الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة السورية و خيانة اليسار الستاليني و الماوي

المنصف رياشي

2012 / 10 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تعددت التحليلات و الرؤى تجاه الثورة الشعبية في سوريا وذهب اليسار الستاليني و الماوي بعيدا في مواقفهما منها و تكاد كل تياراتهما في دول المنطقة تجمع على أن ما يحدث في سوريا هو مؤامرة امبريالية ضد نظام "الممانعة " و كعادتها فهي لجأت إلى مخزون وطنيتها البرجوازية الصغيرة المتملقة لسادتها البرجوازيين الحاكمين .
عانت الفئات الشعبية من عمال و فلاحين صغار و صغار الموظفين في سوريا من استغلال الطبقة البرجوازية لهم منذ عقود خاصة في العقد الأخير مع سياسة الليبرالية الاقتصادية للنظام و استئثار عائلة الأسد و كبار المسؤولين بالثروة و الاقتصاد الذي صار قائما على قطاعات خدماتية و تجارية على حساب الانتاج و على حساب الفلاحة التي تراجع الإنتاج فيها و تضرر صغار الفلاحين منها ( وهو ما يفسر كون العمق الاجتماعي للثورة ومركز قواها الاجتماعية كان الريف السوري مما حدا بالبعض لتسمية ثورة الريف ) , و زاد بؤس الفئات الشعبية مع شدة القمع و الملاحقات و الرقابة على الأفراد التي ميزت حكم البعث و لما جاءت الثورة في تونس و مصر و اليمن كان من الطبيعي أن تشهد سوريا التي تشهد أزمة اجتماعية و استبداد سياسي و قمعا سافرا منظما من الدولة انتفاضة شعبية ضد طغيان حكم البرجوازية . إلا أن ضعف المنظمات اليسارية بسبب عقود من القمع و التشتيت و الملاحقات الأمنية و التضييق و تبعية كل المنظمات الجماهيرية كالنقابات و الأحزاب الشيوعية للنظام إضافة إلى الجبن المتأصل في اليسار المتبني لأطروحات منظر الهزائم ستالين و المهاتر ماو و الدائرين في فلكهما من المتمركسين المتطفلين على الحركة الشيوعية و الحركة العمالية جعل كل هذا موقف اليسار محتشما أو مترددا أو بعيدا عن الحركة الجماهيرية ثم معارضا لها حين فرض تطور الأحداث أن تدخل الثورة في أطوار جديدة .
لنكن ماركسيين و لنذكر أنفسنا أن الإنتفاضات الاجتماعية و حركة التاريخ تدرس و تفسر بتحليل الواقع الاقتصادي الذي تعيشه الطبقات و درجة التناقضات التي وصلت إليها العلاقات الإنتاجية ولا تفسر بمجرد الأهواء لأفراد أو تنظيمات أو بنظرية المؤامرة و لا بارتدادات ثقافية و لا بمجرد دراسة العلاقات السياسية بين البلدان عبر وكالات الإعلام . غير أن مؤدلجي اليسار الزائف و كعادتهم يضربون عرض الحائط كل أبجديات الماركسية و ينطلقون كالغربان ليغردوا بتفاهاتهم ليلا نهارا عن وطنية كاذبة و عن ممانعة البرجوازية السورية و كل ترهات القومية و أوهام الاشتراكية الوطنية . و لتقوية حججهم بمزيد من الخلط وجدوا الاسلام السياسي و إرهابه و ظلاميته خير مبرر لهم للتشبث بحكم البرجوازية الحداثية في مواجهة الإرهاب متغافلين عن إرهاب هذه البرجوازية الحداثية و استغلالها المضاعف للطبقتين العمال و الفلاحين (الصغار) و قمعها الممنهج لهما و مصادرة حقوقهما في التنظم و التعبير عن مصالحهما . يتفادى ستالينيوننا البؤساء و من لف لفهم من الماويين البلهاء الاهتمام بالوضع المزري الاقتصادي و الاجتماعي الذي تعيشه الفئات الشعبية في سوريا و يملؤون رؤوسنا بالزعيق عن جهل الشعب و غبائه و بربريته و عن الرعاع الذين تآمروا على بلدهم و حكومتهم " العزيزة " و إرهابهم الديني للعلمانيين و الديمقراطيين و المرأة وعمالتهم للامبريالية و الخراب الذي تركوه في كل بلاد عششت فيها أوكارهم كمصر و الجزائر أو حكموها كأفغانستان و إيران و العراق ... و في حالات يقولون بأن الشعب غير منخرط في المؤامرة و هو مناصر لنظام الحكم في سوريا , هكذا بكل بساطة . هم لا يستقون استشهاداتهم و تحليلاتهم من الواقع الموضوعي و إنما من قنوات الدعاية الامبريالية ( الجزيرة و العربية و غيرهما ) و قنوات النظام السوري الدعائية و يالها من وثوقية . بالنسبة إلى هؤلاء العباقرة البرجوازيين الصغار المتسلقين لا يوجد غير طرفين متصارعين : النظام الوطني "الديمقراطي الممانع" من جهة و التنظيمات الارهابية التي تدربها و تحشدها الامبرالية ( أمريكا و فرنسا ) و تمولها خنازير الخليج و صبي الحريري في لبنان و حصان تركيا أردوغان . هذه هي الصورة التي فاضت بها قريحة اليسار البائس وهي التي يروج لها ليلا نهارا حتى يخفوا حقيقة ما يجري و اصطفافهم وراء البرجوازية الحاكمة في معسكر الثورة المضادة و خوفهم الهستيري من كل إلتزام نضالي .
إن ما يحدث في سوريا ليس كما يصوره محرفو التاريخ الستالينيين و الماويين و إنما هي ثورة شعبية تخلى عنها جزء كبير من اليسار السوري و العربي و تركها تسير على عفويتها و في دماء القمع و عرضة للتدخل الخارجي الوهابي و الاخواني و الامبريالي رغم أن التنظيمات الجهادية التي التحقت بالثورة لإجهاضها لا تمثل أكثر من عشر التنظيمات الذاتية التي ابتدعتها الجماهير الشعبية للدفاع عن مدنها و قراها و أحيائها و عائلاتها ضد الغزو البربري التي تشنه الآلة العسكرية بكل قواها على المدنيين العزل . كيف نجرم إلتجاء الشعب إلى الدفاع عن مدنه و قراه ضد جيش دولة البرجوازية ؟ و كيف نترك الشعب في عزلته يواجه المدافع و الدبابات و نتهمه بالإرهاب الإسلامي ؟ كيف نترك الجماهير الشعبية البسيطة تفقد الثقة باليسار و ندعي أننا نتوجه إليها لتحريرها ؟
إن الثورة هي صراع بين طبقات ليست لها نفس المصالح و هذا الصراع تتدخل فيه عدة عوامل داخلية و خارجية و لا يمكن أن ننتظر ثورة نقية على هوى الأغبياء و الحمقى من الشيوعيين المدجنين الذي تستند كل مبرراتهم المفلسة على دعامتين أساسيتين و هما التدخل الامبريالي أو المؤامرة الامبريالية من جهة و وطنية النظام و ممانعته من جهة أخرى وهما ليستا أكثر من دعامتين كرتونيتين لا تقويان على حمل أي حقيقة مادية .
هذا النوع البائس لليسار من الستالينيين و الماويين في تونس لا يخفي إنكاره للثورة التونسية و التهجم عليها و نعت الشعب التونسي بالجهل و التخلف بعد أن خان ثورته منذ 14 جانفي 2011 و تخلى عن المهام المركزية لها و اختار لعبة التوافق مع الأحزاب البرجوازية و الرجعية و الليبيرالية و ارتضى لنفسه دو الكلب النباح الذي يسير وراء قافلة البرجوازية لترمي له الفتات , فما بالك بموقفه من الثورة السورية الشعبية سقط فيها عشرات الألوف من الشهداء فداء التحرر الاجتماعي و السياسي من إرهاب نظام البرجوازية ؟
لا تراجع و لا استسلام , المجد لشهداء سوريا و النصر لثورة الكادحين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا


.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا




.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2


.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع




.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم