الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تردي الوضع البيئي في العراق .. من المسؤول ؟ ..

حامد حمودي عباس

2012 / 10 / 31
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


ليس من شيء يبدو لي مهما بقدر ما يحمله وضع العراق البيئي من حال مزري ، انعكست آثاره على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عموما .. وقد يبدو بأن التراجع المخيف في الخطوط البيانية لأوصاف البيئة في العراق ، وكأنه انعكاسا للتغير الحراري والبيئي في العالم فحسب ، هي فكرة ساذجة ، بل وغاية في السذاجة ، إذ أن الاعتقاد بأن ما يحدث في هذا البلد المنكوب هو بفعل فاعل يبدو أقرب للقناعة والتصديق ..
فمنذ عام 2003 ، وهو العام الذي تم فيه تنفيذ الوعيد الذي اطلقه وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية على مسامع وزير خارجية العراق ، حيث قال له وبكل جدية .. سنعيدكم إلى مراحل القرون الوسطى ، منذ ذلك التاريخ والأمطار في سماء العراق آخذت في الانحسار حتى أضحت أمنية من أماني السكان ، لم تنفع باعدتها إلى مستوياتها السابقة كل صلوات الاستسقاء ودعوات المغفلين من حسني النية ، في حين غارت تبعا لذلك مستويات المياه الجوفية الثابتة ( static water level ) وأصبحت أكثر كلفة من حيث الإنتاج ، وأخذت ظاهرة التصحر بالتزايد شاملة رقعة واسعة من مساحة الأرض الزراعية ، مهددة الريف العراقي بالدمار التام بعد أن انتهت فيه جميع ملامح الحياة الفلاحية بمعالمها الجميلة .
ان ظهور التماسيح في الأنهر العراقية ، ووجود صنف من الأسماك تأكل غيرها من الأسماك النهرية المعروفة ، وظهور أنواع من الأسود في البساتين المهجورة بفعل الجفاف ، ومن ثم انتشار حالات السرطان في الأوساط الشعبية وبتكرار لا يصدق ، كل هذا يدل على أن ما تلفظ به معالي وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إبان حرب احتلال الكويت لم يكن من باب السخرية أو الترهيب ، ولم يكن التحذير الإيراني الأخير بشأن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتشتيت الغيوم عن الأجواء الإيرانية ( expelling clouds ) نوعا من أنواع اختلاق الحجج ، بل هو حقيقة واقعة تحاول أمريكا من خلالها إضعاف الاقتصاد الإيراني وخلق تذمر شعبي ضد السلطة وباتجاه يشجع على انبثاق ربيع جديد في أرض فارس .
لم يكن من قبل ، يعرف العراقيون شكلا من أشكال العواصف الرملية الصفراء ، وبهذا التكرار العجيب والداعي إلى الاستغراب ، بحيث تتكرر وباستمرار حالات ضياع الطائرات وعدم تمكنها من الهبوط على مدارج المطارات ، ويموت الآلاف من المسنين في ردهات الطوارئ جراء الاختناق بفعل الأتربة المعلقة في الجو ، وقد لوحظ وجود قطرات من الزيت تلطخ زجاج السيارات عند الفجر لم يكلف المعنيون بالبيئة دراستها ومعرفة كنه وجودها ، وتكررت وبشكل مريب حالات تلوث مياه الأنهر بإشعاعات أدت إلى إشاعة روح الخوف بين المواطنين جراء إصابة العديد منهم بالأمراض الخبيثة ، في حين انهارت الأسيجة الخضراء حول المدن ، والتي أقامتها دوائر الزراعة قبل فترة الاحتلال ، ولم تقوى الأراضي الصحراوية المتعاقد عليها مع المزارعين على البقاء والتي ظهرت عليها أروع تجارب للزراعة الموسمية المغطاة ، حيث كانت ترفد السلة الغذائية العراقية بالخضر وبشكل وفير ، مما أدى إلى اعتماد السوق على المستورد وبشكل كامل بما يحمله هذا المستورد من سوء في النوعية وارتفاع في الأسعار .
لقد تراجع العراق وبوتيرة عالية إلى المرتبة السادسة عالميا بالنسبة لعدد النخيل ، فبعد أن كان العدد مقدرا بثلاثة ملايين نخله قبل عام 2003 ، أصبح العدد ثلاثة ملايين نخلة بعد هذا العام وحسب تقديرات وزارة الزراعة العراقية .. ولا يمكن اعتبار ظاهرة انحناء أشجار النخيل عند منطقة الرأس والتي سادت في منطقة الجنوب ، كظاهرة عفوية دون اعتبار أن ذلك بسبب تلوث البيئة بمواد غريبة أدت إلى موت ذلك الكم الهائل من هذه الأشجار المعمرة والمقاومة لظروف المناخ .
وبذلك انعدمت جميع مواصفات الريف وما تحيطه من أراضي زراعية .. وهاجر الفلاحون إلى المدينة ليمتهنوا بيع عبوات غاز الطبخ ، وسياقة سيارات التاكسي ، والعمل كأجراء في دوائر البلدية ، ومطوعين في سلكي الجيش والشرطه .
إن هجرة الفلاحين إلى المدن جراء الهجمة الشرسة على عنصر الزراعة ، وتجريف البساتين بغية بيعها كقطع للعقار من قبل السماسرة وتجار العقارات المهووسين بامتلاك الأرباح السريعة ، كل ذلك أدى بالضرورة إلى خراب عام في البيئة العراقية ، وظهور العشوائيات السكنية من قبل الفلاحين حول المدن ، تنعدم فيها جميع الخدمات الضرورية للسكان .. هذا في الوقت الذي يجري فيه الصمت المطبق من قبل كل الجهات المعنية بشؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلد ، وباتجاهات تمعن في الإسهام بعمليات تفتيت العناصر الداعمة للتقدم الإيجابي ، والبقاء ضن دائرة الاعتماد على الاقتصاد الريعي فحسب ، والمؤسس على الاستغلال الجائر لمخزون النفط وبدون مقابل يذكر .
يقول الدكتور صالح ياسر في معالجته للاقتصاد السياسي العراقي لموازنة عام 2012والمنشورة على موقع الحزب الشيوعي العراقي بتاريخ 23 / 12 / 2012 (إن الأزمة البنيوية الشاملة التي يعرفها الاقتصاد العراقي تكتسي في الجانب الاجتماعي كل أبعادها المأساوية، وتكشف بشكل جلي عن فشل السياسات الاقتصادية المقتصرة على التوازنات المالية، والمعتمدة على المؤشرات " الماكرو- اقتصادية " في غياب أي إستراتيجية تنموية اجتماعية فعالة يدور الصراع حولها، باعتبارها جزء عضويا من معركة البدائل. وانطلاقا من الاستراتيجية التي بنيت عليها الموازنة الاتحادية لعام 2012، يمكن القول ان هذه الموازنة يتنازعها هاجسان متناقضان، أحدهما مرتبط بالمحافظة على التوازنات الهيكلية والثاني مرتبط بضرورة إيجاد معالجات وحلول ناجعة للقضايا الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن التعبير عن هذا التأرجح بهاجس العجز المالي وهاجس العجز الاقتصادي، والذي هو نتيجة للضغوطات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى ) إنتهى .
وباعتقادي ، فإن تلك الموازنة وما تبعها في موازنة عام 2013 ، لم يتغير فيهما ذلك العجز المالي والاقتصادي ، ولم تظهر وبشكل واضح أية معالجات جادة لمعاناة الجماهير من خلال ترسيم جديد لعناصر البيئة .. فلقد بقيت ذات الاعتبارات سارية المفعول والتي تمحورت حول الخلافات السياسية بين الأطراف المشاركة في الحكم ، حيث لم يجري الانتباه إلى خطورة ذلك التأرجح غير المفهوم ، وغير المخطط له ، والمؤدي إلى ضبابية عامة في القرار المالي عموما في البلاد .
وبإمكاني وبكل ثقة القول ، أن المسؤولية الأخلاقية والسياسية في تردي الأوضاع البيئية في العراق ، تقع على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية ، حين تخلت فجأة عن التزاماتها القانونية باعتبارها أقدمت ، طائعة وغير مجبرة ، على اجتياز حدود بلد آخر ، بعد أن هدمت فيه جميع أركان الدولة ، وخربت مؤسساته ، وعبثت في أرشيفاته التاريخية والاقتصادية ، بل وتعمدت في إحداث خلل في توازنات المناخ باتجاه حرمان العراقيين من خيرات بلادهم ، وتسببت في سرقة المليارات من الأموال المملوكة للشعب ضمن أوسع قرصنة مالية لم يحدث مثيلا لها في التاريخ الحديث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استدراك
حامد حمودي عباس ( 2012 / 10 / 31 - 10:18 )
لقد ورد سهوا بأن عدد النخيل في العراق قبل الاحتلال كان ثلاثة ملايين نخله والصحيح هو ثلاثين مليون نخله . فأرجو قبول اعتذاري مع خالص الود


2 - مداخلة - 1
شاكر شكور ( 2012 / 10 / 31 - 16:01 )
شكرا استاذ حامد على جهودك المخلصة في الأشارة الى الواقع البيئي المخيف الذي يمر به العراق ، انا برأيي ليس من مصلحة امريكا او اسرائيل تلويث جو وبيئة العراق ولكن ذلك من مصلحة دول الجوار وخاصة تركيا وايران وذلك لأبقاء العراق بحالة ضعف للسيطرة على اقتصاده وسياسته وإلا ماذا نفسر قيام تركيا ببناء سدود لا تحتاجها حاليا وقيام ايران بتحويل مسار نهر الوند ونهر الكارون ؟ ان حبس المياه ومنعها عن العراق سيقلل ذلك من منسوبها داخل العراق وهذا يؤدي الى تقليل المساحة السطحية لتبخرالمياه وطبيعي ان ينتج عن ذلك شحة في الأمطار وبالتالي يؤدي ذلك الى جفاف رمال الصحراء وسهولة رفعها بالرياح لخفة وزنها ، لماذا يعيش السكان في الجزء الشمالي من العراق في بيئة افضل من الوسط والجنوب ؟ والجواب بأعتقادي سببه هو الأنتماء الى الأرض ونكران الذات في خدمة الوطن وليس لأجل المصالح الشخصية... يتبع رجاء


3 - مداخلة - 2
شاكر شكور ( 2012 / 10 / 31 - 16:04 )
المحاصصة مثلا وتوزيع المناصب على منتسبي الأحزاب الدينية بشكل متعمد هل كانت هذه الخطة لخدمة العراق وتحسين بيئته ام كان ذلك لغرض تعويض هؤلاء مما فاتهم من الغنائم في العهد السابق ؟ فأغلبهم كانت الجهة الأستشارية لهم هي الحوزة الدينية وليست جهة تفهم في تحسين البيئة ، هناك شركات عالمية متمكنة تستطيع بفترة قصيرة بناء شبكات جديدة للكهرباء وشبكات للطرق والصرف الصحي على حسابها الخاص مقابل ضمانها لريع هذه المشاريع لمدة معينة فلماذا تصر الحكومة ان تجري مقاولات محلية لتنفيذ هذه المشاريع ببطئ وأستنزاف التخصيصات هنا وهناك دون مبالاة لمعاناة الناس ؟ اذن تلويث البيئة سببه هو السياسة الداخلية وسياسة دول الجوار التخريبية وأمريكا ليست بريئة طبعا من جرائمها في العراق ولكن انا اتحدث عن موضوع البيئة بعد عشرة سنوات من حكم اهل العمائم ، تحياتي ومودتي


4 - عقول أصابها التشوه فأصيبت بيئتهم بالتلوث
فاتن واصل ( 2012 / 10 / 31 - 19:00 )
ماركس رأى النظر فى وضع المرأة لمعرفة حال المجتمعات واليوم أضيف البيئة الى المرأة، أيا كان السبب فالذنب ليس ذنب الامريكان وحدهم .. نحن باهمالنا وجهلنا وعدم شعورنا بالانتماء ساهمنا فى تدمير وتلويث بيئتنا بدم بارد ودون الشعور بالذنب، غدا سيولد أبناء من يتبقى منا مشوهين، والباقين سوف يموتون عطشا أو جوعا أو اختناقا أو حتى من حرارة الجو الغير محتملة بعد إتساع الثقب..ثقب الأوزون وثقب العقول ولن نجد من يهتم بنا لأننا لم نهتم بأنفسنا أو ببيئتنا التى هى مصدر حياتنا، عدت بعد رحلة استغرقت 25 يوما فى ألمانيا تضمنت زيارة لمدينة صغيرة ريفية اسمها ليمبورج على بعد حوالى 100 كم من فرانكفورت .. هلكت من المقارنة بيننا وبينهم ، ومت كمدا عشرين مرة يوميا من حلولهم البسيطة والجادة فى نفس الآن للحفاظ على البيئة نقية نظيفة وبايمان راسخ أنها مصدر حياتهم هم وأطفالهم.. نحن على بعد مئات السنين الضوئية منهم ولكن فى النهاية تأكدت ان الفرق بيننا وبينهم ليس مجرد فرقا زمنيا وإنما الفرق نوعى .. تحياتى وتقديرى لك على الموضوع الهام والذى أثار الشجون.


5 - الاستاذ شاكر شكور
حامد حمودي عباس ( 2012 / 11 / 1 - 05:55 )
اشكرك سيدي على الإضافة القيمه .. ما تفضلتم به ليس فيه ما يدعو للنكران ، وقد أشرت أنا لذلك في معرض مقالي .. غير أنني ، وبعد معايشتي للكثير من مفاصل الحياة اليومية ، ومن خلال الحساب الواعي لمعطيات عديدة وجدتها في أكثر من مقام داخل وطني ، صرت أزعم بأن للولايات المتحدة الامريكية آثار واضحة فيما حل ببلدي من خراب .. وباعتقادي فان ذلك لم يعد سبة لو قيس في ميزان المصالح .. امريكا لها مصالحها في المنطقة ، وحماية دول الجوار من عراق لم يرعوي خلال تاريخه الحديث والقديم أضحت ضرورة لكي لا تتعطل تلك المصالح .. ومن عنيتهم بالحكام المتخلفين في العراق ، كان لامريكا دور رئيسي في الإتيان بهم ، وتهيئة سبل بقائهم .. اكرر امتناني لمساهمتك ، مع فائق الاحترام


6 - سيدتي فاتن واصل
حامد حمودي عباس ( 2012 / 11 / 1 - 06:08 )
كل ما ورد في تعقيبك صحيح .. لي إبنة تعيش مع زوجها في ألمانيا منذ اكثرمن خمسة عشر عام ، واتعايش وإياها على الدوام من خلال الانترنيت .. ومن خلال وصفها لتفاصيل حياتها أجد الكثير مما يجعلني مسلحا ثقافيا للهجوم على واقعنا المزري والسخيف .. غير أنني لا استبعد الأثر الذي تركته رعاية المصالح الاجنبية في بلادي وامتلك ركاما مما يحمله التاريخ من حجج حيال ذلك .. المقارنة الان بين ما نحن فيه وما هي عليه بقية الشعوب المتحضرة ، لم يعد مجديا لو قسنا الامور مع المانيا او استراليا .. المقارنة تبدو مخيفة لو حسبناها حتى مع اسرائيل .. نعمل إيه ؟ .. دي قسمتنا ولا اعتراض على المقسوم كما يقول الشيخ القرضاوي أدام الله عمره


7 - الأستاذ حامد حمودي عباس المحترم
ليندا كبرييل ( 2012 / 11 / 1 - 17:39 )
صدقني يا أستاذ حامد لو لم تقل لنا أن الأمر يتعلق بالعراق لظننت أن المقصود بلد إفريقي من البلاد التي رماها الله بالتصحر والجفاف والمجاعة
تماسيح وأسود .. وأمراض خبيثة .. وتغيرات في المناخ ، كل هذا من غير المستبعد أن يكون حرباً من نوع جديد غير متوقع إلا لمن يعيش تلك الأزمات وله حدس فيما وراء الظواهر البادية للعين
بلاد المنطقة كلها تمر بنفس الظواهر ، فالعواصف الرملية تجتاح المنطقة بشدة لم نكن نسمع بها من قبل ، أنا ظننت أن التغيرات في مناخ الكرة الأرضية يؤدي إلى النتائج التي أتيت على ذكرها وقد يكون لأميركا يد في بعض الأحداث ولكن تبقى المسؤولية علينا أولاً وأخيراً
الأمر يحتاج إلى وعي بالتغيرات البيئية وهذا ما نفتقده للأسف ، يعني قرأت منذ بضع سنوات عن الجو الضبابي الذي يلف القاهرة وما حولها من المدن
ظللت أتابع الموضوع ، ولم أصل مع كل شروح الخبراء المتضاربة إلى سبب واحد مقنع ، لا أدري إن كانت المشكلة ما زالت قائمة أم لا ؟
نحتاج إلى وقفة جدية مع الأمور فنحن لا ينقصنا الخبراء
شكراً لمواضيعك الثرية المتنوعة ولك تقديري،

اخر الافلام

.. غزة :كارثة في الأفق ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم




.. هل تمتلك السعودية سلاحًا نوويًا؟| #التاسعة


.. روسيا تحذر...العالم اقترب من الحرب النووية!| #التاسعة




.. رئيس الاستخبارات الأميركية يلتقي نتنياهو لإنقاذ المفاوضات وم