الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نداء إلى كل الماركسيين في الوطن العربي

سلامة كيلة

2005 / 3 / 7
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


توافق عدد من الماركسيين العرب على توجيه النداء التالي إلى كل الماركسيين في الوطن العربي:
على ضوء التحوّلات العالمية و إنفلات الرأسمال و سعيه للهيمنة على العالم بعد إنهيار المنظومة الإشتراكية، عبر إعادة الإستعمار و الحروب الوحشيّة، و كذلك من أجل فرض الليبرالية كنمط وحيد في الإقتصاد، و التفتُّت السياسي و الإثني و الطائفي و الديني كصيغة لعالم يخضع لسيطرة الشركات الإحتكارية الإمبريالية، و عبر التحكُّم الدكتاتوري في مصير الأمم، المعتمد القوّة العسكرية الأميركية كأداة لحظة تحوّلها إلى القوّة المطلقة التفوّق على أمم العالم الأخرى.
و على ضوء إنهيار المشروع القومي العربي، بعد أن فشل في تحقيق الوحدة القومية و الإستقلال و التطوّر و الحداثة. و بعد تزايد التوسّعية الصهيونية التي باتت تهدِّد الدول المحيطة بفلسطين بعد أن بدا لها أنها حسمت السيطرة عليها. و بعد إحتلال العراق، و الدور الإمبريالي الأميركي الذي يسعى للسيطرة المباشرة على دول عربية أخرى، لإعادة تشكيل المنطقة إنطلاقاً من السيطرة العسكرية المباشرة، و عبر تمكين الدولة الصهيونية و تحويلها إلى إمبريالية فرعيّة تكمِّل الدور الإمبريالي الأميركي و تتواشج معه. و بالتالي على ضوء الأخطار الكبيرة التي باتت تهدِّد بعودة الإستعمار، و تفكيك الوطن العربي من جديد إلى دويلات ذات طابع طائفيّ أو دينيّ أو إثنيّ أو قبليّ، تكون قابلة للخضوع للسيطرة المباشرة التي لا تخدم سوى مصالح الشركات الإحتكارية الإمبريالية، و حيث يتحقَّق النهب الإقتصادي و يجري تدمير كل ما بُني خلال العقود الخمس السالفة.
و إنطلاقاً من تفكّك و تفتّت الحركة الشيوعية العربية و فشل معظم أطياف حركات اليسار الجديد، و الأزمة العميقة التي أوجدها إنهيار المنظومة الإشتراكية على صعيد الفكر الماركسي و الحلم الإشتراكي، و إنجراف قطاعات هامة من الشيوعيين في طريق الليبرالية الجديدة، و إعتناقهم للخيار الرأسمالي بأكثر أشكاله بشاعة، و تكيّفهم مع العولمة الإمبريالية، و مراهنتهم على تطوّر " قَدَريٍّ " تحقّقه الرأسمالية التابعة المحليّة، أو تنجزه عملية الإلتحاق بالعولمة. و بالتالي تلاشي ما كان يُعتبر هو البديل اليساري، و إنسياق بعض أطرافه في مجرى اليمين.
و إستناداً إلى الأزمات العميقة التي باتت تعيشها الطبقة العاملة العربية، و مجمل الطبقات الشعبية. و حالة الإفقار التي باتت تُدفع إليها، حيث أذّنت بتفاقم الصراع الطبقي ضد الرأسمالية التابعة التي نهبت المجتمع خلال العقود الماضية، و كانت جسر النهب الذي مارسته الطغم المالية العالمية و الشركات الإحتكارية الإمبريالية. و أيضاً إستناداً إلى حالة الإحتقان العميق الذي أوجدته الغطرسة الصهيونية و الإحتلال الإمبريالي، و التي أذّنت إلى الشعور بالحاجة إلى العودة للكفاح التحرّري.
و من ثَمّ الإحساس بأن المصلحة الطبقية باتت جزءاً من المصلحة القومية، و أن إنهاء نظم الرأسمالية التابعة هو جزء من مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني، و أن تحسين أوضاع الطبقات الشعبية مرتبط بتحقيق التطوّر الإقتصادي ( و هنا في الصناعة و الزراعة و في البنية التحتيّة و العلميّة )، و التطوّر المجتمعي. و هما مرتبطان بتحقيق الإستقلال و التوحيد القومي.
على ضوء كل ذلك ندعو جميع الماركسيين المعنيين بمصير الوطن العربي، و بهزيمة الرأسمالية و القوى الإمبريالية، و بتحقيق التطوّر و الحداثة. ندعوهم إلى التفاعل و الحوار من أجل إعادة بناء التصوّرات الماركسية، و إعادة الإعتبار للحلم الإشتراكي. و كذلك ندعوهم إلى البحث الجاد في الواقع العربي من أجل بلورة المشروع القومي الديمقراطي، مشروع الإستقلال و الوحدة القومية و التطوّر و الديمقراطية و الحداثة.
و من أجل إعادة بناء الحركة الماركسية العربية بما يسمح بأن تتحوّل إلى قوّة فِعل حقيقيّ، و تأسيس مقدرتها على تفعيل الحركة المجتمعيّة، التي بها يمكن مواجهة الإحتلالين الصهيوني و الأميركي، عبر تعميم روح التحرّر. و إسهامها العالمي ضد الرأسمالية المتوحّشة، الإمبريالية المتجدِّدة.
و نحن نرى أن إعادة بناء الحركة يفرض إعادة صياغة الرؤية العامة التي تسمح بتأسيس حركة جديدة. الأمر الذي يجعل للمسألة النظرية أهمية كبيرة، و يُقرّر أنها ضرورة لا بدّ منها، و مقدّمة ضرورية لتفعيل الحركة المجتمعيّة و تطويرها، و تنظيم إحتقانات الطبقات الشعبية لكي تصبح قوّة تغيير حقيقية، حيث لا يمكن للحركة المجتمعية أن تخرج من وضعيّتها الراهنة دون رؤية، و دون أهداف واضحة، و دون بديل لما هو قائم. و كذلك دون أملٍ بتحقيق التغيير.
من أجل ذلك نعتقد بضرورة الحوار و التفاعل و الترابط . ملاحظين أن قضايا مهمة تحتاج إلى التأمّل و البحث، من أجل أن تسهم في تكريس رؤية ماركسية جديدة، تعبِّر عن الواقع القائم، و تؤسّس لتجاوزه. و يمكن تلخيص هذه القضايا بالتالي:
1) إن إنهيار المنظومة الإشتراكية قد أفضى إلى الشكّ بالماركسية بمجملها، و ليس بالتصوّرات التي عمَّمتها الماركسية السوفييتية فقط . الأمر الذي وضع الماركسية بمجملها على المحكّ، و أهال عليها ستار كثيف من الغموض. و جعلها أبعد عن أن تمثِّل إختياراً واضحاً، لا في مستوى الوعي و لا في مستوى الرؤية و لا في مستوى الدور، خصوصاً أن كل هذه المسائل كانت إشكالية من قبل، رغم أن الشيوعية كانت تعني شيئاً على صعيد الرؤية و الحلم.
هذا اللبس الكبير يفرض أن نعيد بناء الموقف من الماركسية، الأمر الذي لن يتحقّق إلا عبر إعادة بناء الماركسية ذاتها، من خلال إعادة بناء الرؤية المنطلقة من وعي الواقع و وعي آليات تغييره. كما من خلال وعي المشكلات الواقعية و تحديد الطريق التي تسمح بتجاوزها، و لمس مشكلات الطبقات الشعبية و التحريض من أجل تجاوزها كذلك.
إننا في لحظة تفرض أن تؤكّد الماركسية أهليتها، و هذا هو دورنا النظري و السياسي و العملي.
2) و أن التجربة الطويلة من عمر الحركة الشيوعية العربية قد أوضحت إشكاليّتها العميقة، حيث عجزت عن رؤية الواقع و بالتالي عن تحديد آليات تغييره. لقد كانت في الغالب لا تطرح على ذاتها مهمة التغيير، لهذا عجزت عن أن تعبّر عن عمق الصراع الطبقي، و عن الطبقات التي كان يجب أن تناضل من أجلها، و إكتفت بأن تدافع عن حلمٍ موهوم في التطوّر يقوم على إنتصار " المرحلة البرجوازية ". كما تكيّفت مع إفرازات التقسيم الإستعماري فتجاهلت أقسام هامة منها أهمية المسألة القومية العربية، و بالتالي قبلت بالوجود الصهيوني في فلسطين.
كل ذلك قاد إلى أن تتهمَّش بفعل تفاقم الصراعات الطبقية و هزيمة البنى الإقطاعيّة على يد الفئات الوسطى ( الريفية في الغالب ). و بالتالي أن تبدأ بالتلاشي و التفكّك في مسار يستمرُّ منذ أربعة عقود تقريباً.
3) و إذا كان المشروع القومي العربي قد حُمل على أكتاف الفئات الوسطى خلال النصف قرن السالف، فإن النتائج التي أوصلتنا إليها هذه الفئات، حيث و إن كانت قد أنهت البنية الإقطاعية و حاولت تحقيق التطوّر الإقتصادي و التحديث، فقد جلبت النهب الذي أدى إلى إعادة إنتاج الرأسمالية التابعة، و الإستبداد الذي كبت الصراع الطبقي و هشّم الحركة السياسية و شوّه الثقافة، دون أن تتحقّق الوحدة أو تسترجع فلسطين.
لهذا سيكون على الماركسية أن تعيد صياغة المشروع القومي الديمقراطي العربي في أهدافه العامة، و بما يحقِّق الترابط الضروري مع مصالح الطبقات الشعبية، و بما يجعله مشروع ممكن و يمثِّل البديل الراهن في سياق تحقيق البديل الإشتراكي.
4) ثمّ أن العالم قد تغيّر و تطوّر، و باتت هناك أوضاع جديدة تحتاج إلى البحث و التحليل، لأننا نعيش في عالم واحد، و نخضع أكثر من أيّ وقت مضى لسطوة الإمبريالية و لهيمنة الشركات الإحتكارية الإمبريالية، و لهمجيّة العسكرية الإمبريالية، و كذلك لعنف التنافس الإقتصادي و اللا تكافؤ الهائل في مستويات المعيشة و تمركز الرأسمال و التفوّق التكنولوجي و الخبرة و المعرفة.
و نعاني من أنياب العولمة المتوحّشة التي تُفرض على العالم كلّه، و خصوصاً على الأمم المخلّفة و المفقرة و المهمّشة، و التي تعاني الجوع و الأوبئة و الأميّة و الموت. نعاني من تحكّم القلّة بالغة الغنى بعالم يغرق في الجوع و المرض و الجهل. و من إخضاع العالم لمنطق الربح الأعلى على حساب البشر و رغماً عنهم. و كذلك من إغراق العالم بالحروب الإمبريالية و الحروب الدينية و الإثنيّة و الطائفيّة و القبَليّة و القوميّة. و من عودة الإستعمار و نظام الإمبراطوريّة.
و بالتالي نعاني من إحتجاز التطوّر، لأن إستمرار هيمنة الشركات الإحتكارية الإمبريالية يفرض منع " باقي العالم " من أن يمتلك قوّة الإنتاج الأساسية في هذا العصر، التي هي الصناعة. حيث أن " الحرب الإستباقيّة " في مجال الإقتصاد تفرض أن تُحرم الأمم المخلّفة من وسيلة التطوّر الأساسية التي هي الصناعة، و أن تبقى أمماً ريفيّة أو مهمّشة أو تعتمد على " هبة الطبيعة " التي هي المواد الأوّلية.

كل ذلك يفرض أن ينفتح الحوار و البحث، من أجل أن تتقاطع الرؤى، و يتبلور ما يمكن أن يشكِّل أساساً لحركة تغييرٍ ماركسية جديدة. إننا معنيّون بمواجهة الحرب الإمبريالية الأميركية، وركيزتها المتمثّلة في الدولة الصهيونية ، و كذلك مواجهة نهب الأنظمة الرأسمالية التابعة و إستبداديّتها. معبّرين عن روح الطبقات الشعبية و عن حلمها في التطوّر و الحياة الكريمة و المساواة.
لم يعُد ممكناً إستمرار الوضع الراهن للحركة الماركسية العربية، و لم يعُد مقبولاً إستمرار هذا الوضع، خصوصاً أننا نشهد إنهيار الحركة السياسية العربية كلها، و نهوض الحركة الأصوليّة كبديل عنها رغم ظلاميّته، حيث أنه يقدّم الماضي كحلٍّ للمستقبل من خلال الحلول المحافظة في المستوى الإجتماعي، و عبر تكريس الإقتصاد الريعي بديلاً عن الإقتصاد المنتج، و السلطة الفاشيّة بديلاً عن الديمقراطية. و لتبدو أنها المقاوم ل " الإمبريالية " و للإحتلال. و لاشك في أنها تقوم بذلك، لكن من منطلق سلفيّ و على أسس دينيّة، و من أجل تحقيق إنتصار ديني و تكوين محافظ.
لهذا يجب أن يعود لليسار دوره الحقيقي، و أن تعود الماركسيّة منهجيّة تحفر في الواقع، و تؤسّس لتجاوزه نحو المستقبل، أي نحو بناء الصناعة و تحقيق التنمية الإقتصادية، و الإرتقاء في وضع الطبقات الشعبية، و في تأسيس الدولة العربية الديمقراطية القائمة على أساس فيدرالي، و التي تقرُّ بحقوق الأقليات القومية و بالخصوصيات المناطقيّة، و تكون قوّة عالمية في مواجهة النمط الرأسمالي، من أجل تجاوزه نحو الإشتراكيّة.
هذا الدور لليسار و للماركسية، هو الذي يفتح الأفق لتجاوز التخلّف و التجزئة و التبعيّة و الإستبداد، و تحقيق المشروع القومي الديمقراطي العربي، الذي تتالت على تحقيقه الطبقة البرجوازية العربية ثم الفئات الوسطى دون أن تستطيع ذلك، لأنها كانت موصولة الرحم بالنمط الرأسمالي، عبر إنطلاقها من ضرورة الرسملة، و تقديس الملكيّة الخاصة.
نحن معنيّون بتأسيس حركة ماركسيّة عربية جديدة، تعمل لأن تكون قوّة فِعلٍ حقيقية، لكن دون أن نتجاهل دور الطبقات الأخرى و الأحزاب الأخرى. لكننا الآن معنيّون بالحوار من أجل أن يصبح نشوء تلك الحركة ممكناً. هذا ما يحظى بالأولويّة الآن، لكن دون تجاهل المعارك اليوميّة، و التحالفات التي تفرضها.
لهذا ندعو إلى أن يصبح ممكناً التواصل لتحقيق ذلك . أمامنا مهمة كبيرة، هي مهمة إعادة بناء الحركة الماركسية العربية، و أمامنا مهمة تكتّل كل الماركسيين المعنيين بالمواجهة العربية العامة، و بالمواجهة الطبقية في كل البلدان العربية. و بالتالي يكون ضرورياً أن تتفاعل تلك القوى و أن تلتقي، من أجل بلورة الخطوات الضرورية الآن.
و لذلك فقد تم تشكيل هيئة للمتابعة من أجل بلورة أسس الحوار و تنظيم آلياته.

عنهم:
سلامة كيلة
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استطلاعات للرأي تظهر أن حزب العمال حقق فوزا كبيرا في الانتخا


.. استطلاعات رأي تكشف عن انتصار ساحق لحزب العمال في الانتخابات




.. كلمة الأستاذ محمد سعيد بناني في تأبين الراحل عبد العزيز بنزا


.. نتائج غير رسمية تشير إلى فوز حزب العمال البريطاني في الانتخا




.. كلمة الأستاذ محمد صديقي في تأبين الراحل عبد العزيز بنزاكور