الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهانات الدخول البرلماني:في استشراف ما يجب أن يكون

عثمان الزياني

2012 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


غالبا ما يشكل الدخول البرلماني في النظم البرلمانية المقارنة لحظة سياسية بامتياز تلقى اهتماما لا مثيل له من لدن مختلف المتتبعين والرأي العام ،تتبلور حوله نقاشات مستفيضة حول مجمل الرهانات في مجال التشريع ورقابة السياسات الحكومية،ومحدد الأولويات التي تشكل محور انتظارات المواطنين ،فتخلق هذه اللحظة نقاشات ومخاضات تعبر عن مدى نضج الفاعل البرلماني بالدرجة الأولى والمواطنين من جهة أخرى،والبرلماني قبل أن يكون في موضع التقييم الشعبي ،فإنه يمتلك ميزة التقييم الذاتي في مقام أول أي اعتماد جهاز "المراجعة الذاتية"،حيث هذه الملكة تمكنه من الوقوف على مجمل أخطائه وزلاته وبالتالي السعي نحو تجاوزها في قادم أيام العمل البرلماني بمعنى هناك وعي برلماني راسخ بضرورة التطور والتقدم نحو الأفضل،وعليه يكون الدخول البرلماني بدافع إرادي نحو الأحسن والعمل على تحصين مقومات الديمقراطية البرلمانية والعمل أيضا في اتجاه انتزاع المزيد من الرضا والقبول الشعبيين للمؤسسة البرلمانية وزيادة الثقة قي البرلمانيين.
-إن الرهان الأساسي الملقى على عاتق البرلمانيين هو العمل في اتجاه تكسير جذوة الثقافة البرلمانية السائدة التي تلعب دورا كابحا لتفعيل المقتضيات الدستورية الجديدة، والمساهمة في التأسيس لثقافة جديدة باعثة لحراك برلماني فعال يقوم على أساس استثمار كل "المتاح دستوريا" ،لإعادة الاعتبار للمؤسسة البرلمانية في تعزيز دورها التشريعي والرقابي،لتتبوأ المركز المحوري الذي يليق بها في النسق السياسي.
-ضرورة التسريع من وتيرة صناعة التشريع بما يتلاءم مع انتظارات المواطنين ،ويكفل التنزيل السليم للمقتضى الدستوري،خصوصا فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية التي في غيابها انعكاس سلبي على مجموعة من المجالات المرتبطة بمؤسسات محورية،و بالسياسات العمومية وتطبيقات الحكامة والمسؤولية والجانب المتعلق بصيانة الحقوق والحريات العامة،فالرهان في هذه الدورة القادمة يجب أن ينصب حتما على إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة أساسا بتفعيل ورش الحهوية وذلك من خلال الاستناد إلى تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية ،القانون التنظيمي للمالية 2013،القانون التنظيمي لأشغال الحكومة ،القانون التنظيمي للأمازيغية،والتي خصص له الخطاب الملكي أهمية بالغة على ضرورة اعتماد قوانين تنظيمية متعلقة بتفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بعيدا عن الأحكام الجاهزة والحسابات الضيقة.
-طالما تشكلت صورة هيمنة الحكومة على التشريع إلى حد الاستئثار الكلي بينما ظل البرلمان في وضع التزكية وموسوم بخصيصة "غرفة التسجيل"،مما جعل البرلمان المغربي خارج معادلات صناعة التشريع و مما جعله يفتقد إلى ابسط قواعد التنافسية التشريعية ،التي يمكن أن تؤهله إلى الوقوف في موقع إبراز القدرات التشريعية للبرلمانيين،فالخفوت والضمور خصلتين ملازمتين للفعل التشريعي للبرلمان أمام التسيد التشريعي الحكومي،وأظن من غير المعقول و المنطق أن نختزل تطوير القدرة التشريعية للبرلمان فيما هو قانوني/معياري فقط دون الاستثمار في المعطيات السوسيولوجية و السوسيو نفسية للبرلمانيين،فهذه النصوص الدستورية بحاجة إلى من يحركها ويفعلها،فكسب رهان توسيع اختصاصات البرلمان يظل تغيير مبتسر دون بناء الإرادة الفعلية في المبادرة البرلمانية في مجال التشريع،والرفع من التنافسية التشريعية للبرلمان بحاجة إلى دعامات جوهرية تتشكل من الدعم التقني والبشري والمادي والمعلومياتي والتكويني،فالبرلماني بالدرجة الأولى هو من يملك ناصية تفعيل الدور التشريعي للبرلمان في ظل هذا المتغير الدستوري الجديد.
-إن تفعيل دور البرلمان لن يتأتى دون وجود معارضة برلمانية فعالة وقوية قادرة على فرض ذاتها كشريك أساسي في العمل التشريعي وفي تدبير العمل البرلماني بصفة عامة ،أي اعتماد ما يسمى ب"المعارضة البرلمانية النافذة" بحسب تعبير الخطاب الملكي ل12 أكتوبر2012،والذي ارتأى إلى ضرورة تفعيل دور المعارضة البرلمانية ،وهذا لن تقوم له قائمة إلا من خلال تغيير النظرة الضيقة لكل من الحكومة وأغلبيتها تجاه المعارضة البرلمانية واعتبارها كشريك فعلي في منظومة اتخاذ القرار البرلماني وليس كخصم وجب إقصاؤه من أي عملية برلمانية،والمعارضة من جهتها مطلوب منها الارتقاء بأساليب عملها والعمل على التنسيق والتعاون والالتئام بين مختلف مكوناتها وامتلاك مخطط تشرعي بديل قادر على أن يجعلها في موقع التنافسية التشريعية مع الحكومة والأغلبية ،مع اعتماد منطق الحجاج في النقاش والانتقاد ، وليس ركوب منحى التعطيل والنقد من اجل النقد ،والأكيد أن اكراهات المعطى العددي للأغلبية يحول دون تطبيق المقتضى الدستوري المتعلق بحقوق المعارضة لكن العمل بلغة التشاركية وكنهها بإمكانه أن يؤول إلى تجاوز الكثير من الاكراهات العملية التي يمكن ان تحول دون تبوء العارضة البرلمانية المكانة التي تليق بها في بناء الصرح البرلماني الجيد.
-وتبقى أيضا من بين التحديات الأخرى التي تشكل محور الرهان البرلماني القادم المساهمة الجادة في محاربة الفساد والسعي نحو تقويض جذوره ،وذلك في إطار التنسيق مع هيئات المجتمع المدني في إطار المنهجية التشاركية،والتي أسس لها الدستور الجديد،وذلك من خلال الكشف عن قلاع الفساد والمفسدين والتشهير بهم لدى الرأي العام وممارسة الضغط على الحكومة والقضاء من اجل تحريك مسطرة المتابعة،وتعزيز الدور الرقابي للبرلمان حول تدبير المالية العامة ،وعلى مستوى أيضا المؤسسات العمومية خصوصا وان الدستور والنظام الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين ،يمنحون خيارات رقابية مختلفة،(الأسئلة البرلمانية،المهام الاستطلاعية للجان،لجان تقصي الحقائق...).
-ومن بين تحديات البرلمان المغربي في قادم الأيام هو رهان تعزيز منظومة التواصل البرلماني بشقيه الداخلي والخارجي،صحيح أن هناك اختلافات إيديولوجية وسياسية بين الفاعلين البرلمانيين على مستوى تدبير الفعل البرلماني، إلا أنه يظل الجامع بينها هو تحقيق المصلحة العامة، وبالتالي جودة التواصل الداخلي مطلوب لتحقيق الفعالية في الأداء والابتعاد عن المصالح الحزبية الضيقة ،التي كثيرا ما ترهن تطور العمل البرلماني ،بالإضافة أيضا إلى العمل صوب تحقيق التجانس والتكامل بين مختلف الأجهزة التقنية والبشرية للمؤسسة والبرلمانيين من جهة أخرى،أي خلق مشترك من قيم العمل الجماعي بين مختلف مكونات العمل البرلماني.
-إن الارتجالية في صنع القرار الدبلوماسي البرلماني لم تعد تستجيب لمتطلبات الحكامة الدبلوماسية التي أضحت تستوجب الوضوح والشفافية والمأسسة بما تتطلبه من عناصر من قبيل القدرة والفعالية وخاصية التكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية ،وإذا كان منطق الفعل الدبلوماسي الجيد يسترعي نوعا من التشاركية في تجلي انفتاح الدبلوماسية الرسمية على الدبلوماسية الموازية أو الرديفة بمختلف مكوناتها والعمل بخط التوازي،فإن الدبلوماسية البرلمانية بحاجة إلى الانفتاح على فاعلين جدد وتثبيت مقومات المنهجية التشاركية خلال مختلف مراحل اعتمادها لمنحها القوة والقدرة على الإقناع والتأثير في الدفاع عن القضايا الوطنية الداخلية،والتأثير في القضايا الخارجية،فبحكم الطابع التمثيلي للبرلمان فهو بحاجة إلى الانفتاح على الفعاليات المدنية بمختلف تشكيلاتها لصناعة دبلوماسية بمقاسات جيدة ،بحكم إن هيئات المجتمع المدني أصبح له شاو عظيم في المجال الدبلوماسي بالنظر إلى مرونة حركيتها وفعاليتها .
-إن تفعيل الإعلام البرلماني من خلال إخراج مشروع القناة البرلمانية إلى الوجود والتي ستتمكن من المساهمة في تكريس شفافية العمل البرلماني،وتحسين صورة المؤسسة البرلمانية لدى الرأي العام والمساهمة أيضا في تحفيز البرلمانيين على البذل والعطاء والقطع مع ثقافة الإتكالية،والإستهانة بالعمل البرلماني،والقناة البرلمانية يمكن أن تلعب أيضا دور الرقيب على سلوكيات وممارسات البرلمانيين مما سيدفعهم إلى النأي عن أي مسلكيات من شأنها الإساءة إلى المؤسسة البرلمانية.
وفي الختام لا يمكن اختزال تطوير العمل البرلماني فيما هو دستوري أو قانوني وإنما قواعد التفعيل والإصلاح البرلماني تتطلب توافر الإرادة البرلمانية الفعلية للقطع مع الممارسات السابقة من خلال وجود برلماني يملك مقومات ذاتية ايجابية تؤثر على دافعيته في البذل والعطاء ونكران الذات والتسلح بالشجاعة والمروءة والارتباط بالبرلمان،وهذا ما أشار إليه الخطاب الملكي حيث دعا إلى ضرورة "التحلي بما يلزم من الحزم والشجاعة في انتهاز الممارسة المنشودة التي تضفي قيمة جديدة على العمل النبيل للبرلمانيين، قصد التجاوب مع انتظارات الأمة ومتطلبات الدستور الجديد".
ولعل من بين الأمور التي أضحت تكتسي أهمية بالغة في العمل البرلماني هو وضع "مدونة للسلوك البرلماني" تحدد حقوق وواجبات البرلماني ،ومختلف السلوكيات المرغوب فيها والممارسات المنهي عليها وهذه المسالة أصبح معمول بها في النظم البرلمانية المقارنة،وساهمت إلى حد كبير في عقلنة العمل البرلماني.
+أستاذ جامعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟