الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوافع التطرف في العصر الحديث

نافذ الشاعر

2012 / 10 / 30
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


لو جئنا لتحليل أسباب التعصب في العصر الحديث، لوجدنا أن من أكبر الأشياء التي تساهم في خلقه هو الحسد.. حيث نجد أن المعدم يحسد الثري، والأمة ذات الموارد المحدودة تحسد الأمة الغنية، والأغبياء يحسدون الأذكياء، والنساء يحسدن الرجال على نفوذهم في المجتمع وسلطانهم في السياسة والحكم...
والسؤال هنا لماذا شاع الحسد في العصر الحديث؟
إن مرجع ذلك إلى تقدم التكنولوجيا وازدياد أوجه النشاط الإنساني كالقراءة والكتابة والصحافة والكتب والمجلات والانترنت والإذاعة والتلفزيون.. وهذه الوسائل هي التي أتاحت للإنسان في العصر الحديث أن يتعرف على أحوال الملايين من البشر الذين تفصلهم عنه البحار والمحيطات.. وبالتالي فقد أصبح الفقير يرى رأي العين كيف يعيش الثري في بذخ وبحبوحة وعيش رغيد، في حين أنه يعاني الفاقة والعوز والذل والهوان..
وبهذا اتسع نطاق الحسد حتى شمل العالم كله بعد أن كان محصورا في حيز محدود؛ لأن نطاق الحسد قديما لم يكن يتعدى دائرة الجيران، وتفكير الإنسان في ذلك الوقت لم يكن يتعدى تلك الدوائر المحدودة من حوله..

ولا يتبادر إلى الذهن أن مرجع هذا التأثير إلى الدعاية فحسب؛ فالدعاية لا تخلق الشعور بالحسد أو بالكراهية والبغض، ولكنها تستغله وتوجهه. فلو لم توجد عاطفة الحسد والكراهية لما استطاعت الدعاية مهما بلغت أن يكون لها ثمة تأثير يذكر..
فالإنسان في العصر الحديث بداخله شحنة ضخمة وطاقة هائلة من التذمر والسخط وعدم الرضا عن حياته، لأنه يشعر بالنقص والحرمان والعوز وأنه أقل مما عليه الآخرون، وخذ مثلا حديقة القرود عندما تزورها وتشاهد القرود عقب موجة الفرح والتهليل التي قامت بها أمام الزائرين.. إنك لو راقبت عيونها بعد أن تفرغ من موجة الفرح تلك، لشاهدت فيها معالم الكآبة والحزن وكأنها تستشعر بالحسرة والألم لتخلفها في سنة التطور حيث قدر للإنسان أن يسبقها بكثير..
وكذلك الإنسان في العصر الحديث لا يخلو من شيء من هذا القبيل، فهو يشعر في دخيلة نفسه بمستواه الضحل بالنسبة للإنسانية، ويجد الفارق كبيرا بينه وبين الواقع، فتراه حائرا لا يدري كيف يصل إلى ذلك المستوى الذي يتطلع إليه، وعندئذ يتملكه غيظ وكبت لهذا العجز فيندفع في تيار السخط على أخوته في البشرية متناسيا أنه وهم في الحيرة والشقاء سواء.

وخذ مثلا هنا بما نراه على شبكات الانترنت من المواقع التي تدعو إلى مذاهب متطرفة تصب جام غضبها على كل المذاهب الأخرى، فإنك لو دخلت مواقعهم وغرف دردشتهم لو جدتهم يتفوهون بألفاظ وعبارات غاية في البذاءة والحقد ضد من يخالفونهم في العقيدة..
وإننا لو بحثنا عن هؤلاء الذين يتفوهون بتلك البذاءات لوجدتهم من الفئات المطحونة البائسة التي لا تكاد تملك قوت يومها، ولا تكاد تصل إلى المستوى العالي التي تراه فيمن حولها، فينشأ في داخلها ثورة من الحقد والحسد على وضعها المزري، فهم عدوانيين في مشاعرهم نحو الناس بقدر مشاعرهم نحو حياتهم من الفشل والنجاح. ولكنهم لا تستطيعون توجيه مشاعرهم الغاضبة نحو رموزهم المقدسة التي تعيش في الأبهة والنعيم والعيش الرغيد؛ لأن تلك الرموز المقدسة أوقعت في نفوسهم أنهم مظاهر الله في الأرض، وان نقدهم شيء مقيت يجر غضب الله وسخطه.. وبالتالي قام هؤلاء المسيطرون على دفة الحكم، والمالكون لخيرات البلاد بتوجيه حسد هؤلاء الفقراء والرعاع والمعدومين إلى كراهية المخالفين في العقيدة، وخلقوا لهم عداوات وثارات وأحقاد وهمية..
ومن الملاحظ أن الرموز الدينية لا تنزل إلى مستوى العامة في السخط والشتم، وان ألسنتهم لا تنطق بأمثال هذا الكلام البذيء لأنهم راضون عن أنفسهم وأحوالهم وما يتملكوه من جاه وثراء..

وهناك سبب آخر للتعصب وهو سبب مهم أيضا، وهو النقمة على الذات، والثورة على النفس.. لأن الشخص المتدين الذي لا يستطيع أن يلتزم بتعاليم كتابه، يشعر في دخيلة نفسه أنه مقصر عن بلوغ الكمال، فتتكون لديه عقدة ذنب من أثر تأنيب ضمير، يتحول مع المدى إلى ثورة على النفس، فيقوم بالتنفيس عنها بمهاجمة الأديان الأخرى المنافسة لديانته، ظنا منه أن ذلك يُرضي الله، وظنا منه أن ذلك يسد النقص الذي وقع منه تجاه دينه وعقيدته..
وهذا الشتم والسب لا يُرضي الله، وهو مخالف لتعاليم السماء، ومن يفعله ليس على شيء من الصدق والحق والإخلاص.. إنما الذي يُرضي الله من عباده أن يطبقوا تعاليم دينهم ووصايا أنبيائهم، لا أن يشتموا الآخرين ويهاجموهم ويسخروا منهم، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ: لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ، وَالإِنجِيلَ، وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ..) المائدة68








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ نافذ الشاعر المحترم
ليندا كبرييل ( 2012 / 11 / 6 - 09:53 )
تحياتي دكتور،أرجو تقبل رأيي المخالف وشكرا
مع تأكيدي على ما للحسد والنقمة من تأثير على نفس الإنسان فإني لا أرى ما تراه
فمنذ وجود الإنسان والمعدم حاسد الثري، والأمة الفقيرة الناقمة على الأمة الغنية، والأغبياء والأذكياء حاضرون، مع انتفاء وجود التكنولوجيا سبب شيوع الحسد كما تفضلت
أما المرأة، قاصرة السلطة والنفوذ في المجتمع فأعتقد أنها تنقم على الرجل مسبب مأساتها
وقبل أن نضع السبب على التكنولوجيا أرى أن نصوص كل الديانات ساهمت إلى حد كبير في تحجيم المرأة
جميع الأديان انتقصت منها، ولم تحقق المساواة الكاملة، لكن المصلحين الاجتماعيين توصلوا بعد ثورات دموية إلى وضع شرعة حقوق الإنسان التي تجمع كل أخلاقيات الأديان والاجتهادات في محتواها، وتحقق المساواة والعدالة التي افتقدها الإنسان حتى الآن
حتى العربي المهاجر لا يستطيع إلا أن يقر ويعترف بالبهاء الإنساني الذي يعيشه الجميع على قدم المساواة
أما الشعوب المتخلفة الحاسدة لنعمة الآخرين، فعليها اللجوء إلى طبيب نفسي لتعرف الخلل في شخصيتها
وأما البذاءات فهي ليست قصرا على الطبقات الفقيرة المطحونة، إنها ثقافة المجتمع، والتربية، والتعليم المدرسي
مع احترامي


2 - انعدام التسامح في التربية المجتمعية
سيلوس العراقي ( 2012 / 11 / 6 - 13:10 )
السيد الكاتب
ان المجتمعات التي تفتقد لثقافة التسامح (التسامح كثقافة مجتمعية وليس كفضيلة دينية) وقبول الآخر المختلف هي مجتمعات بدائية (البدائية المعاصرة ) وإنْ استخدمت التكنولوجيا الحديثة وخدماتها. ومن ثقافة عدم التسامح ورفض كل مختلف ( اللذان يشكلان الحاضنة المضادة للحضارة المعاصرة المتميزة باحترام التعدد والاختلاف) ينمو التطرف بشكل سريع ويتحول الى اخطر مرض فتاك في المجتمع. ولا علاقة اليوم للغنى والفقر بالتطرف كثيراً، الا اذا أريد توظيفهما ايديولوجيا لمحاربة البرجوازية والاغنياء والامبريالية وأميريكا والغرب والليبرالية، فسيكون بالتالي هذا التوظيف تعبيراً عن ثقافة الموت المؤدلجة والممنهجة دينيا أو حزبيا او سياسيا، مثلما يحدث في المجتمعات الكثيرة المحسوبة على الاسلام وغيرها من الانظمة الشمولية فهو تعبير واضح ومعاصر لأفهوم التطرف الذي يرفض ويقاوم التعدد في المجتمع فيتحول الى استبداد وعبودية ومقاومة دموية بين ابناء ذات المجتمع، (سوريا البعث وايران الولي الفقيه على سبيل المثال لا الحصر). مع التحية


3 - رد الكاتب
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 11 / 6 - 20:09 )
تحياتي إليك ليندا واحترم وجهة نظرك، فيما أبديتيه، وأتفق معك أيضا في أن ثقافة المجتمع والتربية والتعليم سبب من أسباب البذاءات..
لكن هل حقا الشعوب المتخلفة تحسد الشعوب المتقدمة؟ أم أن الشعوب المتقدمة تتسم بالجشع والطمع وحب السيطرة واستعمار البلاد والعباد؟
وهل عدم تحجيم المرأة عاد بالنفع على الأسرة والأطفال في الشعوب المتقدمة التي تسير على قدم المساواة؟ لا يجب أن ننظر إلى القشور إنما يجب أن ننظر إلى بواطن الأمور..
مع خالص الود والاحترام


4 - رد الكاتب د.نافذ الشاعر
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 11 / 6 - 20:14 )
تحياتي اليك سيلوس العراقي
وجهة نظرك محترمة ويجب أن تسود ثقافة التسامح بين الشعوب كما أشرت في تعليقك..لكن هل هذا ممكن؟
تحياتي لك

اخر الافلام

.. مظاهرة حاشدة نصرة لفلسطين في ساحة الجمهورية وسط العاصمة الفر


.. أصوات من غزة| أثمان باهظة يدفعها النازحون هربا من قصف الاحتل




.. واشنطن بوست: الهجوم الإسرائيلي على رفح غير جغرافية المدينة ب


.. إندونيسيا.. مظاهرة أمام السفارة الأمريكية بجاكرتا تنديدا بال




.. -مزحة- كلفته منصبه.. بريطانيا تقيل سفيرها لدى المكسيك