الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصَّعلكة ؛ قراءَةٌ نقدية ٌ لأهمّ الدراساتِ التي عُنيت بصيرورة مفهوم الصعلكة في الشعر القديم / الحلقة الأولى

أيوب بن حكيم

2012 / 10 / 28
الادب والفن


اِحتفت الدراسات الحديثة و المعاصرة بشعر الصعاليك لما يحمله هذا الشعر من رؤية مضادة للنسق الفني و الجمالي و الوجودي للقصيدة القديمة ؛ أي للثقافة المركزية ، فكانت أولى هذه الدراسات دراسة"أحمد أمين" الموسومة بـ"الفتوة و الصعلكة" مرورا بالدراسة الرائدة لـ"يوسف خليف" المعنونة"الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي" و دراسة تلميذه"حسين عطوان" الشعراء الصعاليك في العصر الأموي" وصولا إلى "كمال أبو ديب" في كتابه الممتع"الرؤى المقنعة" و نهاية بدراسة التونسي اللامع"محمد لطفي اليوسفي"المسماة"فتنة المتخيل/الكتابة و نداء الأقاصي" ؛ فما التصور الذي اِنطلقت منه كل دراسة ؟ وهل يمكننا الحديث عن النص أم عن المنهج أم عن التاريخ في اِستنطاق تلك النصوص المهمشة ؟
شعر الصعاليك أو "الفتاك و اللصوص و الشطار" شعرٌ غنيٌّ أيما غنى بالمادة التاريخية و الاِجتماعية و السياسية و الاِقتصادية و الفكرانية[1] و الفنية/الأسلوبية و الجمالية و النقدية للعصور التي قيل فيها،و اِنعكاسً أمين و واضح لهول الشرخ بين الشاعر و القبيلة/النظام،بين الهامش و المركز،الواقع المرير و القيم المتطلع إليها،فلا غرو أن نرى نغمة الشجن واضحة :
أقيمــوا بني أمي صدور مطيكم [..] فإني إلى قــوم سواكم لأميــَلُ
ولــي دونكم أهـلون سيد عملس [..] و أرقط زهلول و عرفاء جيْأل
هم الأهل لا مستودعَ السر ذائع [..] لديهم ولا الجاني بمَا جرّ يُخذَل[2]
أبيات "الشنفرى" طافحة بالمرارة،وإذا طوينا الزمن تناصًّا نجد نفس المرارة عند الأحيمر السعدي[أموي]:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب ....
أبيات تمعن في الهرب من الإنسان/المركز،إلى هامش متخلى عنه،ليكون الإمعان في الهرب نبذا لفكرة الجماعة و التقيد بمقرراتها عبر الاِنفراد بالذات و الحيوان الذي يحمل الذات في أسطرتها لعالم الحيوان[أنظر دراستنا الموسومة بـ"صورة الحيوان في الشعر الجاهلي:السمة و الرمز و الأسطورة".
حاول الناقد التونسي "محمد لطفي اليوسفي" ملامسة مفهوم "الهامش و المركز" متأثرا بـ"استراتيجية التفكيك"[3] في دارسته الممتعة "فتنة المتخيل الجزء الأول الكتابة و نداء الأقاصي" حيث ركز في الفصل الذي وسمه بـ"المدينة و مطاردة جند إبليس"/63 صفحة ، على الأخبار و الأشعار و الحكايات ليقف عبر"الهيرمينوطيقا" على ما لم تقله النصوص إيمانا منه أن النص حمال أوجه[4].
بدا اليوسفي دراسته معللا "سقطة الشعر" و تماهى مع نصوص عند"عبد العزيز الجرجاني" و "ابن خلدون"و"حازم القرطاجني" تشكو من سقوط الشعر و ضعة أهله ، ليلج بعد ذلك "شعر اللصوص" أو ما كان يسمى قديما بـ"شعر الصعاليك"، ولم يكتف "اليوسفي" بأشعار اللصوص بل تعدى ذلك إلى الإتيان بأخبارهم و حكاياتهم من مجموعة من المظان الأساسية في الثقافية العربية و على رأسها كتاب"الاغاني"،لدرجة أنه ياتي بالحدث الواحد ويفرد له حكايات كثيرة من مختلف المسارد القديمة لترسم له نفس الطريق،وهو أن خبر الصعلوك الذي حفلت به كتب"الأغاني" أو "معجم الأدباء" و "تاريخ الطبري" لم يكن بمجرد الإخبار ؛ بل كانت له خلفية ماكرة تعصف بالمتلقي عصفا و تأسره إم لم يتفطن لما تحويه من مكائد و كمائن،ولا أدل على ذلك من قصة "الحجاج الثقفي" و الشاعر "جحدر العكلي" المعروفة،فاليوسفي يرى أن السارد/الأخباري تعمد إحاطة "الحجاج" و أعوانه بصفات الخسة و اِنعدام المروءة .

هوامش :
[1] نفضل مصطلح "الفكرانية" عوض مصطلح "الإيديولوجيا" لعلل عرض لها "طه عبد الرحمان" تأثيلا و تأصيلا بالتفصيل ، في دراسته "تجديد المنهج في تقويم التراث" .
[2] أنظر اللامية و شروحها من خلال المظان الآتية "أعجب العجب في شرح لامية العرب" للعلامة جاد الله محمود الزمخشري المعتزلي،ـ إتحاف ذوي الأرب بمقاصد لامية العرب،أبو جمعة الماغوسي المراكشي،تحقيق و تقديم محمد أمين المؤدب،توزيع مكتبة الرشاد ط 1 سنة 1997 .
[3] مع التفكيكيين يصبح الهامش مركزا و المركز هامشا ، لكن مع اِختلاف واضح بين "فوكو" و "دريدا"،وهذا الاِختلاف سيؤسس للقطيعة بينهما على وصف أن "فوكو" آمن بالمعيار في دراسته"تاريخ الجنون"حيث ناقش الجنون عن طريق العقل ؛ بينما "دريدا" أمعن في نسف الإحالة و المواضعة و كل البدهيات و المسلمات عن طريق هدم demoletion نيتشوي للعقل و كل الآلهة الميتافيزقية .
[4] النص حمال أوجه عند التفكيكيين الفينومينولوجيين على وصف وجود مفهوم"العائق الأنطولوجي" الذي هو عبارة عن علاقة جدلية بين الذات و النص،ويسمي "ابن سينا" هذا المفهوم في كتابه"التعليقات" بـ"الإضافة الوجودية" حيث إذا عقل معقول الماهية فإن عقله ليس هو .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة