الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب والعاصفة 22

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 11 / 1
الادب والفن


12
إنخطاف

دقات على الباب.
فتحت عينيّ بشيء من الخوف، وفي الوهلة الأولى، ظننت أنني ما زلت في ذلك البيت، ثم سرعان ما تذكّرت كل ما جرى مساء أمس.
هببت من الفراش على وقع دفعة أخرى من الدقات واقتربت من الباب.
"من؟" سألت.
فجاءني جوابه مطمئنا: "لا تخافي. هذا فقط أنا."
كنت على وشك أن أفتح له الباب... حين انتبهت فجأة الى ثيابي.
"إنتظر لحظة يا سامر." قلت ثم أسرعت للبس ملابسي وعدت لفتح الباب.
وقف أمامي وابتسامته الدافئة تزيّن ملامح وجهه. "صباح الخير." قال.
"صباح النور. تفضّل." أجبته.
دخل الى الغرفة فأغلقت الباب وراءه.
"هه؟ كيف نمت ليلتك؟" سألني.
أجبته وأنا أمرّر يدي على خصلات شعري المبعثر: "جيد. ولكنك لم تدعني أكمل نومي طويلا!"
"أكنت نائمة الى الآن؟! أتعلمين الساعة الآن؟ قد أشرف الوقت على الظهر."
نظرت الى الساعة في معصمي. "يـاه!" هتفت. ثم فسّرت قائلة: "لقد تأخّرت كثيرا في النوم ليلة البارحة."
سأل مستفهما: "ألم تعجبك الغرفة؟"
"لا، لا، ليست الغرفة." قلت مدافعة عن الغرفة التي استأجرها لي في أحد الفنادق في مدينة بعيدة.
"اذن ماذا؟" تعجّب. وبعد لحظة، سأل: "هل يراودك الندم؟"
"لا، أبدا. طبعا لا." أجبته. "ولكن... لا أدري لِم تعذّر علي النوم ليلة البارحة. ربما لأني كنت أفكّر أكثر مما ينبغي. بقيت راقدة في الفراش طوال الليل، ثم غفوت أخيرا عند اقتراب الفجر."
"لا بأس. سيكون لديك متّسع من الوقت لتكملي ما فاتك من النوم. والآن، هيا بنا. لنذهب."
"الى أين؟"
"الى السوق. سنستمتع ببعض التسوّق."
بعد دقائق، كنا معا نمشي جنبا الى جنب نتأمّل المحلات التجارية لاختيار ملابسي الجديدة واقتناء احتياجاتي الأساسية الأخرى. وهكذا، انقضت ساعات دون أن نحسّ بها حتى بدأ الجوع بلحّ علينا، فاقترح سامر تناول غداء متأخّر في أحد المطاعم.
"ما رأيك،" قال لي حين جلسنا بانتظار وصول أكلنا. "أن نقضي اليوم كله معا؟"
سألته بفرحة واضحة: "ماذا تقترح؟"
"سآخذك الى أماكن رائعة في المدينة وألتقط لك صورا جميلة في مناظر خلابة. ثم نذهب في المساء الى السينما. هناك فيلم ممتاز ستحبينه قطعا."
إبتسمت له وأنا أحسّ بالبهجة التي تغمر قلبي: "يسعدني ذلك." قلت.

* * *

حين عدنا الى الفندق كانت الساعة قد أشرفت على منتصف الليل. فتحت باب الغرفة ودخلت لوضع أكياسي المليئة بمشترياتي على جانب من الغرفة. لاحظت أن سامر بقي واقفا لدى عتبة الباب.
"ألن تدخل؟" سألته متعجّبة.
رأيته واقفا مترددا في مكانه، ثم أجابني بصوت هادئ، مرتبك: "... لقد تأخّر الوقت. ربما ينبغي..."
لم يكمل. وكأنه أراد في نفسه ما لا يقوله لسانه. نظرت إليه طويلا دون أن أدري ما أقول. أحسست في داخلي أني أريد نفس الشيء.
قلت أخيرا: "لا بد أن تأخرّك على البيت سيثير التساؤلات... وربما يجلب لك المشاكل؟"
"لا‘ ليس هذا." أجاب نافيا. ثم أضاف: "أمي لا تقيّد حريتي كثيرا في هذه الأمور. إنها واثقة مني."
"إنها سيدة رائعة. إنك محظوظ بها." قلت.
"فعلا. معك حق."
إقتربت منه وابتسامتي تدعوه الى الدخول: "ما رأيك أن نشرب بعض العصير على الشرفة؟ إن منظر المدينة في الليل غاية في الجمال." قلت.
وقفنا على الشرفة الصغيرة نتأمّل منظر المدينة البديع ونشرب العصير الذي طلبته من خدمة الفندق.
كانت أمسية جميلة، خلابة، ورائحة الأشجار المحيطة بالفندق تعبق في الهواء، وهدوء الليل يلفّنا بسحر عجيب.
"يـاه!" قلت وأنا أشدّ من صدري نفسا عميقا. "أتعلم؟ هذه أول مرة أحسّ بطعم السعادة. أحسّ كأني أتنفّس الحرية مع هذا الهواء البارد الذي لا أشعر ببروده."
نظر اليّ سامر بنظرة تحمل شتى المعاني، وسأل: "ألن تندمي؟"
"أندم؟ على ماذا؟" تعجّبت.
"على ما فعلت."
"كيف أندم؟ لقد هربت من سجني وقيودي سعيا لتحقيق حريتي. هربت من التعاسة التي كانت بانتظاري تتربّصني، أملا في نيل السعادة."
أخذ رشفة من عصيره وهو يزن كلامي، ثم قال دون النظر اليّ: "لقد قمتِ بعمل جريئ جدا. ليس من السهل أن يترك المرء بيته وعائلته ويهرب الى المجهول."
فكّرت في كلامه بصمت، ثم قلت: "لقد كنت جبانة طوال حياتي، أنفّذ أوامر الآخرين، وأخضع للقوانين المفروضة عليّ بمنطق وبغير منطق. كم كنت ضعيفة. وضعفي كاد يحطّم حياتي. ولكن..." توجّهت اليه وأنا أتابع: "بعد أن تعرفت عليك أحسست بحماقتي. ترددت كثيرا وفكّرت طويلا، الى أن توصّلت الى الإستنتاج أن عليّ وضع حد لهذا الظلم... والقهر. قررت أن أكون قوية لأقول: لا!! ولو مرة واحدة في حياتي."
أنصت اليّ سامر بإمعان. لم يعلّق بشيء.
تابعت بعد وهلة وأنا أهزّ رأسي بحسرة: "وهذه اللا هي التي فتحت علي باب العاصفة. لقد كنت شاهدة على التغيّر الكبير والعجيب على تصرّفات أخي معي كما لم أشهد من قبل. لم أتصوّر يوما أنه سيواجهني بهذا الإصرار وهذا التعنّت القاهر، ولم أعهد فيه هذا القدر من القسوة التي فاجأتني بل أذهلتني. لقد كان طوال حياته حنونا ورقيقا معي ومع فادية. كانت خشيته علينا كبيرة وسعيه دائما لتوفير كل مستلزماتنا وطلباتنا. أقسم إني أحببته أكثر مما أحببت والدي! ثم... بعد أن انتزعت من نفسي كلمة لا أخيرا، فجأة، انقلب وتحوّل كل هذا التحوّل."
"لا ترهقي نفسك بالتفكير، يا هنادي. فعلت ما كان عليك فعله." قال محاولا تهدئتي. "عليك الآن أن تحاولي أن تكوني سعيدة."
قلت دون تردد: "أنا سعيدة جدا. حقا أنا سعيدة. ولا أدري كيف يمكنني أن أشكرك على مساعدتك لي."
"لا تشكريني." قال بنبرة صادقة. ثم اقترب مني بخطوة وهو يثبت نظرة عميقة الى عينيّ. "لم أفعل شيئا كي تشكريني. إنما فعلته... لأني أحبك."
أحسست بموجة من الدفء تغمر جسدي. وقفت أحدّق في عينيه اللامعتين، الجميلتين، وقلت بصوت هادئ: "وأنا ايضا. أحبك."
شعرت به وهو يقترب مني أكثر، وفي لحظة انخطاف غير قابلة للتكرار، ودون أن أعيَ ما يحصل... أطبق قبلة على شفتي، قبلة دافئة... عذبة... عطشى... أيقظت في نفسي شعورا جميلا بالنشوة التي لم أعرف مثلها في حياتي، نشوة انتشرت سريعا في كل أنحاء جسدي وجعلت قلبي يطنّ من فرط انفعاله.
بعد لحظات... كان يتأملني بنظرة نقية وعلى وجهه تعلو ابتسامة فيها شيء من الإرتباك، ثم قال هامسا: "كم كنت أتوق لفعل ذلك منذ زمن!"
أجبته بصوت هادئ جدا: "وأنا أيضا."
ثم أمسك بذراعيّ وابتسامته تتّسع على شفتيه واحتضنني بحرارة حتى استطعت أن أحسّ بضربات قلبه المتسارعة ودفء يديه الذي يملأني بشعور جميل بالأمان والسعادة ولم تكن بي رغبة سوى البقاء في حضنه.
بعد دقيقة او اثنتين... ابتعد عني برفق ووقف مدة يمدّني بنظرة رقيقة. ثم قال: "عليّ الذهاب الآن."
عدنا الى الداخل يدا بيد دون أن ننطق بحرف واحد. ثم توقّف لدى الباب وتوجّه اليّ دون كلام.
سألته: "متى سأراك؟"
"غدا. سآتي اليك بأسرع ما يمكن."
"ألن تذهب الى الجامعة؟"
"أجل. عليّ الذهاب الى هناك ثم آتي اليك. وإن لم أستطع في الغد فبعد غد."
تعجّبت حائرة: "وهل سأبقى هنا طوال هذا الوقت؟"
"حبيبتي، عليك البقاء هنا لبعض الوقت، ثم نرى ماذا نفعل."

ثم ترك سامر وبقيت وحدي في الغرفة.

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف