الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمن القصيدة

أسعد البصري

2012 / 11 / 1
الادب والفن



هذا صحيح الشعر تجربة شخصية بمعنى أنه يهدد حياتك كلها كشاعر شاب . هل تستطيع أن لا تُنجب كالمعري ودرويش و النواب ؟ هل تستطيع أن تضيع في الشوارع بين أناس عاديين جداً تتعلم منهم مشكلة الإنسان ؟؟ . لقد انتهت أجيال بأكملها بسبب استنساخ بعضهم بعضا ، يحملون حقيبة ويجلسون في المقهى و يطبعون دواوين ويكتبون في الصحف وربما يبحثون عن معجبات . هكذا ضاع العمر بلا تجربة تستحق الذكر . إن الشعر تضحية وليس نجومية ، إنك تخسر حين تقبل بهذا القدر ، هذا إذا قبلت بهذه المغامرة و دفعت بنفسك إلى لجة البحر حقاً في العاصفة . لا يستطيع الشعر أن يغامر بدلا عنك ، لا تستطيع أن تقول المغامرة في قصائدي لكنني هنا جالس بأمان ، هذا غير ممكن مستحيل . الشعر يفرض عليك تجربة جسدية ، يفرض الخطر والضياع والضلالة وإلا هو مجرد كلام فاشل بلا طاقة . هل ستتحمل رؤية أترابك و أقاربك يعملون و يشترون البيوت و قد أنجب كل واحد منهم سبعة أبناء ذرية صالحة رزق السماء وأنت مشرد من قرية إلى قرية ، ومن عشيقة إلى أخرى ، في الاربعين بلا آمال ولا بنين ؟؟ ، هل يمكنك ذلك ؟؟ . أم أنك ستدور في نفس البيدر الذي هو : مقهى + أمسية + صحافة + فضائية + جائزة أدبية + إعلام + طبع ديوان + أمسية + مهرجان + وفد إيفاد عن وزارة الثقافة + اتحاد أدباء + اتحاد صحفيين + خراب و تكرار موت الثقافة . نعم قرأت لك شعرك جميل بالنسبة لجيلك . اهتم بنفسك ولا يخدعنّك الضوء مع التقدير .
فربما الشعر لا يكمل الحياة كما يقول أدونيس ، بل ربما هو عدم قناعة بالحياة و عدم رغبة بها . تعبير عن دخولك زمناً ليس زمنك .
دليل على أنك عشت حياة رجل آخر ، وأن هذه ليست حياتك . اغتراب كبير يؤدي إلى هذا النوع من الحياة ، لأن كل محاولاتك الذوبان في الواقع تفشل . لأنك منذور للفقدان والخسارة والشعر .
نعم يبدو الشعر صعباً جداً هنا ، وهذا ما يجعل الشباب ينفرون مني . حتى لو شجعتهم فإنهم لا يصدقونني . نعم ، ماذا أفعل لكم الشعر صعب جداً . و ثرثرتكم مجرد تمارين بيتية . لقد تم التطاول على سعدي يوسف بسبب الجهل . حين تقرأه و تتأمل تجربته حقاً سوف تصمت . نعم سوف تصمت لن تشعر برغبة بالكلام . إنها تجربة كبيرة جداً , مغامرة بمعنى الكلمة .

إننا حقاً لا نرى سوى الجانب الصاخب من القصيدة . لا نرى مظفر النواب في الستين يتجول مع صبيان لا يعرفهم في دمشق . وحين يودعونه آخر السهرة يخرج النواب من البار ليقف وحيدا في شارع الصالحية . يقف أحيانا ساعة كاملة لا يعرف أين يذهب كأن في شقته وحشاً سيلتهمه أو خبراً سيّئاً لا يريد معرفته . الوحدة والمصير المأساوي للشعراء عبر التاريخ في شقته . لا أحد يرى محمود درويش آخر أيامه في محطة الباص بلندن . يكتب عن المسرعين أبدا في شوارع الدنيا وهم يتطلعون إلى ساعات اليد . يكتب عن الحياة كمحطات الباصات لا أهل ولا وطن ولا ولد يمسك يده . لا أحد يفكر ب سعدي يوسف في الثمانين يسقي حديقة المنزل بلندن . يذهب على وهن إلى البار وقد يتوقف في الحديقة العامة ليبكي قليلا . قد يجبره المطر الإختباء في محطة الباص لدقيقة . قد ينزلق في الثلج وينهض كطفل . قد يرثي نفسه كمالك بن الريب هنا على جسر إنكليزي قديم ويقفز منتحرا . لا أحد يريد أن يرى تضحية الشعراء
فقط ينظرون إلى النجومية والشهرة السخيفة . الكل يريد كتابة قصيدة وينتظر التصفيق من جهلة مثله . الكل يريد القصيدة دون أن يعرف ثمن القصيدة .

إن كراهيتي لمسوخ الثقافة ليس لها حدود . لقد فتحوا مواقع أدبية لإهانة الشعر و تحويله إلى رقصة كاولية و شهادات زور و شراء ذمم . مسوخ لوثوا الثقافة العراقية آخر معقل للحقيقة والفرار الروحي .
لقد كان تطهير النهر من هذا التصريف الصحي وفئرانه واجبا قوميا
. الكلام كثير حين تنعدم الموهبة .

إن ما أرتكبه و أقوم به أنا نفسي لا أفهم ضرورته . إن المواقف التي تفرضها الثقافة . لا يستطيع تفسيرها الأشخاص حتى لو قاموا بها .
الإيمان نعم الإيمان هذا أقل ما يطلبه الشاعر من شعبه وإلا لا يمكنه الإخلاص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة