الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة -للكفاءات الوطنية-والشارع للشعب الكريم!

محمد عمامي

2012 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



كل البيرقراطيات الحزبية والنقابية والجمعياتية، من بقايا الدستور إلى الاتحاد العام التونسي للشغل إلى اليسار الوطني/القومي الديمقراطي أجمعت على أن عطب"المسار الديمقراطي" الانتقالي سببه عدم كفاءة الوزراء الإسلاميين في إدارة الدولة. لذلك يرفع هؤلاء شعار حكومة كفاءات وطنية بدلا عن حكومة الترويكا، التي هي حكومة توافق حزبي يهيمن في صلبها حزب "النهضة" الإسلامي هيمنة مطلقة.

وكما جاء في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، وهي في الأصل مبادرة اللفيف الحزبي القريب من و/أو الفاعل في صلبه، تتميّز حكومة الكفاءات الوطنية بـ"الاستقلالية" عن الأحزاب وبالكفاءة المشهودة لعناصرها في إدارة الأمور اليومية وتصريف الأعمال، وحيادهم تجاه التجاذبات الحزبية.
باختصار، هي حكومة ستتركّب من عدد محدود من التكنوقراطيين القادرين على التسيير الإداري لمؤسسات" (وزارات) بعقلية المؤسسة الرأسمالية التي تدرّبوا على إدارتها بـ"نجاعة" و"تجرّد"" و"موضوعية" و"روح عملية" و"نظافة يد" لا تتوفر لدى السياسيين.

وفي ذات الوقت، يجلس زعماء الأحزاب إلى مائدة التفاوض للحوار وصياغة "التوافقات الكبرى" لتقنين المنافسة الحزبية "الشريفة" والتداول على السلطة بينهم في كنف السلم ونبذ العنف الذي يعتبر الخط الأحمر أمام الجميع.

صورة سوريالية جميلة. الرجال المناسبون في الأماكن المناسبة، الوئام مكان الخصام والكفاءة الإدارية مكان البرامج السياسية، ذلك هو الحل السحري "لأزمة الشعب"؟ حسب تعبير مضحك لأحد القادة الرئيسيين للاتحاد العام التونسي للشغل. تقاسم أدوار بين الكفاءات (اقرأ البيروقراطيات) "الوطنية؟) والحزبية والنقابية بعيدا عن فوضى الدهماء التي تعوزها الشهائد والخبرة والاعتبار المؤسساتي اللازم للقيادة وتسيير "دواليب الدولة."

المسألة لا تنحصر في الحكومة

يتهرّب دعاة "حكومة الكفاءات" من طرح الاسئلة الحقيقية التي عليها يتوقف مصير المسار الثوري الآن وهنا. وبالمقابل يغرقوننا في محاججات ومقترحات وحلول وهمية لا تمت إلى الأسئلة المطروحة بصلة. وتقديم المسألة على انها مسالة فريق حاكم غير كفء وذي مواصفات لا تؤهله لتسيير دواليب الدولة يخفي جوهر الموضوع ويشوّش وعي الشباب والمواطنات والمواطنين المتمسكين بأهداف ثورتهم والمصرين على مواصلتها رغم القمع والتجهيل والتشويش الذي تقوم به أجهزة الدولة والاحزاب والنقابات معا.

في الحقيقة يتعلّق الأمر هنا بثورة معطلة لم تقم بالمهمة الأولية التي يتحتم على كل ثورة القيام بها لكي تتحقق كثورة: تفكيك أجهزة الدولة البرجوازية السائدة ومحاسبة القائمين عليها (المقصود كل الأجهزة الأمنية والعسكرية والحزبية وما فوق الحزبية والإدارية)، والانتهاء من النمط الهرمي الاستبدادي المتبع في تنظيم الإدارة والأمن والإعلام والمؤسسات التمثيلية... والشروع في تركيز هياكل سلطات ثورية بديلة تبدأ للتوّ في وضع اليد على ثروات الشعب المنهوبة وتنظيم عادل للمرافق والخدمات الاجتماعية، وإقرار تدابير عاجلة توفر للمواطنين دخلا كريما...

وطالما أنّ الحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم لم تفعل سوى تسلم تلك الاجهزة على ما هي عليه، والتوافق مع التوجهات العامة للدولة مقابل بعض الاصلاحات الأنتقائية المدروسة والهادفة لمزيد إحكام قبضتها على المجتمع وعلى الفعاليات الشعبية التي اكتسبت، بالرغم من ذلك، حرية واستقلالية تتعارض مع مشروع الاستبداد التي تبشر به الأحزاب الحاكمة؛ وطالما بيّنت تلك الحكومات صلتها الوطيدة بالمافيا القديمة وبالنهابين المحليين والخارجيين، فإنّ هيمنتها تعيش أزمة حادّة تجلت في تصاعد الاحتجاجات الشعبية وتوسعها بالرغم من الشرعية الانتخابية المزعومة التي لا تستهوي سوى البيروقراطيات الحزبية والجمعياتية والنقابية المتهافتة على الكراسي، وهي لا تهم الشعب الثائر في شيء.

الحكومة الحالية: مشروع مجتمعي رجعي، لا مسألة كفاءات

تتكون الحكومة القائمة من أحزاب قبلت التعاطي، بل الشراكة مع الحرس القديم للنظام الرأسمالي التابع. كما تبنت بكل وضوح المشروع الاستعماري الجديد بالمنطقة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والذي تلعب فيه مكونات الحركة الاسلامية دورا محوريا مكان الدكتاتوريات القومية الآفلة.

ولقد أظهر الاسلاميون قدرة تفوق غيرهم من القوى السياسية على تزعم هذا التحول الجزئي في الدولة. وتموقعوا ضمن مخططات الهيمنية الجديدة في المنطقة، وتكفلوا بمواصلة الدفاع عن المنظومة الرأسمالية الليبرالية المتوحشة التي كانت بشاعتها وراء انهيار الدكتاتوريات المخلوعة. وهم يمثلون القوة المؤهلة إلى نشر ديماغوجيا جديدة ترسي القدرية والطاعة عبر المزاوجة بين الليبرالية الإقتصادية من جهة، ونظام سياسي وثقافي واجتماعي محافظ ومستبد، يمكن اختزاله في نظام الراعي والرعية، وهو نظام يقوم على وجوب طاعة الحكام والقبول بالفقر والجهل والمرض بأمر من الله.

إن الليبرالية الاقتصادية من جهة والمحافظة السياسية والثقافية والاجتماعية المرتكزة على الهوية الدينية من جهة أخرى، عنصران أساسيان في الاستراتيجيا الامريكية في المنطقة؛ والأحزاب الإخوانية هي خير من يجسد ذلك بشرط تنقيتها من شوائب الأتباع والأجنحة الراديكالية التي تضفي الإضطراب على المشهد المراد هيمنته.

لذلك فقضية الحكومة الحالية ليست مسألة نقص في الكفاءة ولا افتقاد لذوي الشهادات العليا (وعلى كل حال يحتوي الحزب الاسلامي على أكثر عدد من الكوادر العليا بعد الحزب الدستوري "المنحل")، بل هي اساسا قضية برنامج سياسي واجتماعي وثقافي رجعي ومعاد للثورة هو أكثر من يجسد حاليا حبل النجاة لمافيا الداخل والخارج من بقايا نظام بن علي إلى طغاة الخليج وأسياد البترودولار وكذلك الإمبريالية والصهيونية في المنطقة.

لا تزال المقاومة الشعبية الباسلة في الجهات والقطاعات الثورية تربك تلك السياسة وتضع السلطة الأسلامية في مواجهة رفض متصاعد يدفعها باستمرار إلى الاستنجاد بقوات القمع القديمة من جهة، وإلى المضي في تكوين ميليشياتها الخاصة من جهة ثانية، والتلاحم مع السلفية الجهادية من جهة ثالثة. وهو ما أفقدها جزء كبير من مصداقيتها حتى في صفوف الفئات التي تعتبر سندا شعبيا تقليديا لها.

وعوض أن تستغل المعارضة أزمة سلطة الإسلاميين تلك، وتفاقم من عزلتهم، وعوض أن تنخرط في النضالات الشعبية وأن تنادي بوضوح، مع الشعب، بإسقاط النظام، ظلّت تبحث له عن حلول عبر مشاريع الحوار والتوافق الفوقي، يحرّكها جشعها المرَضي للسلطة.

وسواء سميت حكومة الوفاق المنشود "حكومة كفاءات" (حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد) أو"حكومة تكنوقراط (الا.ع. ت.ش) أو "حكومة أزمة ( حزب العمال) فإن الهدف واحد: قطع الطريق أمام تطور المسار الثوري الذي يهدد بنسف الدولة القائمة برمّتها وتبديد حلم إعادة هيكلتها بحيث تتسع لمشاركتهم.

متى تفرز الحركة الثورية تعبيراتها الثورية؟

من الواضح،إذنّ، أنّ الأحزاب التقليدية بيسارها ويمينها، لا تنخرط في سيرورة القطع مع الدولة القائمة بل هي تتموقع ضمن المدافعين عن استمراريتها ودعمها عبر الإصلاح وتوسيع قاعدتها الاجتماعية واليساسية حتى تفك عزلتها وتعيد بسط هيمنتها، وهو ما يتطلب إخماد المسار الثوري وإعادة الجهات والقطاعات الثورية إلى بيت الطاعة.

ومن الواضح أيضا أنّ الحركة الثورية، على راديكاليتها وسعتها، لم تستطيع لحدّ الآن الاستفادة من الشروخ التي فتحتها في جسد الدولة، وخاصّة في المنظومة الأمنية، وعلى العكس، سلّمت ثمرة نضالاتها لأعدائها في مناسبتين على الأقل: الأولى التسليم –ولو المشروط- بقيادة السبسي وأجزاء من النظام البائد للـ"مسار الانتقالي الديموقراطي" المزعوم، والثانية للظلاميين إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 . وفي كلا الحالتين لعب الاتحاد العام التونسي للشغل ومن ورائه اليسار الجاهل دورا مشؤوما عبر نشر الأوهام حول الديمقراطية النيابية، تلك الديمقراطية الشكلية، المركزية والفوقية القائمة على الرشوة وانفراد أثرياء السياسة بالسلطة، تلك الديمقراطية التي تتكشّف للمرة الألف عن مجرّد دكتاتورية أولقارشية مقنّعة.

وفي انتظار أن تفرز الحركة الثورية من صلبها أنماطا جديدة من التنظيمات الثورية الملتصقة بنضالاتها، ومستلهمة منها أهدافها وطموحاتها، ومعبرة عن برنامجها الثوري، ومساهمة في صياغة مشروع مجتمعي جديد؛ في انتظار كل ذلك، ستظل الحركة الثورية تراوح وتراوح، وتمرّ بفترات هبوط وفترات صعود. وسيمثل هبوطها متنفسا للبيروقراطيات المتواطئة، تستعيد أثناءه شهيتها "للحوار المسؤول " والتفريط في مطالب الشعب نيابة عنه، وسيمثل فترات الصعود ضغطا على أجهزة المعارضة، يدفعها إلى مسايرة الموجة بالتصلب تجاه شركائهم الحكام، وسيفتح، عند بعضهم، شهيّة الابتزاز والاستفادة الخاصة من هكذا وضع للقيام بخطوات أسرع نحو الكراسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت