الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن بين التبعية الفكرية والاضمحلال الثقافي

طارق المنيظر

2012 / 10 / 28
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تتميز حياة الإنسان بالتغير والتبدل المستمرين، و كذا لا تخلو حياة كيفما كانت من بعض المشاكل والمعيقات، إلا أن هذه الأخيرة تختلف درجتها من فرد لآخر، حسب الظروف والبيئة التي يحيا و يترعرع فيها الشخص.
ذلك إن دل على شيئا إنما يدل على الاختبار المبرمج للإنسان في هذا الكون، حيث يأتي الدهر بالحلو المحبوب و المر المكروه، و ما على الإنسان إلا أن يحي هذه الحياة احلاء و إمرارا، و أن لا يستسلم لصعوباتها و معيقاتها ببساطة، وأن يجدد نفسه باستمرار و يوفر ما أمكن من طاقة حتى يتسنى له المقاومة و الاستمرار، والطاقة التي يستوجب ادخارها هنا هي الإرادة القوية و العزيمة الفذة و الرغبة الحية، والفطنة الجلية، والنباهة العقلية، على هذا المنوال يستطيع الكائن البشري أن يحي هذه الحياة المبرمجة له بكل ما تنضوي عليه من تعقيدات ومشاكل و صعوبات، فالكائن الناجح دائما هو ذلك الطموح و المقاوم، الذي لا يرضخ لما قد يعتري طريقه من مسالك وعرة مليئة بالأشواك، و يشوبها الضيق أحيانا، لكن رغم ذلك يبقى ضيق القلوب و قصر الطموح أخطر و أكثر الأسباب هلاكا من ضيق المسالك و الطرق، حيث قد يستعص العلاج، و يقف الطبيب المداوي حائرا أمام ما يصطلح عليه مرض القلوب، فلا يجد الوصفة المناسبة لعلاجها، فيصبح الشفاء رهين بإرادة المريض بالدرجة الأولى، و كذا بالتشخيص المناسب و الوصفة الفعالة من طرف الطبيب.
فالمرض الحقيقي والوباء المحض الذي انتشر في مجتمعنا بشكل مفرط، هو داء القلوب، ليس ذلك الداء الجسدي والمادي الصرف، بل ذاك الذي يجعل القلوب ميتة، و الإرادة منعدمة و العزيمة مندثرة، قد تحظر الإرادة و تنبثق العزيمة، لكن أي إرادة و أي عزيمة؟
باتت الرغبة المادية الأكثر هيمنة في مجتمع يجعلنا نخاله أحيانا تنعدم منه المعنويات و المبادئ، فيصبح عرضة أكثر للإفلاس الحضاري و الفقر الفكري، في الحين الذي يعد فيه الفكر و العلم، القلب النابض الذي يمد كل أمة بما ينقصها من أسباب التطور و الرقي، فانتكاس الإرادة والرغبة في السير إلى الأمام والرقي، و تراجع الاهتمام بطلب المعرفة والعلم، يجعل المجتمع عرضة للتدهور و التراجع المستمرين، كما يضاعف حدة تخلفه، فيصبح المرشح الأول للاضمحلال الفكري والتدهور الحضاري و المعرفي، فبالعلم و المعرفة استطاعت شعوب و أمم أن تصل إلى قمة التطور، حيث شيدت حضارات عظمى منقطعة النظير، ذلك رغم وجود معيقات و تحديات، لكن بتوفر أفرادها على الرغبة في الانتشال من دروب التخلف، و مهاوي الجهل، تمكنت من غزو الفضاء، و من بلوغ ما لم يكن مرتقب. لقد آن الأوان أو ربما قد يفوت لنستفيق نحن العرب أيضا من سباتنا العميق، فإلى متى نظل أمة تابعة و مجتمع ذا اقتصاد ريعي، يستهلك أكثر، في المقابل لا ينتج إلا النذر، إلى متى سنستقل فكريا؟. فأمة مستعمرة في أفكارها و محتلة في مبادئها و متحكم في قيمها، تبقى مرشحة أكثر للتخلف و الجهل والتدهور.
و أسفاه لزمن بات فيه العالم جاهلا، أصبح الحظ للغني الجاهل الذي يملك فاحش الثراء، بينما الفقير ماديا و الغني فكريا، يظل وصمة عار و عالة، ذلك يعزى إلى التهميش الفكري والعلمي، في وسط يجهل قيمة المعرفة، و يعلي من قيمة الدينار..
طارق المنيظر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو