الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إخراج الممثل حسن عداي في مسرحية القرية

سرمد السرمدي

2012 / 10 / 29
الادب والفن


ممثل قبل استخراج شهادة بكلوريوس في الفنون المسرحية من كلية الفنون التابعة لجامعة بابل, حتى انه جرب حظه في الإخراج قبل ذلك, إلا أن نيله لكل تلك الخبرة العملية لم يكن كافيا بالنسبة له فتوجه لدراسة فن المسرح غير مرغم, بل نالت الدراسة الأكاديمية من عمره الفني ودوره الاجتماعي كرب أسرة وصاحب مهنة لا تمت للفن بصلة, وعلى غير العادة, يبادر فنان لا يحتاج شهادة أكاديمية كشرط لمزاولة مهنة الفن التي هي اقرب للهواية تبعا لعدم استقرارها الاقتصادي, كذلك لم يعتد المراقب لهذا المجال أن يجد هكذا قرار لرجل تجاوز عمره الأربعين سنة بدخول كلية للفن أو الرياضة, رجل ملتزم بتفاصيل حياته غير باحث عن مهرب من الخدمة العسكرية في عراق الحرب سابقا والإرهاب حاليا.

حين بدا العرض المسرحي" برشا والرييال بالقرية" الذي قدم بتاريخ 2012-10-28 م من على خشبة مسرح مستحدثة خصيصا لإقامة احتفالات محلية بمناسبات مختلفة ومنها العيد, في احد كازينوهات مدينة الحلة المطلة على شطها المشهور منذ سبعينيات القرن الماضي باحتضان هكذا نتاجات ثقافية ومنها المسرح, الى ان انحدرت لتكون عبارة عن منصة للغجر المحتفلين بمناسبة بداية حرب او انتهاء أخرى, يحيط بهم شباب لم يدركوا ان الأعلام العربي سيصفق لرقصهم حول الغجريات معتبرا إياه نصرا ضد اميركا للعرب, وطالما كان كورنيش شط الحلة سجين هذه الممارسات القمعية ضد أي مبادرة ثقافية مخالفة لمنهج الاحتفاء بالهزائم على كونها نصرا مؤزرا من عند الله على أعداء الغرب الكافر, إلى أن هبط شيطان جوع التسعينيات بحملة إيمانية أزاحت مشهد الغجر عن العامة وانتقلت به لبيوتات العهر الخاصة, ولعل تاريخية مكان عرض مسرحية المخرج حسن عداي, والذي كان له دور البطولة فيها لم يكن بعيدا عن موضوعها بدرجة تكفل لذاكرة المدينة أن تغادر أيام انحدار الثقافة السابقة, وهذا مما زاد مهمة هذا المخرج تعقيدا على صعيد توجيه الفكر للمستقبل بعيدا عن مخالب الماضي في جسد الثقافة العراقية مستعينا بسياق جديد لنظرة المجتمع للثقافة على أنها ليست حكرا لإطار حكومي وحزبي معين, في ظل انقطاع تام لهيمنة سلطة رقابية أو وزارة إعلام تعمل في اتجاه توجيه سياسي موحد لكل النتاج الثقافي العراقي.

توجه حسن عداي في دوره المجسد للشخصية المحورية الأكثر شهرة من بين شخصيات المسرحيات الشعبية الطابع المقدمة باللهجة العامية في العراق, فأتخذ من تركيبية الفلاح المواجه لصدمة الحضارة ليرسخ انعكاسات الصراع الطويل الأمد عراقيا على كافة الصعد المجتمعية بين المدنية والبداوة, وقد توارث المسرح الشعبي الطبع تلك الشخصية طوال سنوات بعد الأثر الذي تركته مسرحية" بيت الطين" واداء الممثل الكوميدي المتألق جاسم شرف, حيث انطلقت عدة محاولات مسرحية لأستثمار الذاكرة الجمعية المرسخة لدى جمهور المسرح العراقي بعد النجاح المتحقق على المستوى المادي لتلك المسرحية ودور الممثل جاسم شرف فيها, كما استثمرت عدة شخصيات بصمت بنجاحها الجماهيري من نفس المسرحية كشخصية الشرطي الذي قام بتجسيدها الممثل خضير ابو العباس, ولم يكن الممثل حسن عداي ببعيد عن هذه المحاولات لأستحضار النجاحات النادرة للمسرح الشعبي على الصعيد الأقتصادي وخاصة تلك التي تخلو من استغلال سلبي لدور العنصر النسائي في تقديم نتاج مسرحي لعامة الجمهور الغير مصنف عمريا او ثقافيا, فلم يكن جمهور النخبة ليشكل العماد الحقيقي لأستمرار مشروع المسرح كتجارة تضمن مهنة الممثل والمخرج والمؤلف والمنتج بطبيعة الحال, مما انعكس هذا الأتجاه على مستوى الشكل والمضمون بدرجة كبيرة, لا يقف عندها الأكاديمي والناقد المسرحي كثيرا, مكتفيا باعتبار هذه التجارب لا تمت للمسرح بصلة, الا ان الواقع يفترض كون تاريخ المسرح العالمي قد شهد تجارب مسرحية اكثر قربا للجمهور منها للنخبة المسرحية, ولم يكن هنالك ما تم اهماله فيها حتى ان دراسة فن المسرح بشكل خاص تقف عل هذه التجارب بوصفها السبيل الوحيد لأستمرار ديمومة دور المسرح الأجتماعي كأحد الفنون التي تختبر جودتها وفائدتها من خلال الأحتكاك بالجمهور, فالأحتكام للجمهور المسرحي في تجارب المسرح الشعبي قد دفع عن طريق التجربة بالممثل والمخرج حسن عداي الى الأستمرار, والي اجترار مضمون معين يتسم ببساطة الطرح ليلاءم الأجواء الأحتفالية المحيطة بهذه العروض عادة, مما احال الشكل الى اطار معين بالضرورة, فلكي يتلاءم وذاك المضمون الذي شكل ماركة تجارية معروفة لكل من يهوى ان يقضي وقتا ممتعا في مناسبة مفرحة, ولعل هذا الترسيخ استنطق لونا معينا من الأداء التمثيلي, ولتحديد تعامل الممثل حسد عداي مع الأخراج في هذه المسرحية يكون لزاما الفصل بين رؤيته كمخرج وكممثل للنص الذي كتبه قاسم العويدي على شكل حكاية شعبية, قام بتجسيدها حسن عداي اخراجا بتوريطه الجمهور في عملية نزع الذاكرة لزاما لكي يتسع المجال المطلوب لأعادة صياغة الحدث, لأن جغرافية مسرح حن عداي لم تخرج من الية التبسيط في استثماره الرمز لكل المكنونات التي تريد مسرحيته ان تتحدث عنها من خلال الحوار, لذا اتخذ ذات منهج التبسيط في استدلاله لخطوات واقعية خطت ملامحها بوضوح مما انعكس على استرخاء الممثلين جميعا, وكان لوجود حسن عداي كمجسد لدور البطولة بينهم اثرا كبيرا على ذاك التدفق المعنوي الذي ينهمر من بين المعايشة الطويلة لأجواء التمارين حينا ومن خلال العلاقة بينه وبين الممثلين خارج الخشبة, مما حدا بالأرتجال ليتمثل في اختبار للقدرة على المواصلة بطرح النكتة واستثمار الموقف, وكثيرة هي المواقف التي يقع فريستها الممثل اثناء عرض مسرحي لجمهور غير مقيد بأي شكل كأن يكونوا طلبة في كلية او مدعوين لأحتفاء نقابي او حزبي, وهذا مما اضفى صعوبة اكبر على اداء حسن عداي في كونه تمرس على التنوع الجماهيري لصالة المسرح, واصبح لهذه الخبرة منهج يستطيع الأعتماد عليه شخصيا في التمثيل كما الخراج من خلال توحيد الممثلين معه على رؤية فنية معينة لهذه لهذا العامل المؤثر بشكل رئيسي على سير المسرحية وقدرتها اخيرا على النجاح.

اتجه الممثل حسن عداي ليستثمر خبرته المسرحية وذاكرة الجمهور الذوقية في عملية مزج ناجحة ليتمكن خلالها من الوصول الى نتائج مرضية له على صعيد استمرار التفوق القياسي الممتد في بيانات اقتصاديات مشروعه المسرحي, وكانت لدلالات شخصيته الشعبية الطابع اثرا في اثراء تفاصيل المشهد بكل ما يتمكن من استثماره, وقد توضح ان تجاربه المسرحية الجادة لم يكن لها ذاك الأثر الفعلي وخاصة تلك الدراسة النظرية, على تمكينه من تطوير ادواته كممثل ومخرج, لأنه عاد ليحاكي ما يطلبه الجمهور, لا ما تطلبه النخبة, وبين هذا وذاك, كان الأقتصاد واضحا في حركة الممثلين التي تمحورت حول مايكروفون معلق ليتمكن الصوت من ادراك الجمهور, كذلك تمادت الحركة الموضعية في اسهابها بحيث كانت على حساب التوزيع الجغرافي العام للخشبة, الا ان الأعتماد كان بالفعل على وجه الممثل والتعبيرات التي تكلمت حكاية المسرحية من خلاله, كذلك تلك الأنعطافات الصوتية التي تعكزت على رغبة الجمهور بالتكرار, فقد نادى حسن عداي بمسرحيته اداء تمثيليا حاكى من خلاله تقنية مشاركة الجمهور في صياغة تفاصيل العرض المسرحي من خلال التركيز على نقاط معينة تتمكن من جذبهم لشباك التذاكر, الا انها تمكنت من جذب الأداء التمثيلي ليكون اداء تقديميا للدور اكثر منه الدور من خلال الممثل, وذلك المنحى لا ينقص من اهمية التجربة شيئا على صعيد فن التمثيل بل ان القياس الفعلي هو استمرار هذا الأداء بالقدرة على محاكاة الجمهور مسرحيا, وهذا ما حدث بالفعل, فمن خلال هذه التجارب المسرحية قد يرتقي بعض الوعي الفني ليجبر الأطار الثقافي على ان يشمل كافة الأراء التي تنطلق من ذات البعد الأجتماعي الرامي لصياغة تعريف اكثر جرأة, وواقعية, فالعمل على دراسة المسرح الشعبي تقنيا من خلال كونه فن له دور في توضيح الخط الفاصل بين الجهل والتحضر, أكثر جدوى من اعتباره مجرد خطاب فكري موجه من جهة معينة لتخريب عقول الشباب العراقي خدمة لجهة تتآمر وهكذا الخ.., حيث لا يملك المنتج هكذا تطلع وطني او قومي او انساني الا الربح المادي بالضرورة, لذا يكون الباقي رهن المجتمع الذي يعكس هويته من خلال ديمومة هذه التجارب, التي يتنصل منها الأكاديميون وكأنها ليست مرآة مجانية تقدم لهم للحصول على مفهوم واقعي لدور الثقافة في المجتمع العراقي.

الكاتب
سرمد السرمدي
أكاديمي - مدرس مساعد - ماجستير- فنون مسرحية - كلية الفنون الجميلة - جامعة بابل - جمهورية العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل