الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقهى السي إدريس

ياسين لمقدم

2012 / 11 / 1
الادب والفن



دائم البشاشة، منفرج الأسارير، متأنق على الدوام في ملبسه، يدير مقهى صغيرا ضيقا بالعرض وطويلا إلى الداخل حيث تصفف أواني العمل. براريد الشاي المعتقة التي كان يهيئها في المقهى الذي يعرف عند الجميع باسمه يوصلها صبيه إلى عشاقها في كل مكان من مركز المدينة، متجاوزا مقاهي كثيرة. وكانت تتوسط المقهى طاولة " بيار" والتي على شكل رقعة ملعب كرة القدم تتوازى فيها مجموعة قضبان حديدية تخترق مجسمات بلاستيكية لفريقين من لاعبي كرة القدم وبلونين مختلفين يتقاطعان، والذين سيتراكلون كرة خشبية صغيرة تجاه المرميين بضربات متنافسين أو أكثر سيتحكمون في مسار اللعبة من خلال إدارة القضبان الحديدية من أطرافها التي تنتهي بمقابض بلاستيكية.
وقد جعل صاحب المقهى من دُورها العلوي نزلا يبيت فيه رواد السوق الأسبوعي، فيتقاسم غرفه أبطال الحلقات من فرق عيساوية بما تحمله صناديقهم من أفاعي مع أولاد حماد أُموسى والقرادين وبائعي الأعشاب الطبية والمقامرين والعرافين الذين يستقبلون بها زبناءهم الراغبين في التستر لقضاء الحاجة بضرب المَنْدَل بعيدا عن تكتلات السوق الأسبوعي، فتكون المقهى خلال ليلة الإثنين في أوج نشاطها، وتمتزج فيها روائح الكيف والقهوة الممزوجة بالقرفة والإبزار والطاجين مع روائح الأرجل المنتنة. وفي وسط كل هذه الفوضى ترى صاحب المقهى منهمكا في عمله يحرس على عدم اندلاق الشاي على نار الموقد ويراقب الصغار حتى لا يدخلوا القطع النقدية الغير صالحة للتداول في المكان المخصص بدفع العشر سنتيمات لفتح بوابة تنزلق منها الكرات الخمسة لجولة البيار، ثم عليه أن يحذر النزلاء من التغافل عن ترك وابور الغاز النحاسي مشتعلا في إغفاءاتهم من تعبهم اليومي فتشتعل الحصائر المفروشات وتحدث الكارثة.
وقد حدث يوما أن كان من بين النزلاء فرقة موسيقية متنقلة بين الأسواق، وصادف جلوسها ببهو المقهى تواجد شابين كانا من فتوات المدينة فطلب أحدهما من الفرقة أن تعزف لهم أغانيها الشعبية، فتحلق حولهم جميع الرواد ودام السهر والطرب إلى ساعات متأخرة من تلك الليلة، فرقص شباب المدينة بكل همة ونشاط وأداروا بينهم القناني الحمراء وكرعوا الأقداح في غفلة عن صاحب المقهى، وطرقت أرجل البدويين الأرض بقوة في انتشاءاتهم بالموسيقى مدارين خجلهم تحت قلانيس جلابيبهم الواسعة. ولما شعر السي إدريس بأن الأمور قد تنفلت عن السيطرة أمر الجميع بالإنصراف إلى النوم فإعتلى أحد الشابين الطاولة الخشبية الكبيرة لينبه الجمهور إلى ضرورة دفع أجر للفرقة الموسيقية التي تجشمت عناء السهر، فتكرم الجميع بما استطاعوا إلا بعض البدويين القادمين من الأرياف القريبة رفضوا دفع أي درهم وتعنثوا في ذلك، فقام الشاب الثاني بلطم واحد منهم على وجهه ليحتدم العراك بين الإثنين وباقي البدويين فأبان الشابان عن خفتهما وقوتهما فأوسعا الجميع ضربا مقلدين في ذلك حركات أبطال أفلام الكونكفو والكراطي التي كانت تعرضها السينما المركزية. ولم تنفع صرخات النادل ولا تهديداته في لجم المتعاركين، فتكسرت مقاعد وطاولات وتهشمت نوافذ وكؤوس وأدمأت الأنوف وشجت الشفاه والرؤوس، وما انفضت المعركة إلا بعد أن انهدت قوى الفريقين فقام صاحب المقهى بطردهم جميعا دونما استثناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان المغربي عبد الوهاب الدوكالي يتحدث عن الانتقادات التي


.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية




.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال


.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه




.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو