحيانا أخرى لتدخلات خارجية بفضل التوافق الهش القابل للإختراق والتفجر ، وكلنا يرى الأزمات السياسية التى تشتعل من وقت لآخر داخل العراق بين رئيس الحكومة "الشيعي" ورئيس الدولة "الكردي" أو بين رئيس الحكومة وبين رئيس البرلمان"السني" أو حتي بين رئيس الحكومة ونائب رئيس الجمهورية"السني" كما في أزمة المالكي وطارق الهاشمي الأخيرة التى أسفرت عن ملاحقة نائب الرئيس قضائيا وتجريمه ما اضطره إلى الهرب إلى تركيا.
فضلا عن الوضع الأمني المتردي حتي بعد إعلان واشنطن إنهاء مهمة جنودها في العراق، والوضعية شبه الانفصالية لأقليم كردستان على يد الأكراد، وحالة الاحتقان السياسي غير المنتهية.
ولا يخفى على أحد الصراعات الحادة داخل لبنان بين الفصائل المختلفة التى لا تلبث أن تتحول من وقت لآخر لصدام دموي حاملة لواء الطائفية، رغم دوافعها السياسية في الأساس، وحتى بعد خروج سوريا من لبنان عقب الضغط الداخلي والدولي المتصاعد ابان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وكانت الاتهامات تُوجه لها طوال الوقت لدمشق أنها هي من تؤجج هذه الصراعات لتحقيق مصالحها، وأنها تخل بالتوازن الدقيق بين مكونات الشعب اللبناني لفرض وصايتها.
بل أن الاخضر الابراهيمي نفسه، وبعد إنتهاء مهمته في العراق، أعلن في أحدى المنتديات في عام 2006 أن أكبر خطأ أرتكبه في العراق هو مبدأ "المحاصصة" في الحكم، وإنه لم يكن يدرى أن الصورة ستكون هكذا في العراق.
ومن ثم العودة لهذا السيناريو في سوريا، سيكون له ذات الآثار الفادحة، وربما على نحو أكثر خطورة.
وقد كان أهم تصريح خرج به الإبراهيمي خلال جولته الأخيرة أن الوضع في سوريا مرشح للإمتداد خارج حدودها، وسيأكل الأخضر واليابس، ولهذا التصريح دلالته، خاصة أنه صدر في بيروت بعد أن امتدت بالفعل شظايا انفجار الوضع في سوريا داخل الأراضي اللبنانية، وقد شهدنا اشتباكا بين مؤيدي النظام السوري ومعارضيه في لبنان على قاعدة طائفية أكثر من مرة خاصة في طرابلس، بل وايقاف وزير لبناني متهم بالعمالة للنظام السوري والتآمر على أمن لبنان، وذات الموقف ذي البعد الطائفي تكرر في العراق من اتهام لحكومة المالكي من قبل غريمه السني طارق الهاشمي بتقديم دعم لوجستي ومقاتلين إيرانيين وعراقيين لدعم نظام الأسد عبر بغداد.
من هنا يأتي التحذير من هذا السيناريو القائم على التقسيم والاستقطاب الطائفي والسياسي، فسواء تمت التسوية على قاعدة المحاصصة أو استمر الوضع على هذه الوتيرة فأنها تمثل خطرا داهما، وبرميل بارود قابل للانفجار، والتوسع بطول وعرض الأقليم كله حالا أو مستقبلا.
ومن هنا تبرز صيغ أخرى تبدو أكثر ملائمة للوضع السوري من إعادة انتاج "طائف لبنان" أو "طائف العراق"، لو فكر تعلم الإبراهيمي من الدرسين اللبناني والعراقي، وسعى لتفكير ابتكاري خارج الأطر المكررة، وإذا تمعنع في مقترحات أخرى من قبيل المقترح الايراني الذي تم تقديمه للإبراهيمي خلال زيارته الأخيرة بشأن اللجوء إلى خيار الصندوق الانتخابي لحسم الصراع بين السلطة والمعارضة، أو الطرح الروسي بخصوص حكومة انتقالية تجمع شخصيات من السلطة الحالية والمعارضة، وقبل كل هذا ضرورة الوصول إلى هدنة، أو وقف لنزيف الدم اليومي لإيجاد أرضية للحوار السياسي.
ولعل المزاوجة بين الرؤيتين الإيرانية والروسية مع نقاط كوفي أنان الست، خاصة ما يتعلق بالعمل على وقف نزيف الدم والمظاهر المسلحة، مع الأخذ في الاعتبار"النموذج اليمني" الذي لعبت السعودية تحديدا دورا بارزا فيه، خاصة مع طرح أسم فاروق الشرع الذي لقى قبولا لدى أطراف عدة ليلعب دورا توافقيا خلال الفترة الانتقالية، علاوة على آلية تحرك إيراني تركي مصري كما اقترح رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان خلال لقائه مع الرئيس الايراني أحمدى نجاد في باكو مؤخرا، كل هذا يمكن إن يعمل على الضغط على طرفي الصراع للجلوس على مائدة واحدة، وبإمكانه أيضا أن يقود لمعاونة الإبراهيمي وإنجاح مهمته، وإخراج سوريا من مأزقها الراهن، فالحل في سوريا في الأساس يحتاج أولاً لإرادة وتوافق بين الأطراف الاقليمية، وفي مقدمتها إيران وتركيا والسعودية مع تحييد الدور القطري أو دفعه لإتجاه مغاير، وأيضا ثمة حاجة ملحة لتوافق الاطراف الدولية على تصور مشترك، وخاصة واشنطن وموسكو، وساعتها ستكون الأطراف الداخلية مهيأة للتسوية، خاصة أن السلطة وفق وضعيتها الراهنة غير قادرة على حسم الصراع لصالحها ولو طال أمده، ولا المعارضة المتشرذمة والموزعة بين الخيار المسلح ولعبة السياسة والتجاذبات الاقليمية والدولية بمقدرها الانتصار، وتبقي صيغة"لا غالب ولا مغلوب" هي العنوان الصحيح لصراع الداخل السوري، وصيغة"تلاقي المصالح الاقليمية والدولية عند نقطة ما" هي الفيصل في معركة الارادات، وإن كان الأمر على ما يبدو يحتاج إلى بعض الوقت ومزيد من الجهد الدؤوب للابراهيمي وفريقه، مع الحفاظ على الحيادية التى بدأ بها، رغم الانتقادات الموجهة له من بعض القوى الرغبة في التحيز لمواقفها، وذلك حتى تصل هذه القناعات إلى كل الأطراف، ويدرك الجميع أننا إزاء حالة استقطاب كبرى ووضع أشبه لأجواء الحرب الباردة التى لن تسمح لطرف الانفراد بالقرار، وتمرير الأمر لصالحه، وبدون توزيع الأدوار واقتسام الغنائم بشكل مرضي لن يستتب الوضع لأي أحد، ولا مفر في الأخير من مائدة التفاوض خاصة أن التدخل الخارجي المسلح كما كان في العراق أو حتى ليبيا غير وارد في الحالة السورية بعد أن أدرك الجميع كم هو باهظ على كافة الأصعدة، وتكلفته السياسية والأمنية أكثر من عائده المحتمل، وأظن أن الإبراهيمي يدرك ذلك جيدا، ومن ثم يكثف اتصالاته اقليميا ودوليا بجانب الداخل السوري لبناء أرضية تلتقي عندها كل الأطراف وتكون موطئ قدم للانطلاق لتسوية مرضية للجميع، لكن الرهان على توفير مناخ يسمح بإنضاج هذه الوساطة ووصولها لمسار آمن، إن كان بالفعل ثمة رغبة في وقف نزيف الدم والإبقاء على سوريا، وعدم تفكيكها لصالح مشاريع إقليمية ودولية.
*كاتب صحافي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام