الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تزال أفغانستان هدفا للتنافس الإقليمي

عبدالله المدني

2005 / 3 / 7
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


مشاكل أفغانستان و صراعاتها و حروبها كانت على الدوام نابعة بصفة أساسية من تدخلات جاراتها في شئونها الداخلية ، إما كسبا لميزة استراتيجية مفقودة أو تعزيزا لنفوذ إقليمي مطلوب. و لعبت جملة عوامل مثل وضعها الجيوسياسي و مواردها المحدودة و تعدديتها العرقية و الثقافية والمذهبية المعقدة ذات الامتدادات الخارجية عاملا مساعدا في نجاح هذه التدخلات و استمرارها. وجاء سقوط نظام طالبان في عام 2001 على يد الأمريكيين وبمساعدة من قوات تحالف الشمال ليحدث انقلابا في المعادلات و العلاقات الإقليمية.

اليوم تحاول أفغانستان الجديدة أن تستوعب دروس الماضي و تؤسس لنمط جديد من العلاقات مع مختلف جاراتها على قاعدة الثقة و المصالح المشتركة ، مع تركيز خاص على جاراتها الكبيرات الثلاث: باكستان و إيران و الهند.

إلا أن بناء علاقات متوازنة مع هذه الأقطاب و الوقوف على مسافة متساوية منها لا تبدو عملية سهلة في ظل ما هو معروف من عداء تاريخي بين الهند و باكستان و ما تتصف به العلاقات الإيرانية-الباكستانية من تنافس و شكوك و خلافات صامتة ، بحيث يمكن أن يفسر أي تعاون وثيق بين ما بين كابول و احد هذه الأقطار على انه انحياز ضد الآخر أو موجه إليه.

ويزداد الوضع صعوبة مع اختلاف إمكانيات هذه الدول لجهة المساهمة في إعادة اعمار و تأهيل أفغانستان المتحررة للتو من عقود من الحروب العبثية و الأنظمة القمعية المتتالية ، وما يستتبع ذلك من اضطرار كابول إلى أشكال من التعاون مع هذه الأقطار الثلاث متفاوتة مدى و عمقا. وحتى على افتراض أن الأطياف السياسية الحاكمة اليوم في كابول قد نسيت الماضي وما كان من أمر إسلام آباد في خلق و دعم خصمها الطالباني في مقابل دعم هندي و إيراني لها، فان عوامل أخرى قد تلقي بظلالها على شكل و حرارة تحركها صوب كل من إسلام آباد و طهران و نيودلهي .

وفي هذا السياق تبدو الهند في وضع متميز لأسباب كثيرة أهمها:

أولا: لا يوجد نزاع تاريخي بين الهند و أفغانستان على الأراضي و المياه. أي على العكس مما يطفو على السطح من وقت إلى آخر بين الأخيرة و باكستان من مشاكل حول خط دوراند (نسبة إلى مسئول الشئون الخارجية في الهند البريطانية السير مورتمير دوراند) الحدودي الفاصل ما بين أراضي البلدين لعام 1893.

ثانيا: على العكس من باكستان و إيران ، لم تنخرط الهند في الحروب الأفغانية مباشرة عبر تأسيس أو دعم ميليشيات موالية لها ، وبذلك حافظت على علاقات طيبة مع مختلف الحكومات الأفغانية المتعاقبة فيما عدا حكومة طالبان التي جلبت لنفسها عداء العالم كله.

ثالثا: تتميز الهند بإمكانيات صناعية و تكنولوجية و علمية و تصديرية لا تتوفر لدى إيران و باكستان، وبالتالي فهي اقدر على تلبية احتياجات أفغانستان التي لم تعد ، طبقا للرئيس حامد كرزاي ، تتمثل في المواد الغذائية و التوابل و المنسوجات و السلع الاستهلاكية الأخرى و إنما في السلع الإنتاجية و الآلات والأجهزة الطبية والتدريب التقني و نظم المعلوماتية.

رابعا: يكن رموز النظام الأفغاني الحالي تقديرا خاصا للهند. فهي احتضنت عائلاتهم زمن الحرب ضد نظام طالبان في التسعينات و كثيرا ما ترددوا عليها أو أقاموا فيها إلى الحد الذي دفع إحدى الصحف الإنجليزية إلى وصف نيودلهي بالعاصمة الشتوية لأفغانستان. كما أن الرئيس كرازاي نفسه أكمل دراسته العليا في العلوم السياسية في الثمانينات في الهند و يحتفظ فيها بعلاقات حميمة مع مختلف أطيافها.

كل هذه العوامل ساهمت سريعا في استعادة العلاقات الهندية-الأفغانية دفئا غاب منذ عام 1989 واتصالات دبلوماسية انقطعت في عام 1996 . هذا فضلا عن تدشين تعاون واسع متعدد الجوانب ضمن برنامج هندي أولي للنهوض بأفغانستان بقيمة 400 مليون دولار. و نجد تجليات هذا التعاون في التزام الهند بتدريب الأفغان في معاهدها العلمية و مساهمتها في إقامة شبكات الكهرباء و الاتصالات و البث الإعلامي المرئي و تجهيز المستشفيات بالمعدات و الكوادر الطبية وتزويد الجيش الأفغاني الناشيء بعربات نقل من إنتاجها و دعم الناقلة الجوية الوطنية (آريانا) بعدد من طائرات الايرباص مع تأهيل فنيين أفغان في مجال الملاحة الجوية و الصيانة و السلامة. إلى ذلك ، فان الهند مساهمة بقوة في مشروع أفغاني طموح للتنمية البشرية بهدف خلق أنشطة بديلة لزراعة المخدرات.

و بقدر ما يمثل هذا شعورا بالارتياح في نيودلهي ، فانه يبعث على القلق في إسلام آباد. فالأخيرة تخشى أن يؤدي تزايد النفوذ الهندي في أفغانستان إلى أن تخسر هيمنتها على أكثر من نصف الواردات الأفغانية أيضا من بعد خسارتها للهيمنة السياسية و العمق الاستراتيجي في أعقاب الإطاحة بطالبان. و مما يزيد من مخاوف الباكستانيين أن إيران أيضا نشطت في السنتين الأخيرتين على جبهة التصدير إلى أفغانستان ، و تضغط حاليا في اتجاه أن يمر خط أنابيب الغاز و النفط المقترح من آسيا الوسطى إلى الهند في أراضيها بدلا من الأراضي الباكستانية. لهذا بدأت إسلام آباد في الآونة الأخيرة محاولات دءوبة لنيل ثقة كابول بهدف استعادة شيئا من نفوذها المفقود في أفغانستان الجديدة. و إحدى هذه المحاولات شملت تحرك جيشها بصرامة اكبر تجاه الجماعات المناوئة للحكومة الأفغانية في المناطق الحدودية المشتركة.

و يراهن الأفغان حاليا على المناخ الجديد الناشيء ما بين نيودلهي و إسلام آباد لدفع علاقاتهم مع الطرفين معا إلى الأمام دون أن يتسبب ذلك في إثارة حساسية احدهما. و لعل أفضل دليل على هذا الرهان أن كرزاي أعلن خلال زيارته الأخيرة لنيودلهي أواخر الشهر المنصرم انه سوف يسعى لدى الباكستانيين لتخصيص ممر بري عبر أراضيهم لنقل المساعدات الهندية لبلاده اختصارا للجهد و الوقت.

بقي أن نقول أن هناك في الهند من يتبنى نظرية التريث و عدم الاندفاع كثيرا في العلاقة مع الأفغان بحجة أن الأوضاع الإقليمية متقلبة و قد تثمر عن معادلات جديدة تتحول معها أفغانستان من دولة صديقة إلى لاعب مزعج. و في اعتقادي أن مثل هذه المواقف نابعة من التجربة المرة للهنود مع بنغلاديش التي ساهموا في ظهورها كدولة مستقلة و أغدقوا عليها المساعدات ثم تحولت مع مرور الوقت إلى جارة مناكفة.

الدكتور عبدالله المدني
*باحث أكاديمي و خبير في الشئون الآسيوية
5 مارس 2005
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟