الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجيديا المغرب العربي الجديد و الحلف المقدس الجديد .

جلال خشيب

2012 / 10 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


تراجيديا المغرب العربي الجديد و الحلف المقدس الجديد .

جلال خشيب .


نفط ، إرهاب ، موقع جيواستراتيجي متنافس عليه ، قضية إقليمية عالقة " الصحراء الغربية" تتسبب في معضلة أمنية مستحكمة ، أنظمة متداعية و أخرى ناشئة و ثالثة محصنة أطلسيا من وباء الثورات ….كلها مؤشرات لتحول المغرب العربي إلى ساحة صراع حادة في المستقبل القريب …

لقد كان لسقوط النظام الليبي بتلك الطريقة على يد الأطلسية الجديدة تأثير بالغ على المشهد المغاربي و الإفريقي عموما مسّ العمق الإستراتيجي للجزائر على وجه الأخص ، و قد ساهم التردّد الحاصل على مستوى وزارة الخارجية الجزائرية تجاه الوضع في ليبيا أثناء الأزمة في زيادة التهديدات الأمنية التّي تتعرض لها الجزائر فالإعتماد على العلاقات الشخصية في علاقتنا مع ليبيا و غياب الرؤية الاستراتيجية و النظرة البراغماتية تجاه المسألة تسبب في حدوث تردّد على مستوى صناعة القرار فالأمر لا يرتبط بما هو مطروح من بدائل أو لسوء الإدراك الحاصل تجاه المسألة بقدر ما يرتببط بنظام القيم لدى صانع القرار و الإنطلاق في ساستنا الخارجية تجاه ليبيا من منطلقات العلاقات الشخصية و التاريخية بدلا من إنتهاج سياسة واقعية real politik و التّي تطلبت فعل إستباقي من قبل الجزائر تجاه المسألة قبل تأصّلها، على الأقل كان بإمكان الجزائر أن تقوم بمبادرة تحت المظلة العربية لمعالجة الوضع بدلا من تسليم المفاتيح للناتو و التدخل الغربي و بالتالي الوقوف كطرف عاجز يكتفي برد الفعل و النتيجة كانت كارثية ..الجزائر تفقد عمقها الإستراتيجي و الناتو يقف على الحدود ، ليبيا تتحول لمرتع أجنبي للتدخل المباشر في إفريقيا و المغرب العربي الجديد لتهذيب المارقين و سدّ الطريق أمام المنافسين الكبار الصين روسيا و ألمانيا مستقبلا…

إذن نحن بصدد تحوّل كبير تشهده منطقتنا يضع الجزائر على حافة تهديدات و مخاطر أمنية جدّية قد تكون قضية الصحراء الغربية هي القضية التي ستتسبب في إصطفاف إقليمي حاد تقف فيه الجزائر وحيدة كدولة إقليمية كبرى مارقة في مواجهة أنظمة مدعومة أطلسيا "أوروبا زائد الو م أ " ليتكرر المشهد الايراني في نسخته المغاربية ، فالمؤهلات الجيواستراتيجية التي تحظى بها الجزائر تُرشحها للعب دور إقليمي كبير مستقبلا ، لن تثق القوى الغربية في حالة الاستقرار السياسي التي يرعاها النظام السياسي الجزائري فإلى متى سيصمد و يحقق التكيف الداخلي مع التدهور الاجتماعي المستمر داخل البلاد و الذّي يهدّد بالانفجار في أية لحظة …ماذا لو أزهرت " ورود الثورة العربية" في الجزائر و سقط النظام حينها فمن سيضمن قدرة الأطلسيين على رعاية نشوء نظام سياسي موالي يفتح الجزائر أمام المصالح الاطلسية في المغرب العربي وإفريقيا ..الإحتمال صفر ، الشيطان نفسه لا يعرف ما الذي ستتمخض عنه الساحة السياسية للجزائر بعد ثورة "شعبية" مماثلة ..لكن فالنفكر بمنطق إحتمال الأسوء "و لننظر بمنظار أمريكي" قد توّلد الساحة السياسية الجديدة في الجزائر نظاما إسلاميا يتغذى من شعارات محاربة الإستعمار الجديد حينها ستكون فرصة العمر بالنسبة للأطلسية الجديدة لسلب الجزائر الميزة الجديدة التي إكتسبتها " كأكبر دولة من حيث المساحة إفريقيا" فكل الظروف و الذرائع متوفرة " نظام إسلامي معادي للقيم الديموقراطية، يدعم القاعدة في المغرب العربي ، و يهدّد الإستقرار الإقليمي لتصلبه و عدم تعاونه فيما يخص قضية الصحراء الغربية ومن يدري ربما سيكون نظاما مهددا للإستقرار الإقليمي و الدولي لمحاولته تطوير أسلحة نووية خاصة وأنّ الجزائر اليوم تقف على رأس قائمة الدول الأكثر تسليحا في إفريقيا حسب بعض الدراسات" ستكون الفرصة مواتية للظفر بالكعكة الساخنة و سدّ الباب أمام أي محاولات روسية لترسيخ الاقدام في المغرب العربي الجديد أو أطماع إقتصادية صينية للحصول على مزايا جيواقتصادية في إفريقيا عبر بوابة المغرب العربي الجديد … لذلك نعتقد أنّ الأطلسية لن تتوانى عن العمل على رعاية نشوء أنظمة " صديقة" من مخاض الثورة في المغرب العربي الجديد كتمهيد لخطة إستراتيجية تستهدف محاصرة الجزائر في المدى المتوسط لتضع أيديها بشكل مباشر على أحد أهم المحاور الجيواستراتيجية " الجزائر"كما وصفها بول كيندي و ايميلي شاس في احدى مقالاتهما …لذلك نرى مشهدا تراجيديا بادي في التشكل على الساحة المغاربية الجديدة تخطه دماء شعوب ثائرة و خطط أطلسية مجهزة لتعويض الخسائر الفادحة على الجبهة الشرقية لعالمنا العربي…

هل ستعمل الولايات المتحدة في المغرب العربي الجديد و إفريقيا على تحقيق مصالحها الحيوية من خلال تكريس مبدأ الفوضى أم من خلال دعم مبدأ الاستقرار ؟ …إنّ تحديد اجابة واضحة عن هذا التسائل بإمكانها أن تحدّد الوضع الجديد في المنطقة بل و بإمكانها أن تحدّد أيضا أي دور ستلعبه الجزائر مستقبلا في المنطقة …يبدو أن التفكير الأقرب للعقلانية و المنطق و الذي يخدم بشكل أكثر فاعلية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة هو إيجادها لميكانيزمات سلمية ملائمة تكفل لها تحقيق أهدافها من خلال دعم مبدأ الاستقرار بدلا من إعادة سيناريو الفوضى الذي تبنّته إدارة المحافظين الجدد في ما أُسمي بالشرق الأوسط .. وانطلاقا من ذلك نرى أنّه أمام الولايات المتحدة فرصة ذهبية لترسيخ أقدامها في المغرب العربي و طرد منافسيها من المنطقة و غلق السبل أمامهم للتوغل في القارة السمراء و ذلك من خلال دعم التفوّق الإقليمي للجزائر في المنطقة كلاعب محوري و ركيزة جيواستراتيجية في المستقبل …لقد استفادت الولايات المتحدة من الدول الأقل قوة في العالم في حروبها أثناء الحرب الباردة فيما عُرف بحروب الوكالة و الآن آن لها أن تخوض حروب وكالة من نوع جديد تُسخر فيها الدول ذات الأهمية الإقليمية الجيواستراتيجية كمفاتيح لتكريس وضع الهيمنة لهذه الدول و من ثمّة وضع الهيمنة لها بالضرورة … و في هذا الصدد يعبّر توماس فريدمان في كتابه الأخير " قرن أمريكي جديد " عن هذه الفكرة بوضوح حينما يوّضح أنّ المؤسسات الجديدة تنشأ بغرض خدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية في إطار ثلاثة مبادئ رئيسية، أولها: إيجاد توازن للقوي في نطاق كل منطقة إقليمية يخدم مصالحها ويبعد عنها التهديدات المختلفة. ثانيها: إيجاد تحالفات يمكن للولايات المتحدة من خلالها جعل الدول هي التي تتحمل عبء المناورة و المواجهة، مع الوعود بتقديم المساعدات الإقتصادية، التكنولوجيا العسكرية، وكذا التدخل العسكري إذا لزم الأمر. ثالثها: إستخدام التدخل العسكري كملاذ أخير، في حالة فشل حلفائها في التعامل في حالة انهيار توازن القوي .. قد نجد إسنادات نظرية كثيرة جدا لطرحنا هذا، عند تشارلز كينلبرغر مثلا و فكرته عن تحقيق الاستقرار بالهيمنة و إن كان يقصد الهيمنة الدولية لقوة منفردة لكن بإمكاننا أن نقول إنّها فكرة مناسبة بل و مغرية لتحقيق نفس الوضعية أعني الهيمنة و لكن على نطاق إقليمي …قد يكون لنا تفصيل نظري اكثر مرة أخرى…الشاهد من القول أنّ الولايات المتحدة لن تخسر الكثير لو كرست حالة الهيمنة الاقليمية الجزائرية خدمة لمصالحها و من المؤكد أن الجزائر ستجد الفكرة مغربة جدا" لأسباب نعرفها " …الأمر الوحيد المتبقي و هو الأكثر أهمية هو الميكانيزمات التي بإمكان الولايات المتحدة أن تُفعلها حتّى تضمن ولاء أو لنقل بعبارة أكثر تهذيبا تقاطع المصالح مع النخبة الحاكمة في الجزائر و التّي تجسدّها المؤسسة العسكرية بإمتياز …سيجد العسكر فكرة الهيمنة الإقليمية أمرا مسيلا لللعاب لكن كيف ستتمكن الولايات المتحدة بعدها من أن تضمن إستمرار الإستقرار السياسي الداخلي في الجزائر و من خلال آليات أقرب الى الشرعية و بالتالي أقرب إلى تقبّل المواطن في الجزائر .. لن يكون ذلك إلا من خلال تشجيع العسكر على ترك البدلات الرسمية يقومون بأدوارهم السياسية بطريقة أقرب إلى الممارسة الديموقراطية و تشجيعهم أكثر شيئ على توزيع الثروة الوطنية بطريقة محترمة في الداخل لرفع حالة الفقر و الغبن الإجتماعي الذّي يعّد المفجر الحاسم لربيع الثورات العربية..قد يجلب دعم الولايات المتحدة و تشجيعها السلطة الحقيقية في الجزائر على تحقيق العدالة الاجتماعية الحقّة إستقرار نسبيا لمدة طويلة و يجعل كل دعاة " التغيير أو الاصلاح " السياسي معزولين عن الشعب فاقدين لأي شرعية سياسية يتغذون عليها فتتكرس بذلك السلطة الخفية أكثر فأكثر و لو حدث و أقدمت الولايات المتحدة على تكريس الهيمنة الإقليمية للجزائر و بارك العسكر هذا المسعى فإننا سنشهد عن قريب ميلاد أحد أكثر الاحلاف قداسة في تاريخ المنطقة برمتها…و الله أعلم


ملاحظة : كُتب المقال في 24 أوت 2011. لذا يجب أن يقرأ ابتداءً في سياق تلك الفترة و ما شهدتها من أحداث ثم يُقرأ في سياق الأحداث الحالية لاسيما الوضع المتفجر على الحدود الجنوبية للجزائر -في مالي- ، زيارة هيلاري كلينتون للجزائر اليوم - يوم نشر المقال هنا - لبحث مسألة موقف الجزائر وحدود دعمها لتدخل عسكري محتمل في مالي .

جلال خشيب : باحث مهتم بالدراسات الدولية و الإستراتيجية ، الجيوبوليتيكا و الفلسفة السياسية ، قسم العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة منتوري قسنطينة / الجزائر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟