الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الأغلبية والأقلية في الديموقراطية

محمد محبوب

2012 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يقول باسكال سلان في كتابه (الليبرالية) ان الاستبداد الديمقراطي يمثل خطرا قائما باستمرار، ذلك انه من المحتمل جدا ان تتعرض أقلية ما لهضم حقوقها من طرف أغلبية ما وهذه المشكلة واجهت مفكرو الليبرالية الديمقراطية بعد ان أقروا قبولهم لمفهوم الاغلبية من حيث المبدأ ولم يميزوا في البداية بين أغلبية متغيرة (سياسية) وأخرى ثابتة (عرقية او مذهبية) ثم أهتدوا الى ماأسموه بالديموقراطية التوافقية التي تضمن لجميع المكونات الاجتماعية المشاركة في السلطة، وهي تتلاءم مع ظروف الدول التي ينتمي مواطنوها الى مجتمع متعدد الثقافات الى قوميات واديان او مذاهب مختلفة.

في البلدان التي يتوفر فيها تجانس قومي وديني ومذهبي، فانها لاتواجه ازمات كبيرة عند الاخذ بخيار الاغلبية المتغيرة (السياسية) لانه سوف تستطيع الاقلية السياسية اذا ما احسنت اللعبة الانتخابية من التحول الى أغلبية سياسية وبالتالي سوف تتحول من المعارضة الى الحكم، ويترتب على ذلك انتقال الاغلبية السياسية (سابقا) الى أقلية سياسية تجلس في مقاعد المعارضة، كما هو الحال في الكثير من الدول الديموقراطية في العالم.

وفي البلدان ذات التعددية الثقافية (عرقية، مذهبية ) فانها تظل محكومة على الدوام بمعادلة غير متكافئة (الأغلبية الثابتة مقابل الاقلية الثابتة) ولاتوفر فرصة لقلب هذه المعادلة او تغييرها نظرا لطبيعة الواقع الديموغرافي، والاخذ بالاغلبية الثابتة (العرقية أو المذهبية) يتناقض في الواقع مع روح الديموقراطية، لان الاقلية هنا سوف لن تتحول الى أغلبية في يوم من الايام ولن تشارك في الحكومة ويكون دورها في تشريع القوانين هامشيا بحكم كونها أقلية في البرلمان، ومن الممكن ان تتعرض للقهر والاضطهاد ومن هنا جاء تحذير باسكال سلان حول الاستبداد الديموقراطي الذي اشرنا اليه في بداية المقال وهو ما حدث فعلا في كثير من المجتمعات التي تبنت الديمقراطية مثل بريطانيا ( قهر الاغلبية الانجليزية للاقلية الايرلندية)، واسبانيا (قهر الاغلبية الاسبانية لأقلية إلباسك) والهند ( قهر الاغلبية الهندوسية للاقلية المسلمة مما أدى إلى انفصالها عن الهند وتأسيسها لدولة باكستان ثم بنغلادش) والامثلة كثيرة في هذا المجال.

الديمقراطية التوافقية توفر حلا ملائما للعديد من الدول التي تنتمي شعوبها الى قوميات واديان ومذاهب مختلفة ولاسيما تلك التي تعاني من احتقانات اجتماعية تتعلق بالعدالة في توزيع السلطة والثروة، وتكاد الدول العربية كلها تعاني من مشاكل في هذا المجال، ففي دول شمال أفريقيا تعيش أقليات من الامازيغ الذين يمثلون السكان الاصليين لهذه البلدان قبل الفتح الاسلامي، تماما مثل حالة المسيحيين الاقباط في مصر، ويكاد التنوع الثقافي يكون صفة مميزة لبلدان المشرق العربي، حيث تعيش الكثير من المكونات الاجتماعية المختلفة منذ مئات او آلاف السنين.

العالم العربي يعيش اليوم أزمة حقيقية في قدرته على بناء دولة المواطنة التي لا تميز بين المواطنين وفقا لانتماءاتهم العرقية او الدينية او المذهبية، فالاغلبية الثابتة في دول شمال افريقيا مازالت تهيمن على الحكم وتمارس احيانا سلطة قهرية ضد الاقليات هناك مثل الامازيغ والاقباط حتى في البلدان التي حدثت فيها تحولات ديموقراطية مثل مصر وتونس وليبيا، وفي دول المشرق العربي كانت الأقليات تستحوذ على السلطة في لبنان والعراق قبل ان يتحولا الى مرحلة الديموقراطية التوافقية، ومازالت الاقليات تفرض سطوتها وقهرها على الاغلبية في بلدان مثل سوريا والبحرين، وفي اطار التحولات التي يعيشها العالم العربي برزت أحتجاجات شعبية واسعة واجهتها حكومة الاقلية بأساليب قهرية قمعية ، وتحول الصراع في سوريا الى حرب أهلية طاحنة سقط فيها حتى الآن أكثر من ثلاثين ألف قتيل فضلا عن الجرحى والمفقودين والخسائر المادية الجسيمة، واذا لم تحدث تحولات ديموقراطية في البحرين من خلال اتباع نظام الديموقراطية التوافقية الذي يضمن مشاركة مكونات المجتمع البحريني جميعا في السلطة، فأن الاحتجاجات الشعبية سوف تتواصل وربما تسقط البلاد في اتون الحرب الاهلية.

للأسف لم يتعلم العالم العربي من الحرب الأهلية في لبنان وظلت الفئات الحاكمة سواء كانت أقلية أم غالبية تمارس القمع وتكميم الافواه ضد المكونات الاجتماعية الاخرى لسنوات طويلة، والطامة الكبرى هي انها تحاول تزوير الحقائق الديموغرافية وتضليل الرأي العام ، ففي العراق حاول النظام الدكتاتوري المباد أعطاء صورة مغلوطة للخارج عن التركيبة الديموغرافية في البلاد عبر تصويره الشيعة والاكراد بصفتهم أقليات قليلة تعيش في أقاصي جنوب وشمال العراق.

ومن خطل القول ان الاحتلال الاميركي للعراق قد أفرز الاحتقانات العرقية والطائفية التي يعاني منها العراق منذ العام 2003 والزعم انها لم تكن موجودة قبل ذلك، هذه الاحتقانات كانت موجودة من عشرات ومئات السنين وليست نتاجا للاحتلال، تعيش في العراق مكونات أجتماعية متعددة (قومية ودينية ومذهبية) وقد تحررت من الخوف والقمع الذي كان سائدا قبل عام 2003 وصارت تطالب بصوت عال بحقوقها في المشاركة بالعمل السياسي والثقافي والاجتماعي ولم يعد ممكنا ان تظل أقلية ثابتة او حتى أغلبية ثابتة تمارس الهيمنة والتفرد بالسلطة.

وفي ظل الاحتقان العرقي والطائفي بعد عام 2003 لاتتوفر امام العراق الكثير من الخيارات المتاحة سوى الديموقراطية التوافقية التي اتخذت عناوين متعددة مثل المحاصصة او الشراكة الوطنية وغيرها.

برغم العوامل الايجابية التي توفرها الديموقراطية التوافقية في ضمان مشاركة مكونات المجتمع في السلطة وتحاشي استئثار الغالبية الثابتة على الحكم ، إلا انها تجعل الاداء الحكومي والبرلماني بطيئا ومتعثرا وأحيانا مشلولا كما هي الحالة في العراق اليوم ، والانتقال السريع من الديموقراطية التوافقية الى ديموقراطية الغالبية السياسية يتطلب الابتعاد عن تشكيل كتل انتخابية على اساس عرقي او ديني او مذهبي.

الاستقطاب القومي والمذهبي الذي يتكون منه البرلمان العراقي اليوم، التحالف الوطني (شيعة) القائمة العراقية (سنة) والتحالف الكردستاني (كرد) لن ينتج لنا حكومة أغلبية سياسية، لأن الانتقال من الغالبية الثابتة الى الغالبية السياسية المتغيرة يتطلب في رأينا تحديد نسبة (كوتا) تصل الى 50 بالمئة لضمان التنوع المكوناتي في الكتلة السياسية، ولن يكون هذا الخيار سهلا في البداية لكنه يظل هو أفضل الخيارات المتاحة لتحقيق حكومة أغلبية سياسية تنتجها كتلة برلمانية وطنية عابرة للقوميات والمذاهب والاديان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب