الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأس بغداد -2-

نصيرة أحمد

2012 / 10 / 31
الادب والفن


تجاوزت بضعة عربات متوقفة . لقد تركت مهمتها القديمة , والان تمارس عملا أكثر فاعلية ، الفاعلية الان هي الربح المجنون الهائل . انها مملوءة , لاأدري بماذا . أين هو ؟ لأسأل . شخصٌ يقف بهدوء . يبدو نظيفا . تأملني قليلا ، ثم أشار بيده . اسألي تلك المرأة ذات الرداء الاصفر . التفتّ , أين هي ؟ نعم ، انها هناك . وقد فهمتْ الاشارة . أمسكت خصرها بيدها ودفعت العباءة الى الخلف بطريقة معروفة . أي نوع ؟ سألتني . قلت .. أي شىء لايهم . استدارت وصاحت بقوة .. حسين .. نظرتُ حيث أشارت . شاهدت صبيا يقطر قذارة ، قالت المرأة بصوت ناصع يبدو سريا , او انها أرادت أن يكون كذلك . درت حولي ، لم أجد من يتنبه، حمدت الله . أعطها كأس بغداد . أعطيته المبلغ الضخم . مائتا دينار . أكبر مبلغ سمعته في حياتي . أخبرتني أختي الكبرى بذلك . كم يساوي ذلك ياأختي . مائتا دينار . كانت تمسك بيدي بقوة ، وأنا أمسك بيد أختي الصغرى . ذهبنا عصرا لنرى الاساس . بيت المستقبل . وصلنا . اهرول بسرعة , وأعتلي البناء المرتفع قليلا عن الارض . هذه غرفة . هذا هول . . هذه حديقة . نعم حديقة , سنلعب كثيرا . كم المساحة ياأختي ؟ ثلاثمئة متر ، كم يعني ذلك ..؟ انها واسعة واسعة . بمئتي دينار . إجتزت أكواما ثقيلة من الازبال . واستدرت لاعود بسرعة . عبرت الشارع ، أنفاسي تتعثر . واجهتني السماء بقوة . الهي ...ماذا أفعل ؟ أحس بأني أودع كل هذا وداعا حقيقيا . أخفض رأسي بشدة . دمعة تسقط ، ألاحقها . لاأستطيع أن أشتري شيئا . ابني صرخ بقوة . ودعته ، رفعت رأسي ، كان قبالتي ، كدت أصطدم به ، تنحيت بسرعة ، وواصلت سيري . ماذا سيقول عني ، بماذا تفكّر ؟ . المعرفة ، الادراك المعرفي يأتي من الخبرة المتراكمة . المعلومة البصرية والسمعية والشمية . أشق السوق بسرعة لامفهومة . تتردد الى سمعي : تريدين دهن . حليب . شاي . معجون . أصوات متتابعة . بعت حليب ابني كله مرة ، لأعيش به اسبوعا . الخضر امرها سهل ولكن بلا فواكه . أصوات تطاردني ، تهرول خلفي . أمشي بأستقامة . لاأفقد توازني ، ولكن أين هذه الاشياء ..؟ أسرع ُ ، أبحلق في العربات، لاأرى شيئا ...هل هي أسرار عسكرية ..؟ . لم تخبئونها ؟ لمَ ..؟ أشم عطر البرتقال ، وأتبعه ، أسأل ..كم الكيلو ..؟ 150 دينارا .. ياالهي . أستدير بقوة . يسمعني البائع ضحكته الهازئة . بناية المحكمة . جيد . لقد قطعت نصف المسافة . كأس بغداد بيدي، العلم العراقي يرفرف بقوة ، شامخ ، مترفعٌ ، وانا اترفع عن الشراء . كم قلت لك ياأمي انها مستعصية ، هذه المعاملة اللعينة . في المحكمة حيث تتفسخ الاوراق مع اسمائنا وتاريخنا . لماذا مازلت تصرين ، تتأملين شيئا من هؤلاء . أبحث في الغرف المتلاصقة، احمل الاضبارة العصية , وأعود ثانية ، لافائدة . المعرفة تتدرج من الجزيئات الى الكليات . من كيلو الباذنجان الى سعر الخروف ، من الطابوقة الى البيت . رجلٌ كبيرٌ يبحث قرب الحائط . أزبال مقرفة . يحمل طابوقة ، رفع رأسه ونظر اليّ. نظرته بلهاء. فزعة , ترى ماذا يفعل بها..؟ هل يستجدي الطابوق ، يجمعه من الازبال ، ليشرع ببناء بيت مثلا . .؟ قد يفعلها في هذا الزمن الموبوء بكل شيء . أفكار عقيمة . رحلت الشمس أخيرا . أنهكني التعب ، والكأس في يدي ، علي ان اوصله في الوقت المناسب . ذكريات تهزأ بي ، كم كبرت ..؟ مازالت الاشياء تعرفني . الارصفة ، اسيجة المدارس ، واجهات البيوت ، كأني أودعها . يتسلل الدفء الحميم الى قلبي ،...آه ..كم كبرت ..؟ عشرون سنة . مئتا عام . ضغطت بشدة على الزر . فتح الباب . لقد تأخرت . نعم . الطريق طويل. هل أحضرت الشاي ؟ نعم . نوعية جيدة ؟ لاأدري . ماآسمها ؟ كأس بغداد . بكم ؟ بمئتي دينار . نوعية رديئة ...! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ


.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش




.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح