الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون أبو شامة والدكتورة الألمانية

كريم كطافة

2005 / 3 / 8
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي


المرأة شيطان، تكيد وتجيد، مصدر للفتنة والسحر (ليس الفتنة والسحر بمعنى الجمال الأخاذ، بل الشعوذة واستدراج الجن من مخابئها السرية)، حمارة خُلقت للركوب عليها، ماكنة إنجاب للذكور، فاكهة، قارورة، ظلع أعوج من أضلاع الرجل السوية (بالمناسبة أبسط صورة للهيكل العظمي للرجل يقول أن أظلاع الرجل كلها عوجاء.. بمعنى كلها نساء)، مصيبة (من تكون ذريته كلها بنات الله يعينه، كل واحدة بمصيبة).. وهي ناقصة عقل وناقصة دين.. وهي.. وهي.. هل هناك من مزيد..؟ التوصيف الوحيد الغائب عن ثقافتنا الشعبية العشائرية المعجونة بثقافة دينية مشوهة، كون المرأة إنسان. وهذا بالضبط ما يتلقنه الطفل الصغير إن كان ذكراً أم أنثى، وهو يتهجى أبجدية حروفه الأولى في الحياة من أفواه الكبار الراشدين.
كغيري من الجهال (والطفل في عرفنا جاهل)، تهجيت كل تلك الأبجدية حد الثمالة. والثمالة هنا تلك الأسئلة التي أخذت تراودني بين الفينة والأخرى على شكل هلوسة، من مثل: لماذا أمي وهي امرأة، كانت تتفق مع أبي وغير أبي، بتورطها بكل تلك التهم التي واحدة منها تكفي لنفيها تماماً خارج جنس البشر.. ولماذا لا تبادر للتخلص من كيدها وشيطانها وكل المصائب المبتلية بها..؟ لكن، ومن الطرف المقابل؛ لماذا يسارع الرجال البالغين الراشدين، لعمل احتفالات كبيرة، فيها غناء ورقص وفرح وولائم لمجرد حصول الواحد منهم على شيطانه ومجنونة.. هل يستحق الشيطان الذي يخافونه كل هذا الاحتفاء..؟ ثم؛ لِمَ الخوف من هذا الشيطان إذا كان على شاكلة أمي، بسيط، وديع، طيب، غير مؤذي، لا يرفع صوته فوق صوت أبي أبداً.. شيطان لم يفك الحرف يوماً ولم يعرف ماذا يعني جدول الضرب، باستثناء جدول ضرب وإهانات وشتائم أبي ربما..؟؟؟ كانت هلوسة، تنضح بأسئلة لا جواب عليها. لكنها جعلتني من حيث أدري أو لا أدري أحب الشيطان وأتضامن معه وأشاطره كل مصائبه.. بل كانت أمنيتي (ولعلها ما زالت) أن أرى يوماً شيطاناً متجسداً أمام ناضري، لمجرد إخباره إن كان لا يدري أني من حزبه.
لكن أكثر ما ظل عالقاً في ذهني من تلك الحقبة المنورة بالحكايات عن الشياطين والطناطلة والسعالي، هي حكاية تلك الدكتورة الألمانية مع الشيخ العراقي الداهية. الحكاية تقول أن دكتورة ألمانية سمعت بشيخ عراقي يردد في الشوارد والموارد أن المرأة ناقصة عقل. قالت تلك الدكتورة مع نفسها، لأذهبن وألقمن ذلك الشيخ حجراً. ولما وصلت إلى العراق واستدلت على ذلك الشيخ، أخبرته أنها تطلبه لمناظرة. قبل الشيخ التحدي، وجرى الاتفاق على الزمان والمكان. حين وصلت الدكتورة، كان الديوان مكتظاً بالرجال. وكانت هي ترتدي فستاناً نسائياً بقطعة واحدة. ما أن رآها الشيخ، حتى همس إلى جاره أن: شوف شلون ما راح تأخذ بيدي غير دقيقة وحدة. وكان الصمت طيراً يرفرف على رؤوس الديوان، بانتظار من الذي سيبدأ. هنا، بدأ الشيخ. سألها:
ـ هل رأيتك قبل الآن..؟
أجابت:
ـ كلا.
ـ هل رأيتيني أنت..؟
أجابت:
ـ كلا.
وهنا ضرب الشيخ ضربته القاضية:
ـ إذن كيف عرفت أنا أن شامة على ظهرك في مفرق العجز تماماً..!!
بهت الحضور، وكانت المفاجأة صاعقة للدكتورة الألمانية. حتى وجدت نفسها تصرخ بأعلى صوتها:
ـ لقد كذبت يا شيخ..!
ثم خلعت فستانها وأخذت تدور على الجالسين، ليتأكدوا بأنفسهم من كذب الشيخ وخلو ظهرها من تلك الشامة المزعومة..!!
الحكاية إلى هنا تنتهي. لقد ضج الحضور بضحك صاخب وعلامات اندهاش وتعجب من ذكاء الشيخ وخبال المرأة، وربما بعضهم تلمض بلسانه أو بعضوه الذكوري، لِمَ لا، الدكتورة ألمانية يعني جبنة بيضاء. لكن الأسئلة التي أثارتها الحكاية كثيرة، وهي بمجملها كانت تخصني أنا، تكدست مع غيرها في مخابئ الهلوسة الطفلية. كانت أسئلتي بسيطة وساذجة، من قبيل: كيف عرفت الدكتورة بذلك الشيخ، هي في المانيا وهو في العراق..؟ لنقل أن صيت الشيخ ذاع حتى في الصحف الألمانية، ولأنها دكتورة يعني هي تقرأ الصحف. لكن كيف اهتدت إليه في العراق..؟ والجواب كذلك سهل، بعد وصولها إلى المطار (أكيد هي أتت بطائرة وليس على حمار)، قرأت لافتة في كل شارع مرت به تقول من هنا منزل الشيخ. طيب، لكن الدكتورة قالت للشيخ: لقد كذبت يا شيخ..!! واضح أنها لا تجيد العربي العراقي فقط بل عربي السعودية.. وهذا كذلك بسيط لعلها تعلمت العربية هناك في بلدها خصيصاً لمناظرة الشيخ.. ثم هي دكتورة بأي اختصاص..؟ عندنا يطلق هذا اللقب الفخم فقط على الطبيب وأحياناً على المضمد، بل حتى أن الأب أي أب لا يتمنى لو سألته عن مستقبل أبنه غير أن يصبح دكتوراً.. أكثر من هذا أن بعض الفلاحين والغلابة صاروا يطلقون اللقب على أي أصلع أبيض خدوده موردة حمراء وعليه إمارات الشبع والصحة.. بالمختصر لقب الدكتور يقف على رأس هرم أحلام المعدمين والفقراء.. أخيراً وليس آخراً ما هو اسم الدكتورة واسم الشيخ..؟ كثير من الأسئلة التي لم يهتم بها من سمع الحكاية من الراشدين، لعلهم تعودوا على حكايات تبدأ بـ(عن .. عن.. عن.. إلخ من العنعنات) من هذا خالي القلب الذي يبحث عن أصل وفصل تلك العنعنات..؟ لكن، في المجمل كانت الأسئلة في ذهني تشير وبوضوح إلى أن تلك الدكتورة لم يكن ينقصها العقل، بل هي أعقل من الشيخ بدليل كونها دكتورة أولاً وهذا أقصى ما يتمناه الشيخ نفسه لأبنه.. وهي تجيد اللغة العربية على ألمانيتها ثانياً.. ثم بذلت جهداً ومصاريف وغيرها الكثير لمجرد متابعة قضية تؤمن بها. لكن ظل خلعها لفستانها وسط ديوان الرجال وضحك هؤلاء عليها يدوخني ويحرجني بل يلقمني ذلك الحجر الذي أرادت هي لقمه للشيخ. ولسان حالي يسأل: لماذا النساء هناك لا يخجلن من أجسادهن.. هل فعلاً أنهن تخلصن تماماً من عورة وعار الجسد..؟ الواضح؛ نعم. لكني لاحقاً، وبعد أن اشتد بي الرشد وأخذني إلى أوروبا هارباً وليس غاوياً، تأكدت ورأيت؛ أن النساء على الشواطئ لا تبالي بخلع كل شيء لتشميس أجسادهن وجعلها تتشرب بأشعة الشمس المحرومين منها فصولاً، وكذلك يفعل الرجال، مع أنهم ما زالوا على شيء من الحرج فيما يخص الإعلان عن عوراتهم.. رأيت هناك البشر يفعلون الأفاعيل لإظهار جمال الجسد الإنساني سواء كان الذكري أم الأنثوي، والنساء عموماً يفخرن بإظهار جمال ومفاتن وسحر أجسادهن، والرجل إن كان أب، زوج، أخ، ابن لا يضيره القول أن ابنتي، زوجتي، أختي، أمي جميلة. عندها فهمت أن تلك الدكتورة الألمانية المخبلة، لم تكن مخبلة ولا هم يحزنون، بل هي لم تقع في حبائل الشيخ أصلاً. وكل ما هنالك أنها عبرت عن ثقافتها المتخففة من عار الجسد، بينما الشيخ ورجاله ما زالوا لا يرون في جسد المرأة سوى عورة وعار عليها وعليهم لفلفته بالمزيد من الخرق والأقنعة حماية لذكورتهم المنتصبة دوماً من هوس الشيطان.. إن المشكلة كانت وما زالت في بضعة قرون تفصل بين ثقافة إنسانية منطلقة نحو المزيد من الجمال والتحرير للإنسان، وثقافة (قانون أبو شامة) اللاهثة نكوصاً إلى الموروث والمحروث من حقب موغلة في القدم، تحت سوط الخوف من الشيطان، دون أن يسأل أحدهم نفسه هذا السؤال البريء، يا ترى لِمَ شياطينهم لا تتجسد إلا على هيئة الجمال والفتنة والسحر.. ولِمَ خلق الله الرحيم والجميل الجمال والسحر والفتنة..؟ بعد كل هذا، ألم يكن معي حق وأنا أهيم حباً وعشقاً وافتتاناً بالشيطان..؟
أزعم الآن، أن كل ما قلته كان هلوسة طفلية قديمة. وافترض أن تلك المرأة على هيئة شيطان أو قارورة أو حمارة، قد تحولت الآن إلى سيدة محترمة. سيدة يُحسب حسابها في كل شاردة وواردة، وإلا ما معنى لهاث وهوس الأحزاب الدينية وليس العلمانية قبل الانتخابات العراقية الأخيرة، وهي تبحث عن النساء لملئ الشواغر في قوائمهم..؟ وكأني بأحد الأتباع يتململ:
ـ مولاي! من أين أتي لك بالنساء.. وأنت العارف، أن أشطر وأجرأ نساءنا من توقفت دراستها عند المتوسطة..!!
ليرد عليه الشيخ أو المسؤول الحزبي والعرق ينضح من جبينه:
ـ ابن الحلال لا تعقدها أكثر مما هي معقدة.. شوفوا أي واحدة عندها شهادة الإعداية.. إن كانت محجبة خيراً على خير.. وإن لم تكن.. أقنعوها بالحجاب..!!
كذلك صرح الكثيرون منهم أن المرأة ليست ناقصة عقل..! وهذا جيد لقد برئوها من الجنون، وإن لم يبرئوها من نقصان الدين. في كل المقاييس؛ حين تُجبَر كل قائمة حزب على تخصيص ربعها للنساء، يعتبر هذا مكسباً مهماً للنساء. لا ينتقص منه كون الذي أطلقه ورعاه وفرضه أخيراً هو السيد (بريمر) مع بعض علمانيي مجلس الحكم القديم. والذي يؤكد وجاهة ما أقول، أن نساء وعلمانيي مجلس الحكم مدعومين من منظمات نسائية ومنظمات مجتمع مدني، استطاعوا وباقتدار مذهل من إسقاط هجمة خاطفة، قام بها ممثلي الأحزاب الدينية في مجلس الحكم، مستغلين تغيب البعض وصعود أحدهم على عرش الرئاسة المؤقتة.. لفرض قانون 137 المتناغم فكراً وتوجهاً مع (قانون أبو شامة)..
لكن، ورغم كل هذا لا أزعم أني متفائل ولا متشائم، لأقل أني متشائل. أما سبب تشاءلي، فيعود إلى خوف هذه المرة من نساء الأحزاب الدينية الحاصلة على أغلبية مقاعد البرلمان، من يضمن أن لا تبادر النساء هذه المرة وليس الرجال، إلى المطالبة بتشريع جديد لا يخرج عن فلك قانون أبو شامة.. تشريع يعيد النساء إلى دهاليز المحاكم الشرعية الدينية.. وإذا كانت كل الكوارث عندنا بدأت بإشاعات.. هناك إشاعة غامضة قيل أن وراءها لفيف من علماء الحوزة الدينية، مع أن أحداً لم يتبناها بالاسم، ما زالت هي تشبه بالون الاختبار الدعائي، تطالب باعتبار الدين الإسلامي المصدر الوحيد للتشريع.. على الرغم من أن أحداً من ممثلي وقادة الأحزاب الدينية الفائزة بالأغلبية لم يصرح ويقول أنه يريد دولة دينية.. لكن تبقى الحيرة؛ ما الفرق بين دولة دينية إسلامية ودولة يكون مصدر التشريع الوحيد فيها هو الدين الإسلامي..!!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا