الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المصرية... ثورة لم تكتمل

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2012 / 10 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عن الاستبداد السياسي والديني والفقر نتكلم

يمكن القول دون كثير من الخطأ أن الثورات العربية اندلعت نتيجةً لتردي الأحوال الاقتصادية والمعيشية في البلدان التي شهدت الثورات. حقا، كانت هناك أسباب أخرى مهمة ومن بينها الاستبداد السياسي، الذي سد كافة منافذ الحرية، ولم يترك منها إلا النذر اليسير.
وحتى هذا النذر اليسير لم تتركه النظم الديكتاتورية مكرهة، ولكنها تركته لأغراض تصب في النهاية في مصلحة بقائها في سدة الحكم. فأغلب النظم الديكتاتورية في العالم العربي تترك هامش حرية لمعارضيها لتخفيف ضغوط الخارج عليها لتبني الديمقراطية. ولما كانت أغلب الجهات الضاغطة في خارج العالم العربي غير جادة في مسألة تبني الديمقراطية؛ حيث لا تسعى لها إلا بما يكفي لتحقيق أهدافها، فكانت تقتنع بهذا النذر اليسير وتراه "خطوات جادة على طريق الإصلاح الديمقراطي" كما دأبت الخارجية الأمريكية في الترديد في بياناتها سواء الجمهورية أو الديمقراطية.
كذلك تركت النظم الديكتاتورية العربية هامش الحرية بحيث يكون متنفسا لإخراج الغضب المتراكم بما يمكن أن يطلق عليه "نظرية غلاية الشاي"؛ إذ تحتوي غلاية الشاي على فتحة لإخراج البخار حتى لا تنفجر الغلاية تحت ضغط البخار على جدرانها الداخلية. وكذلك استفادت النظم الديكتاتورية في العالم العربي من التقنيات الحديثة، بأن أضافت إلى هذه الفتحة آلية تجعل الدخان يصدر صفيرا عند خروجه — بما يوازي "صفارة أمان"! — لتدرك أن الغضب قد تم التنفيس عنه لتبدأ مرحلة جديدة من القمع!
رغم ما سبق من حديث عن القمع السياسي، يبقى أن الفقر كان هو العامل الأكثر فاعلية في تحريك الثورات العربية، ويمكن التدليل على ذلك بشعار الثورة المصرية وهو "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"؛ حيث تم تقديم الخبز على الحرية في دلالة على الأولوية القصوى لإقالة البلاد من عثرة الفقر التي أنكهتها طوال عقود، بدأت مع تبني الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات سياسات الانفتاح الاقتصادي التي أحدث شروخا عدة في المجتمع المصري لا يتسع المقام هنا للحديث عنها.

لماذا لم تكتمل؟!
كما قلنا أن الفقر كان هو المحرك الأكثر فاعلية للثورات العربية، يمكن القول دون هامش كبير من الخطأ أن القضاء على الفقر — كهدف أول من أهداف الثورات العربية — لم يتحقق، ولا يبدو في المستقبل المنظور أنه قيد التحقيق. هنا لا نتكلم عن القضاء الشامل المبرم على الفقر، ولكننا نتكلم عن اتخاذ خطوات وسياسات يمكن من خلالها استشفاف أن هناك رغبة حقيقية لدى القيادات السياسية في مصر الجديدة في القضاء على الفقر.
كيف ذلك؟!
في رأيي، يخطئ الكثيرون عندما يردون على منتقدي الرئيس محمد مرسي بالقول إنه لم يتسلم السلطة سوى منذ الأول من يوليو الماضي، وبالتالي لم يمض في السلطة فترة تكفي للحكم على أدائه، أو تكفيه هو شخصيا لإحداث تغييرات جذرية على الأرض. الخطأ في رأيي يمكن في احتساب الفترة التي ينبغي محاسبة القوى التي قادت الثورة المصرية. وعلى الرغم من أن أدبيات جماعة الإخوان المسلمين نفسها تقول إنها تؤمن بالتغيير التدريجي لا التغيير الجذري ورفضت المشاركة في الثورة في أيامها الأولى قبل انسحاب القوات الأمنية قبيل غروب يوم الجمعة 28 يناير 2011 المعروف بـ"جمعة الغضب"، فإن الجماعة تزعم لنفسها فضل قيادة وإنجاح الثورة المصرية. ولكن إذا سرنا مع ما تقوله الجماعة واعتبرنا أنها من الجماعات التي حركت الثورة ونادت بها بل تزعمتها، يمكن القول إن محاسبة قوى الثورة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ينبغي أن تبدأ منذ تنحي مبارك في 11 فبراير 2011، لا منذ تولي الرئيس مرسي سدة الحكم في الأول من يوليو الماضي.
انطلاقا من هذه الرؤية، يمكن القول إن القوى الثورية التي فضلت "ترقيع الدستور السابق" بإعلان دستوري وتحالفت مع المجلس العسكري — الذي حكم البلاد منذ تنحي مبارك إلى تولي مرسي — تتحمل بشكل كامل المسئولية عن عدم اكتمال الثورة وتحقيقها أهدافها، وهنا نعني تحديدا جماعة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية. وما سبق ليس اتهاما ملقى دون أدلة ولا براهين، ولكنه كلام يستند إلى وقائع مباشرة، نورد فيما يلي مجموعة منها لا كلها لأن المقام لا يتسع لذكر الكل.
مفهوم الثورة بالدرجة الأولى يعني هدم كافة الأطر التي كانت سائدة في المرحلة السابقة وبناء أطر جديدة تدفع بالمجتمع نحو تحقيق أهداف الثورة. فإذا أخذنا على سبيل المثال الثورة الفرنسية لوجدنا أنها قامت بدافع الرغبة في التخلص من الفقر بالدرجة الأولى، ولكنها أطاحت بالملكية أيضا وكذلك بالاستبداد الديني باعتبارهما من الأطر التي كرست الوضع السابق الذي تنامى فيه الفقر بصورة ساحقة ليس أدل عليها سوى المشهد الذي أورده الباحث الفرنسي جان كليمان مارتان، الأستاذ في جامعة السوربون في كتابه "الثورة الفرنسية 1789 — 1799" والذي يقول الفقراء فيه للملك لويس السادس عشر في اجتماعهم التاريخي معه في 5 مايو 1789 "إن الشعب يدفع كل شيء، أما الكبار، أي الأغنياء جدا، فلا يدفعون شيئا للخزينة العامة، فهل هذا معقول يا جلالة الملك؟ هل يعقل أن يدفع الفقير الضرائب ولا يدفعها الغني الفاحش الثراء؟". هذه المقولة تشير بوضوح إلى أن الفقر كان السبب الرئيسي لاندلاع الثورة الفرنسية، ولكن من أجل تحقيقها تمت الإطاحة بالأطر السياسية والفكرية التي كان يستند إليها النظام الذي تسبب في هذا الفقر.
فهل تحقق هذا في مصر؟! وقائع الأمور تشير إلى أن القوى الثورية عجزت عن تحقيق هذا الأمر، لا لشيء سوى لأن بعض القوى "الثورية" — ونقصد هنا الإخوان المسلمين والتيارات السلفية مع التحفظ على كونها ثورية من الأساس — فضلت التحالف مع النظام القديم ممثلا في المجلس العسكري الذي يمثل امتدادا لا ريب فيه لحكم مبارك، فرئيس المجلس هو وزير دفاع مبارك طيلة 20 عاما!
أفرزت هذه الوضعية الغريبة التي يستعين فيها "الثوار" بذيول النظام السابق حالة غير مسبوقة يمكن أن يطلق عليها "كوميديا سياسية سوداء" وهي أن الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر تنافس فيها وزير خارجية في عصر مبارك وهو عمرو موسى مع آخر رئيس وزراء لمبارك وهو الفريق أحمد شفيق — والذي كان يمثل واحدا من أعواد القش التي حاول مبارك أن يتشبث بها للاستمرار في الحكم — بينما كانت الجهة الحاكمة في ذلك الوقت هي المجلس العسكري برئاسة وزير دفاع مبارك!!
هذه الكوميديا السوداء كرست وضعا سياسيا غير معتاد مطلقا، بدأت فيه الثورة في التحرك بعد عام ونصف تقريبا من انطلاقها، بينما الثورة الفرنسية أطاحت بكل أطر النظام السابق بعد أشهر قليلة وانطلقت لتحقق أهدافها في القضاء على الفقر والحرية والإخاء والمساواة، وعلى الرغم من العثرات التي واجهتها فيما بعد، انطلقت الثورة الفرنسية لتصبح فرنسا ما هي عليه الآن من دولة ديمقراطية تتاح فيها الحرية السياسية. وعلى الرغم من كونها غير مطلقة الديمقراطية أو الحرية، إلا أنه يصل لدرجة الخطيئة أن نقارن بين مستوى الحرية فيها وبينه في البلدان العربية، إن كان هناك في البلدان العربية حرية من الأصل!!
وإذا أخذنا ثورة يوليو 1952 في مصر، لوجدنا أن الثورة المصرية أطاحت بالنظام السابق بعد أقل من عام على انطلاقها لتصبح جمهورية، ونجحت في الخروج من العدوان الثلاثي سالمة بفضل شبكة العلاقات الدولية التي أقامها النظام الجديد مع أقطاب العالم البارزة والصاعدة مما وفر لمصر غطاء دعم دولي تمكنت بمقتضاه من التصدي لمحاولات الإمبريالية إعادة مصر للحظيرة الاستعمارية.
لماذا لم يحدث ذلك في مصر بعد ثورة يناير؟!
الإجابة هي أن قوى الاستبداد السياسي مارست لعبتها المفضلة بالتحالف مع قوى الاستبداد الديني من أجل الإبقاء على الوضع القائم كما هو دون تغيير، وهو الوضع الذي تستفيد منه قوى الاستبداد السياسي. كذلك، مارست قوى الاستبداد الديني لعبتها المفضلة بالتحالف مع الاستبداد السياسي لضمان موطئ قدم في الساحة السياسية في المنظومة الجديدة، فانطلقت الفتاوى التي تحرم الخروج على المجلس العسكري باعتباره الحاكم، علما بأن الفتاوى نفسها كانت تطلق أيام حكم مبارك، ولكنها توقفت بعد أن مالت الكفة لصالح الثورة!!
خلاصة القول إن الوضع القائم في مصر لم يتغير، وما دام الوضع القائم لم يتغير، فالأهداف وعلى رأسها القضاء — ولو النسبي — الفقر لن تتحقق. والخلاص يكمن في تفعيل للمفهوم الحقيقي للثورة بالتخلص من كل الأطر التي كانت سائدة في النظام الذي قامت الثورة ضده، ووضع حد لقوى الاستبداد الديني من التلاعب بمصير الثورة لمجرد إيجاد موطئ قدم في الساحة السياسية المصرية ومن ثم الوصول إلى مرحلة "التمكين"، ولو على حساب عظام فقراء المصريين، الذين تقول المؤشرات إن عظامهم في سبيلها للمزيد من الانسحاق تحت وطأة التحالف بين المال والسياسة كما كان في النظام السابق، إلا أن الجديد في مصر الجديدة هو أن رجال الأعمال هم رجال السياسة هم رجال الاستبداد الديني لتكون الضربة ثلاثية! فهل يحتملها الجسد المصري؟! وهل يعني ذلك أن على المصريين تقليص توقعاتهم من القضاء على الفقر إلى مجرد النجاح في البقاء على قيد الحياة؟!
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يمين فرنسا يراهن على الحصول على الأغلبية في الدور الثاني وال


.. زعيم حزب التجمع الوطني: الفرنسيون الذين صوتوا لماكرون قلقون




.. لماذا يقلق فوز اليمين المتطرف سكان أحياء المهاجرين في فرنسا؟


.. هتافات ضد تركيا ومشادات بين متظاهرين سوريين وحراس مكتب الوال




.. اليمين المتطرف على أبواب السلطة في فرنسا: أي ردود فعل في الد