الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يترك المثقفُ شعبه غافلاً ؟

مهدي بندق

2012 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


هل يترك المثقفُ شعبه غافلاً ؟


كان لمفكرنا المصري الراحل د. زكي نجيب محمود تعريف للمثقف، يقول إنه من يدرك الفوارق الدقيقة ، والرقائق الرقيقة بين ما يبدو متشابهاً عند غيره من الناس. فالشخص العادي قد يعرف أن هناك مسلمين ومسيحيين، وربما يسمع عن وجود ما يسمى باللبراليين والماركسيين .... الخ لكنه قد لا يميز بدقة بين المسلم السني والمسلم الشيعي، ومن باب أولى فهو لا يٌعني بالتمييز بين الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية، والاثنى عشرية .. الخ. كذلك تراه لا يفرق بين مسيحي أرثوذكسي ومسيحي كاثوليكي وثالث من البروتستانت. وأما الماركسيون فهم جميعاً عندي شيوعيون، لا فرق عنده بين ماركسي ستاليني وآخر تروتسكايت، وثالث ماويّ.
المثقف يعرف تلك الفروق، وعلى أرضيته المعرفية هذه يمكنه أن يسبر غور كل فريق، وأن يتفهم خطوطه الفكرية والسياسية، وأن يستبصر توجهاته وآفاقه الإستراتيجية، فيقيّم تلك الفروق التقييم العلمي الصحيح، مشيراً لشعبه بما يراه صواباً فيها أو خطأ. بل وينحاز طبقياً إلى الكادحين كما يطالب بذلك أنطونيو جرامشى وسارتر .
ولعل كل من يعمل عملاً ذهنياً متصلاً بالشأن العام في مصر قابل بهذا التعريف. بيد أن المشكلة تكمن في أن معظمهم ( ربما كسلاً أو تقية ) يعمد لتقليص دوره المفترض حين يواجه بأحداث فارقة مثل حركة 23 يوليو 1952، وهزيمة حزيران 6719، وغزو العراق للكويت 1989 وغزو أمريكا للعراق 2003 وأخيراً صعود التيارات الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي2010. وهو ما يفسر ضعف إسهامات المثقفين المعرفية في التنظير لقضايا المصير هذه خاصة الحالّة منها وتسجيل رؤيتهم لها ومواقفهم منها.
اليوم تقف على رأس هذه القضايا تناقضات المنظمات الإسلامية مثل الأخوان المسلمين والتيارات السلفية وتنظيم القاعدة ومنظمة حماس، وهي جميعاً تتقارب حيناً وتتقاطع أو تتنافر أحياناً دون أن تحتويها وحدة سياسية بله رؤية فكرية موحدة . وهي تناقضات لا غرو تؤدي إلى أوخم النتائج .
وكنوع من التدريب العملي فلندعُ مثقفينا لإجراء اختبار عاجل لقضايا ثلاث أولها توضيح مغزى معارضة السلفيين للإخوان في مسألة الدستور وما ستقود إليه المواجهة ، وثانيها تحليل وتقييم المراد "عملياً " بانتقاد "الظواهري" زعيم القاعدة للرئيس مرسى (الأخواني) مشككاً في موقفه من الجهاد لتحرير فلسطين، وفي جديته لإقرار حكم الشريعة في مصر، معلناً توجسه من إضمار مرسي لنية المشاركة في الحرب ضداً على إيران فضلا عما تسميه أمريكا الإرهاب [ أي التنظيمات الدينية المتطرفة وبينها طبعاً تنظيم القاعدة ] ويتعلق ثالثها بمعطيات الغضب الحمساوي (المكبوت حالياً) من رئاسة مصر التي صارت تبدي مظاهر الود تجاه العدو الإسرائيلي، بينما تتباعد كل يوم عن حليفتي حماس الإستراتيجيتين : سوريا وإيران .
وكتمرين عقلي مضاف ينبغي للمثقفين درس طبيعة تلك التنظيمات واستشراف مستقبلها على ضوء وصول بعضها إلى السلطة عن طريق الانتخابات بما يعني شرعيتها ! وفي خضم هذا الدرس سيكون على المثقف أن يوضح لنا موقفه من تلك الفكرة المضللة التي تزعم أن الديمقراطية هي مجرد انتخابات من دون وجود الأساس الفكري للديمقراطية ، والذي هو الاعتراف الصريح والفعلي بأن الشعب هو مصدر السلطات وبما يعني ترسيخ مبدأ المواطنة والمساواة وتداول السلطة، ذاكراً أن الفاشستية والنازية والخومينية تسنمت عروشها بواسطة انتخابات كانت مجرد إجراءات شكلية تهتبل فرصة جهل الناس بمضامين الديمقراطية، لكي تثب على السلطة وثبةً لا تنزل بعدها أبداً عن صهوتها.
لنستعد معاً موقف المثقف القومي لإحدى تلك المنظمات – ولتكن حماس على سبيل المثال– في خطتها لتحرير فلسطين .. هل كان ذاك المثقف يتصور أن قادة حماس الذين يلتزمون بفرائض الدين، يمكن أن يسحلوا في الشوارع أخوة لهم مناضلين ضد ذات العدو، وأن يمثلوا بجثثهم، وأن يلقوا بهم أحياء مقيدين من أسطح العمائر؟! وهل التفت المثقف العربي لكون الإجابة عن هذا السؤال موجودة في الميثاق " الحماسىّ " المادة 27 ؟ فماذا تقول هذه المادة ؟
تقول كلاماً إنشائياً حول الأخوة والأبوة التى تحكم علاقتهم بمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنها تؤكد رفضها لنهج المنظمة العلماني ( = الكافر ! ) داعية الله لها بالهداية والرشاد ! والمسكوت عنه في هذا النص واضح تماماً، ومعناه أن منظمة التحرير إذا لم تهتد ولم ترشد ( = أن تتبع خطى حماس ) فهي ضالة كافرة، وما جزاء الضلال والكفر إلا القتال والقتل والسحل! أما المادة التاسعة فتحدد بوضوح أهداف الحركة في إقامة دولة دينية غايتها نشر العقيدة بقوة السلاح، ليس في فلسطين حسبُ، بل وفي العالم بأسره، وهى في هذا تسير على هدى الشيخ سيد قطب الأخواني صاحب كتاب "معالم في الطريق" الذي دعا فيه الى محاربة روسيا وأمريكا وأوروبا واليابان والصين، وأفريقيا حتى يدخل أهلها في دين الإسلام (راجع معالم ....ص 98 ، 99 دار الشروق ط 15 – القاهرة 1992) ولأن حماس تعد نفسها جناحاً من أجنحة الأخوان المسلمين (المادة الثانية من الميثاق) فلا يستغرب منها إن اتبعت خطى مفكرها الراديكالي قطب، بل وأن تضع أفكاره موضع التنفيذ، دون التفات الي النتائج الكارثية التي سوف تتمخض عن هذا الإعلان الحماسي القطبي، والتي ستحيق حتماً بالشعب الفلسطيني أولاً ثم بالشعوب العربية من بعده. وهى لا تنسى في غمرة وهمها بأنها ستحقق النصر على دول العالم المعاصر بأسره – أن تذكّر بأن البلاد التي سوف تفتحها إنما ستكون ملكاً لدولتها (حق رقبة) وأما أصحابها الذين سيظلون أحياء بعد الغزو الحماسىّ فليس لهم من أرضهم إلا حق المنفعة (المادة11)
إن تفنيد دلالات مثل هذا الميثاق وغيره من أدبيات تلك التنظيمات ليعتبر من أولى وظائف المثقف الحقيقي ، بحيث يُعد الازورارُ عن نقده وتفنيده بمثابة تسليم الشعب غافلاً عما ينتظره جراء غياب الوعي السياسي المرتكز على ثقافة أصيلة لا غش فيها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النخبة المفسَدة و محنة الهوية المصرية
عماد عبد الملك بولس ( 2012 / 11 / 2 - 17:15 )
تحية لك سيدي

لكي تطالب الشخص بأداء دوره نحو مجتمعه، لابد أن يدرك ذاته، و يدرك مجتمعه و يدرك دوره

نحن مرضي هوية أي لا ندرك ذواتنا و انتماءاتنا و كياننا

المجتمع تائه و لا يعلم ماذا يريد و يخاف أن يعمل لئلا يُسرَق و يُستَغَل و يُخدَع كالعادة و اللص متربص بنا دائما لأننا متفرقين

أما الدور الثقافي، فحدث و لا حرج، من المثقفين من يبيع، و منهم من يتطرف، و منهم من يتغرب، و الكل متفرق

نحن يا سيدي أمة تتفسخ و تتحلل بسبب المرض الثقافي الذي يجعلنا لا نفهم ذواتنا و لا نعلم ماذا نريد و لا نتحد و يصطادنا اللصوص دائما و الخادعون و النصابون، و لا نواطير هناك

ربنا يتولانا
تحياتي

اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات