الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألسيد مقتدى الصدر... والطريق المسدود؟

حسين حامد

2012 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية




مهما قيل عن السيد مقتدى الصدر كسياسي ورجل دين، فأن مواقفه المتأرجحة في الماضي فيما يتعلق بمسألة دعمه للسيد المالكي ، أو في وقوفه ضده، فأنها كانت دائما مواقفا لا تخلوا من غرابة وألغاز، وبالتأكيد فأنها أيضا كانت تفتقرالى الصدق والاخلاص من اجل ولاء حقيقي. فعلاقة المد والجزر التي تبناها سيدنا مع السيد رئيس الوزراء ، كانت في احسن حالاتها ، وفي نظر الكثيرين، حالة لاتمثل موقفا وطنيا حقيقيا من شأنه أن يعكس ما متوقع من مساهمة طبيعية وجادة في تحالف قائم في داخل الاتحاد الوطني، وبهدف انجاح قيادة الكتلة ألاكبر والتي شكلت الحكومة ، وانما كانت وباعتقادنا ، قائمة على دوافع ومصالح شخصية لا غير. فتذبذب المواقف السياسية من قبل الكتلة الصدرية وتغريدها بين الحين والاخر خارج السرب وهي الحليف في الائتلاف الوطني، لم يكن مقنعا للكثيرين من ناحية صدق السيد مقتدى باتجاه انجاح العملية السياسية وتعزيز الموقف الوطني. فدور الحليف وكما هو معروف، تبنى استراتيجية ذلك التحالف واشاعة مناخ التعاون والانسجام مع الاطراف المؤتلفة ، والمساهمة في تطوير وتوسيع دائرة التحالفات مع الكتل اخرى من خلال الحوارات لقطع الطريق امام اعداء النظام الجديد ، وخصوصا عندما يكون الوطن والعملية السياسية في تهديد خطر. ولكن التجربة اثبتت ان كل ذلك لم يكن من بين حسابات السيد مقتدى الصدر في ائتلافه مع الاتحاد الوطني، بل كان الاساس الذي أقام ائتلافه عليه ، يتعلق على مقدار الربح والخسارة من هذا الائتلاف، وبشكل أعظم من أي أهمية بالنسبة له في المساهمة لانجاح مسيرة العمل الوطني الديمقراطي. والسبب في ذلك ، ان السيد مقتدى الصدر يعتبر نفسه (متفضلا) على الحكومة وعلى ائتلاف الاتحاد الوطني . ومن هذا الشعور بالتفوق ، جائت غرابة وألغاز السيد مقتدى الصدر الذي يعتقد ان مقاعد كتلته التي فاز بها في البرلمان ، انما تعكس جماهيريته !! ومن هذا المنطلق ، كان السيد مقتدى يأمل أن المالكي سوف لن توانى عن تلبية رغباته ، بما في ذلك ، اطلاق سراح مليشياته من السجون. وعندما شعر السيد ، ان المالكي لا يمكن ان يقع في فخ كهذا، انقلب على المالكي ، وانضم الى اعداءه.

وبما ان السيد مقتدى لا يمكن وصفه بالرجل السياسي أوالعقائدي الفطحل ولا المستعد لخوض تلك المعارك الطويلة التي خاضها من قبله علماء دين الطائفة، والتي شرفهم الخالق تعالى بنعمة الاستشهاد ، نجد سيدنا ، يميل الى فرط الاعجاب بنفسه، والمعروف عن من هو معجب بنفسه ، فأنه لن يكون سباقا الى التضحية بها من اجل عقيدته السياسية ان كان له عقيدة حقيقية. ومن هذا المنطلق أيضا، تبدأ حسابات السيد في تفانيه من اجل محاولات اطلاق سراح ميليشياته لتكون سورا حاميا له ، وخصوصا، ان كتلته تعرضت الى هزات وانثلمت بعض اركانها. واذا كان موضوع الاستشهاد من قبل الساسة في العراق من اجل الوطن والوطنية هذه الايام ، امرا أبعد من المستحيل ، فان ما يمكن ان يعول عليه من رجل دين كالسيد مقتدى، وعضوا في ائتلاف حكومة السيد المالكي ،هو الافتراض أن يسعى على الاقل لنصرة الشعب في وقوفه الى جانب رئيس الحكومة ،لافشال خطط المخربين والمتخرصين امثال رئيس القائمة العراقية ورئيس الاقليم وغيرهم ممن يتصيد في الماء العكر ، كانت النتيجة عكس ذلك، وهي أن السيد أساء الى سمعته الوطنية ومصداقية تحالفه من خلال دعمه لتلك الكتل السياسية التي كانت ولا تزال وراء كل المشاكل والمصائب التي حلت على شعبنا، في ردة فعل من اجل تصفية حسابات فشله مع المالكي .
من جانب اخر، ربما يمكن اعتبار السيد مقتدى من بين اكثر قادة الاسلام السياسي ، ضررا واساءة لطائفته ولدينه ، بعد تماديه في اضعاف الطائفة وامعانه في تمزقها وتشتتها بسبب مواقفه السلبية والانانية من العملية السياسية وتصريحاته ضد المالكي ، بحيث ادى انضمامه الى جبهة تحالف العملاء والمستهترين بحق شعبنا، الى نشرغسيل الطائفة امام كل من يهمه أن يرى جمعها يتمزق. وعندما يفعل سيدنا شيئا كهذا ، فأنه يدخل في مغامرة مضنية . فاليوم ليس بمقدورالسيد مقتدى اقناع شعبنا ان موقفه المعادي للسيد المالكي رئيس الحكومة المنتخبة ،هو موقف وطني اختاره من اجل قضية شعبنا. بل على العكس تماما، أن شعبنا يعلم جيدا ان السيد مقتدى يسعى بكل الجهود من اجل اطلاق سراح ميليشياته من السجون، وان هذا هو السبب ألاعظم في عداءه للمالكي. كما وأن انحيازه المؤسف الى التحالف مع المطعونين في وطنيتهم كرئيس القائمة العراقية ورئيس الاقليم ، وفي وقوفهم ضد النظام الديمقراطي والذي على الخيرين وجوب بنائه وتعزيزه، لا تدميره وتخريب المجتمع و التراث والتأمر لاسقاط الحكومة او محاولة سحب الثقة من الحكومة من اجل محاولة عودة حكم البعث الفاشي في ظلمه واضطهاده وقد عانى منه شعبنا لعقود كثيرة.

فطموح السيد مقتدى في وقوفه مع هؤلاء السادة الموصومين بالعمالة، هو دعم مساعيهم لاسقاط الحكومة من اجل أشاعت الفوضى في البلاد ، وفتح السجون واطلاق سراح الارهابيين قتلة شعبنا من مليشيات السيد مقتدى، فهذا هو الحال بالضبط الذي يصر على تبنيه السيد مقتدى مع جوقته. فكان لهذا الاصرار ثمنا باهضا، كان كفيلا بالغاء مصداقية سيدنا كرجل وطني وكرمز ديني في المجتمع العراقي. اذ يفترض بمن يحمل مسؤولية التقوى ومخافة الله تعالى، أن لن يسير في هدي غير هدي الخالق جل وعلا من خلال تبنيه مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا ان يصبح التدين ، مجرد وسيلة لاستغفال الناس وتضليلهم من اجل نصرة المجرمين.

واذا كان نفترض أن السيد ليس بالانسان الحقود، فأنه وعلى الرغم من ثقافته المحدودة أيضا،لا يمكن ادراجه في قائمة السياسيين السذج كما يتصورالبعض. ذلك بسبب أن مواقفه السياسية مع السيد المالكي سلبا أو ايجابا، ووقوفه مناصرا لخطط شريرة تتبناها القائمة العراقية ورئيس الاقليم من اجل زيادة معاناة شعبنا ، بينما يأمل سيدنا من خلال ذلك ، تلقي الدعم منهما واطلاق سراح سجناء ميليشيات الكتلة الصدرية القابعة في السجون ، والتي كانت قد اشاعت الفوضى والاستهتار في بعض المحافظات العراقية ، لكنها لم ترتدع حتى تصدى لها السيد رئيس الوزراء بما تملي عليه مسؤوليته في بسط سيادة القانون والامن والاستقرار. ولكي نستطيع ان نسبر غور السيد مقتدى وندرك مقدار لامبالاته لشعبنا ولإتلافه وللحكومة، فأنه يجد في تطبيق القانون من اجل استقرار وأمان شعبنا ، امرا يغضبه ، والى الدرجة التي ينقلب فيها على وجهه خاسرا دنياه واخرته، ثم وهادرا لوطنيته، وكما هو حاصل اليوم؟ فهل عندما لم تعد لسيدنا حظوة في المجتمع كرجل دين وسياسة ، هل في ذلك شيئا من عدم الانصاف؟

فالنتيجة التي اصبحت واضحة امام الجميع، هي ان السيد مقتدى الصدر يسير وفق طموحات ومرامي شخصية . حيث أثبت ان مصير العراق لا يهمه ولا ما يواجهه شعبنا من التحديات ومواقف التخوين التي يمارسها أعداء النظام الديمقراطي الجديد لتدمير الوطن، بل أن ما يهمه فقط ، هو البحث عن صفقة سياسية مع أيا كان من اجل اطلاق سراح مليشيات كتلته من السجون وبأي ثمن. فلا عجب اذا أن نجد ان السيد مقتدى يردد في تصريحاته ما يقوله الاخران ممن والاهما . ففي تصريح له يوم الخميس، 25 تشرين الاول 2012، اتهم السيد مقتدى السيد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ("بالتفرد في اتخاذ القرارات"، ومؤكداً أن هذه الممارسات من شأنها إبعاد العراق عن الديمقراطية والانتخابات النزيهة). وقبل ذلك ، كان قد سبقه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني أيضا، فوجه انتقادات لاذعة وعنيفة إلى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، تضمنت اتهامه بـ"الدكتاتورية". كما وكان رئيس القائمة العراقية هو الاخر يتهم السيد المالكي بممارسة الدكتاتورية . فكل منهم يغني على ليلاه، ولكل واحد منهم له اهدافه واجنداته ومراميه ومصالحه في السعي لاسقاط الحكومة المنتخبة ولاسباب كثيرة ولم تعد صعبة الادراك. من أهمها أن أهداف ونوايا التحالفات القائمة بين القائمة العراقية (الكتلة البعثية) مع الحزب الديمقراطي الكردستاني والكتلة الصدرية ، في سعي يهدف لازاحة المالكي وتحقيق حلم بعيد المنال في اعادة البعثيين للحكم ، وكذلك سيطرة الاقليم على مقدرات الحكومة الاتحادية وتحويلها الى مجرد عنوان لحكومة شكلية هزيلة لنهب ثروات العراق من قبل دكتاتورالاقليم السيد مسعود برزاني . فهؤلاء لن يكفوا عن السعي ضد شعبنا حتى يكون للمالكي موقفا اخر اكثر حزما وجدية تجاههم.

وعلى الرغم من وضوح تلك الحقيقة امام شعبنا، فقد استجاب التحالف الوطني وقدم ورقة للاصلاح السياسي من سبعين بندا بأمل ان تتم مناقشتها في المؤتمر الوطني الذي دعى اليه التحالف الوطني لجميع اطراف الكتل السياسية ، من اجل اصلاح سياسي شامل لاحتواء الازمة السياسية التي لا تزال تعصف بالعراق منذ 2005، وتوفير فرص للتفاهمات والخروج من عنق الزجاجة وتوفير فرص لزيادة وتعميق الانسجام وتبادل الاراء فيما يخص استقرار العملية السياسية. ولكن النتيجة وكما كانت متوقعة، أن هذه الاطراف السياسية المعنية قد رفضت الحوار. وقد علق السيد رئيس القائمة العراقية على ورقة الاصلاح السياسي والسبعين بندا فيها قائلا : (انها تحتاج الى سبعين سنة لقرائتها وتطبيقها) ...كما وقد انبرى (سيدنا) مقتدى الصدر للتقليل من قيمة ورقة الاصلاح هو الاخر وذكر انها فيما معناه ، انها لا تساهم في حل المشاكل السياسية القائمة !!
وحقيقة هذا التطبيل والتزمير لرئيس القائمة العراقية ورئيس الاقليم والسيد مقتدى في اتهاماتهم المالكي بالدكتاتورية والتسلط ، لا تعني سوى فوز التحالف الوطني وهزيمة تلك الكتل لرفضها مبدأ المواجهة المباشرة مع التحالف الوطني ومصارحة شعبنا بالحقائق، ذلك لعلمهم ان الجلوس على مائدة المفاوضات وجعل الشعب حكما من خلال الاحتكام للدستور، من شأنها اسقاط ذرائع هذه الكتل وكشف ارتباطاتهم بالانظمة السعودية والقطرية والتركية، وفضح استمرار اصرارهم في التأمر لاسقاط الحكومة، وهو الهدف الاوحد لهم. كما ولا يخفي ان هذه الكتل مستفيدة من تصعيد الازمة ، وأن البديل في رفضها اللقائات لحسم الازمة القائمة ، هو بسبب امتلاكها بدائل اخرى للوصول الى اهدافها ومراميها من خلال عرقلة عمل الحكومة في البرلمان بدون تعب. ولا دخولها في مؤتمرات ولقائات جادة كتلك التي يطالب بها التحالف الوطني، والتي من شأنها فضح أهدافهم . فقد اختارت هذه الكتل لنفسها طريقا دعائيا متسم بالافترائات لادامة الازمات السياسية . فهذه الكتل ومن خلال تحالفاتها في داخل البرلمان، استطاعت الوقوف بوجه المشاريع التي من شأنها رفع مستوى حياة شعبنا ، مالم تكون هناك صفقات في المقابل لتمرير مشاريعهم من خلالها، وكما حصل عن محاولتهم مقايضة مشروع قانون البنى التحتية مع مشروع العفوعن الارهابيين والمجرمين في السجون!! فمادام الامر بهذه السهولة، فما الداعي لعقدها لقائات ومؤتمرات للتصالح مع حكومة تسعى هذه الكتل لاسقاطها؟ وخصوصا، ان السيد رئيس البرلمان اسامة النجيفي وزمرته ، يقفون خلف هذه الكتل لانجاح مساعيها .

وختاما، بما ان الحوارات أصبحت غيرمجدية في حل الازمة السياسية القائمة ، كذلك نجد سيدنا مقتدى الصدر غير مبالي في تحالفاته ضد المالكي لاسقاط الحكومة المنتخبة ، بينما يبدي انسجاما تاما مع مواقف القائمة العراقية وحزب السيد رئيس الاقليم ، لاستمرار التحديات والاستخفاف وعدم المبالات بالحكومة والشعب ، فأن من شأن ذلك أن يجعل شعبنا ينفض يديه من السيد مقتدى. فلقد جرب شعبنا كل أنواع الصبر، وتحلى باعلى درجات التسامح والحكمة مع ادوات الغدر التي تم تسليطها عليه ، ومع ذلك، لا يزال السيد مقتدى يطمح في اطلاق سراح المليشيات التي سفكت دماء الشعب . فهل في ذلك ما يجعل من السيد بطلا بنظر شعبنا وهو مصر على منح الحرية للارهابيين القتلة؟
فالابطال هم وحدهم من يبني هذا الوطن الغالي. أما وموقف السيد مقتدى المعادي لشعبنا ولحكومة المالكي، فأنه لا يمثل سوى قضية خاسرة . فلا السيد مقتدى ولا السيد اياد علاوي ولا السيد مسعود برزاني بقادرين على هزيمة شعبا كاملا . وعلى الاخ المالكي ان يبادر الى سحب البساط من تحت اقدام هؤلاء ويبادر الى تشكيل حكومة الاغلبية . فذلك من شأنه اعادة الاوكسجين الى رئة العراق ، وعندما يتحقق ذلك ، سيكون لكل حادث حديث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا