الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إذا سادت الأمنيات في السياسة..سالت الدماء

عادل أسعد

2012 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


منذ بداية الأحداث في سوريا و حتى وقت قصير انشغل الفريق المعارض للنظام السوري بالتبصير و بضرب المندل و في قراءة الفنجان و استحضار كل أنواع التحليل السياسي لتقييم سعر سوريا لدى الروس ، و لتحديد الزمن الذي ستسلم فيه روسيا رأس النظام السوري إلى معارضيه . و اعتمد الفريق المعارض (و قسم كبير من الموالين للنظام السوري) في اثبات رؤيتهم عن تخلي الروس عن حلفائهم على مبدأ القياس مع حالات سابقة سقط فيها أصدقاء للدب السيبيري تباعاً بشكل مهين أمام عينيه و لم يحرك ساكناً بل نكس رأسه و صمت على مضض و غاص في التمني العاطفي بأن لا يطال "القنص" من تبقى له من الأحباب . لكن ، هل روسيا اليوم بقيصرها بوتين هي نفسها روسيا التي كانت عند ضرب صربيا ؟ و هل علاقة روسيا بسوريا هي نفسها التي كانت لها مع العراق و مع ليبيا ؟ من الواضح أن الاجابة الصحيحة عن كلا السؤالين هي النفي ، و من الواضح أكثر أن من تبنى قناعة سياسية تنتظر استسلام الروس في سوريا قد تسبب بشكل غير مباشر في اطالة أمد الصراع في سوريا و في سفك الكثير من دماء السوريين . و هذا الأمر كنت قد نبهت له مبكراً عندما كنت أول من وصف رؤية روسيا للصراع السوري بأنه حرب باردة بينها و بين أميركا و ذلك في مقال لي نشر في تاريخ 2011-09-06 تحت عنوان "سوريا الوسيلة..سوريا الغاية" لكن يبدو أن صوت الأمنيات العاطفية عند الفريق المعارض قد أصبح أعلى بكثير من نداء الوقائع السياسية فطغى على المعطيات المادية و غيب الحقائق الملموسة .
عندما زار وزير الخارجية الفرنسي الأسبق القيادة الروسية للتباحث معها حول الأزمة السورية التي كانت قد دخلت مرحلة تغيير النظام بالقوة ، عاد السياسي الفرنسي المتمرس بملاحظة مهمة جداً حيث قال : بأنه لم يشاهد الروس غاضبين بهذا الشكل منذ أحداث جورجيا . لكن هذه اللفتة السياسية ، و للغرابة الشديدة ، قد أهملت و لم تأخذ حقها الذي تستحقه في الاعلام ، و يبدو أيضاً أنها لم تخضع للتحليل و الدراسة كما يجب ان كان من رأس الهرم الغربي الذي يقود عملية اسقاط النظام السوري إلى القاعدة المثقفة للمعارضة التي أدمنت على نظرية السبعين في المائة من الأراضي السورية المحررة .
إن سلوك الروس السياسي يتميز بعدم التعقيد و بالمنهجية مقارنة بسلوك باقي اللاعبين الكبار، فهو نفسه لم يتغير منذ عقود و هذا له علاقة بالطبيعة و بالثقافة الروسية ، أي أن أنهم لا يبدلون كثيراً من أصدقائهم و من خصومهم ، و الأهم من هذا أنهم لا يعبرون عن غضبهم كثيراً و ان فعلوا فهم لا يتوارون عن القفز من الحلول الدبلوماسية إلى الحل العسكري كما حصل في جورجيا التي أغضب نظامها المدعوم من أميركا الدب الروسي . من الواضح أن أي من الدول الداعمة للمعارضة السورية لم تجشم نفسها عناء التوقف طويلاً عند تحليل ردود الأفعال الروسية بخصوص الملف السوري ، فبالرغم من تحذيرات روسيا المتكررة من محاولات قلب النظام السوري بالقوة و بالرغم من ترجمتها العملية لهذه التحذيرات بثلاثة فيتوهات إلا أن الأذان الأمريكية لم تسمع الرسالة ، و التجاوزات لم تتوقف بل طالت هذه المرة ما كان قد اتفق على احترامه . فقد قامت الولايات المتحدة مؤخراً أو أحد من لاعبيها (بمعرفة منها) بكسر قواعد الصراع في الملعب السوري مما استدعى تصريح من رئيس الأركان الروسي كشف فيه عن حصول الجماعات المسلحة في سوريا على صواريخ ستينغر الأميركية المضادة للحوامات و للطائرات المقاتلة التي تطيرعلى ارتفاع منخفض . ان ارسال هذه الصواريخ يعتبر تجاوز جدي لخطوط حمر رسمت بين الروس و الأمريكان !! فبالرغم من فوضى القتال في سوريا و عبثيته على مستوى الأرض و الميدان إلا أنه أكثر انضباطاً و وضوحاً على مستوى الكبار و قوانينه قد وضُعت بعدة اجتماعات عقدت بين القيادات الروسية و الأميركية بعيداً عن ضجيج الاعلام ، حيث تم فيها دراسة التسويات المقترحة و تحديد الأولويات و رسم الخطوط الحمر لكل طرف ، و من ضمن هذه الخطوط طبيعة و مدى التسليح المسموح فيهما ان كان للجيش السوري أو للمعارضة المسلحة .
في الحقيقة قليلة هي حالات الصراع التي احترمت فيها الأطراف المتنازعة كل الأطر المتفق عليها ، و نادراً ما بقيت الخطوط الحمر في مكانها و لم تزاح ، لكن مع شرط مهم و هو أن لا تتعدى التجاوزات الاقتصادية و العسكرية حداً حرجاً معلناً و معروفاًعلى المكشوف أو مفهوم ضمنياً بالخبرة السياسية التي تتوقع رد فعل الطرف المقابل . لكن الغريب في تعامل الأمريكان مع الروس منذ مرحلة ما بعد "مدمن الفودكا" الرئيس يلتسين هو الاستخفاف بردود الأفعال التي تبديها موسكو تجاه التجاوزات على ما بقي من ارثها السوفييتي الأمر الذي أفضى في النهاية إلى زيادة الاصرار عند الرئيس بوتين للتصعيد و إلى رفع وتيرة المواجهة . فلم يكن من باب المصادفة أن تكون شخصية عسكرية روسية (و ليست سياسية) هي من كشفت عن تسليم المعارضة السورية لصواريخ ستينغر ، مما يعني أن الرد قادم و سيكون عسكرياً أيضاً ، لتأتي الخبريات بعد أيام معدودة عن وصول سلاح روسي جديد إلى ميناء طرطوس في سوريا يشرف عليه جنود روس فقط ، و يعتقد بأنه صواريخ اس 300 التي كثر الحديث عنها و التي تستطيع اسقاط أي شيء يطير فوقها مهما كان متطوراً ، مما يعني سقوط أي امكانية لضرب الجيش السوري من الخارج ، و يعني زيادة التصعيد داخلياً لأن الاعتماد بات الأن بالكامل على مقاتلي المعارضة في عملية اسقاط النظام في سوريا ، و هذا ما انعكس تأثيره في سلسلة التفجيرات التي لم تتوقف و ضربت كل ما يمكن أن تطاله أيادي الحرية . كما تم اسقاط كل التحفظات السابقة فأرسلت المفخخات إلى الكنائس و الجوامع و ضُربت أماكن تمركز الأقليات كجرمانا و الست زينب في دمشق ، و خطفوا رجال الدين و من ثم قتلوهم و مثلوا بجثثهم . هذه التطورات الميدانية الساخنة رافقتها مواقف سياسية دولية أقل توتراً ، فأحدث تصريحات صدرت عن فرنسا تم التركيز فيها على أهمية الخط السياسي لحل الأزمة السورية ، و أضافت عليها المايسترو كلينتون فكرة انشاء هيئة جديدة تمثل المعارضة السورية في قطر مما يعني أن الدفة التي كانت تميل بهدوء للاعتماد على الحلول التي سوف تنفذها الوحدات العسكرية الأمريكية الموجودة في الأردن و تركيا في توقيتها المناسب قد دارت هي أيضاً باتجاه التيار السياسي الذي فرضته روسيا بردود أفعالها التي لم تدرس بشكل صحيح من الفريق المقابل .
ما زالت الادارة الأمريكية تقاوم فكرة أن حقبة القطب الواحد في طريقها إلى الزوال ، و ترفض الاعتراف بواقع سياسي عالمي جديد يطل برأسه و بأن الزمن يتغير حتى بالنسبة إليها. و قد عبر المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية رومني عن هذا التعنت عندما صرح في حملته الانتخابية بأن رؤيته كرئيس لأميركا تقوم على وضع حد لروسيا التي تحتل المركز الأول في قائمة أعداء الولايات المتحدة !! يمكن الاستنتاج بسهولة أن موقف رومني المتطرف هذا قد بني على المنحى الذي أخذته الأزمة السورية و على موقف روسيا منها ، مما يستدل منه أن الصراع السوري شديد الأهمية بالنسبة لأميركا و لروسيا معاً و بأن المعركة بينهماعلى الساحة السورية سوف تكسر المزيد من العظام و تسيل المزيد من الدماء . لكن ما يصعب التكهن به هو النهاية التي ستؤول إليها الأمور ما بين اصرار الجيش السوري المدعوم باصرار غير متوقع من الدب السيبيري و بين شحن عاطفي عند المعارضة المسلحة المدعومة بنزعة عاطفية عند أقوى دولة في العالم ترفض مجرد فكرة المنافسة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله