الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس يناشد الفاسدين ويهددهم بثورة جديدة!!

هانى جرجس عياد

2012 / 11 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قبل عدة سنوات، قاد الزعيم الكوميدى الليبى الراحل معمر القذافى مظاهرة حاشدة طافت شوارع طرابلس العاصمة مطالبة بإصلاحات فى جهاز الدولة. كان مشهدا كوميديا بامتياز، حيث لم يعرف أحد لمن يوجه رئيس الدولة وزعيم الثورة مطالب الإصلاح هذه.
وبفعل تزاحم الأحداث والمشاهد، وبحكم أن للذاكرة البشرية –أيضا- مساحة محدودة، مهما كانت كبيرة، فقد سقط مشهد «العقيد قائدا لمظاهرة» من الذاكرة، أو هكذا تصورت أنا. لكنه سرعان ما قفز من غياهب النسيان إلى مقدمة الذاكرة، وأنا أستمع إلى الرئيس محمد مرسى فى أسيوط، يؤكد «إنه لن يتردد فى دعوة الشعب إلى ثورة جديدة لمواجهة الفساد والفاسدين»!! عندها تخيلت الرئيس محمد مرسى يقود الملايين الزاحفين إلى ميدان التحرير مطالبين بمواجهة الفساد والفساد، لكننى أيضا، ومثلما كان الحال مع مظاهرة العقيد الليبى، لم أجد إجابة على سؤال «مطالبين مين»؟ فغلبت الكوميديا السوداء على المشهد، فالرئيس المنتخب ليس بوسعه تقديم المتهمين بالفساد إلى محاكمة عادلة، ولا يملك سوى تهديدهم بثورة جديدة يدعو إليه بنفسه!!.
يمكن للمتابع العادى أن يرصد الكثير من السمات التى التى طبعت حكم الرئيس محمد مرسى، لكن سمتين اساسيتين تبدوان أكثر اقترابا بموضوعنا.
الأولى أننا نعيش عصر الرئيس الفقيه أو الرئيس الداعية، وفى أغلب الأحيان يتراجع دور الأول (الرئيس) لصالح طغيان الثانى (الداعية أو الفقيه)، فلا يعود أحد يعرف هل انتخب المصريون رئيسا أو أنهم اختاروا إماما!!.
فى خطابه «الأسيوطى» يوجه مرسى تحذيرا لمن يحصل على الأموال بالفساد بأنه «مفيش حاجة بتستخبى»، وكأنه ليس لدى الرئيس أجهزة رقابية، فيعتمد على ما يتداوله الناس من حكايات و«مفيش حاجة بتستخبى»!! ثم يقول «الباب مازال مفتوحاً لمن تهرب من ضرائب الوطن أن يدفع، ومن قام بفساد أمامه فرصة ليعود إلى الطريق القويم»، ثم يدعو «من وضعوا أيديهم على الأراضى فى مصر بأن يكفوا عن الفساد»، ويعلن رقم حساب بنكى «يمكن لكل من استفاد من الفساد والمال العام أن يضع الأموال التى أخذها فيه»، مؤكدا أن الله «يقبل التوبة»، ثم مفتيا «أن هذا لا ينفى ضرورة الحصول على الحقوق القانونية والدستورية»، دون أن ينسى طمأنة الفاسدين، فيما يبدو وكأنه عودة إلى دوره الرئاسى، بالتأكيد «أن الدولة المصرية لن تخالف أى التزامات تعاقدية عليها».
أما المجرمون القتلة فى سيناء، الذين استباحوا دماء جنودنا، ووجهوا رسائل تهديد لمسيحيى رفح، فيقول عنهم «الرئيس» محمد مرسى «أبنائنا الذى يفكرون خطأ ويتجمعون فى سيناء»، معتبرا أن «بعضهم لا يفقه ولا يعرف وإن كان لديه الإخلاص»، ويطالبهم بالعودة إلى «حضن الوطن والخوف من الله مثلما يقولون»، وبأن يكونوا جزءاً من نسيج الوطن!!. ولا تعليق، سوف نعتبر أن الرئيس يتحدث بصيغة الجمع «أبناؤنا» من باب التفخيم، أو ربما يقصد نفسه والجماعة التى ينتمى إليها، ومن حقه أن يعتبر المجرمين القتلة أبناء له ولجماعته، ويدعوهم إلى التوبة والعودة إلى حضن الوطن، ولا غرابة فى ذلك سوى أن الرئيس، على ما يبدو، خلط بين الوطن والجماعة، فالصحيح أن يدعوهم للعودة إلى حضن الجماعة!!.
المفارقة أن الرئيس الأسبق أنور السادات، وهو الأب الروحى والراعى الرسمى للجماعات المتأسلمة، وفى القلب منهم الإخوان المسلمين، كان هو صاحب لقب «الرئيس المؤمن» بينما الرئيس الحالى محمد مرسى يبدو وكأنه التطور الطبيعى للرئيس المؤمن، فيتحول إلى رئيس داعية، يناشد الفاسدين التوبة وإرجاع الأموال التى نهبوها وسرقوها، ويدعو المجرمين للعودة إلى حضن الوطن.
أما المفارقة الأشد مرارة أن يستدعى خطاب الرئيس مرسى، إلى الذاكرة، الزعيم الليبى والرئيس المؤمن.
ثم تبلغ المفارقات إحدى ذراها المأساوية، عندما تجد نفسك فى مواجهة سؤال: هل هذا رئيس دولة أقسم (ثلاث مرات) على احترام الدستور والقانون؟، أم أنه داعية يدعو الناس إلى التوبة والعودة إلى الله؟
هذا السؤال، تحديدا، يقودنا إلى السمة الثانية الأبرز التى تميز بها «عصر الرئيس مرسى» وهى علاقة الرئيس بالقانون والدستور.
لقد انتهك الرئيس الدستور والقانون فى موقعتين بارزتين (حتى الآن، وربنا يستر)، الأولى قرار إعادة مجلس الشعب (لاحظ أن مجلس الشعب حتى لو استمر قائما بقرار الرئيس، سيبقى بلا قيمة حقيقية ولا عمل يمارسه، فهو مجلس باطل بحكم المحكمة، لكن يبدو أن الهدف كان فقط كسر هيبة القضاء)، والثانية تعيين النائب العام سفيرا، فى قرار يتعامل مع القانون بأسلوب محاميى «بير السلم» الذين يجيدون النفاذ من ثغرات قانونية بهدف انتهاك القانون، حيث لم يصدر الرئيس قرارا بإقالة النائب العام، وهو لا يستطيع ذلك، إنما بتعيينه سفيرا، يعنى إقالة رغم أنف القانون.
وإلى جانب هاتين الواقعتين، مازالت الجماعة الخارجة على القانون، والرئيس عضو فيها، تمارس عملها رغم أنف القانون والدستور، والرئيس لا يجد أية غضاضة فى ذلك، بل يوافق على ما يقوله قادة الجماعة الظلامية أنهم سيوفقون أوضاع جماعتهم وفق القانون الجديد، وليس القانون الحالى. يترافق مع ذلك بلطجة تكاد تغطى كل أنحاء البلاد، من المنيا بإنهاء حفل موسيقى أقيم بمناسبة العيد، إلى مرسى مطروح حيث اختطاف قاصر وتزويجها، مرورا باعتداء على مسيحيين ذاهبين للصلاة فى إحدى قرى مركز الفشن بمحافظة بنى سويف، وعشرات الوقائع الأخرى من انتهاك مشين للقانون، وفوق البيعة بلطجة ضباط وزارة الداخلية، مضافا إليها بلطجة وسفاهة عشرات من أمثال الست نادية هانم حافظ صاحبة عزبة مدارس نفرتارى. كل هذا يجرى فى زمن حكم المرشد والشاطر، وتحت سمع وبصر الرئيس (هل يعتقد أحد أنه لا يعلم؟ مصيبة أيضا!!)، الذى تغلب عليه صفة الداعية، فيناشد الفاسدين التوبة، وربما نسمعه غدا يدعو البلطجية إلى التزام بعض الهدوء والتروى، وربما يتطور الأمر بعد غد إلى إعادة إنتاج مفرمة الديمقراطية، لصاحبها الرئيس المؤمن.
مصر الثورةـ، أيها السادة، ليست عزبة يحكمها «الدعاة» ويعيث فيها الفاسدون والبلطجية والخارجون على القانون، ومن لا يتعظ من مصير حسنى مبارك، وكبير عسسه حبيب العادلى، فلا يلوم إلا نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من هم المفسدون المهددون بالثورة؟؟؟
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2012 / 11 / 3 - 15:45 )
العبد يضرب بالعصا *** والحر تكفيه الاشارة
من هم الفاسدون المقصودون المهددون بثورة جديدة.؟؟؟
الجواب:
هم من لا يسيرون في فلك الاخوان كـ العلمانيين المعارضين للدستور الجديد. اما الفاسدون الذين ينتمون الى الاخوان فهم اتقياء الامة لانهم يتعاملون مع الظروف طبقا لفقه الواقع والذي يعني ان كل ما يقومون به له مخرج ديني ينفي عنه طابع الفساد.

جنت على نفسها براقش.


2 - سحقا لهكذا اختيار
د/سالم محمد ( 2012 / 11 / 3 - 21:53 )
مازلت اكرر ان الشعب المصرى قد اختار بنسبة 50 % اعمى ليقود قاطرة الانقاذ و هو حتما ينطلق نحو الهاوية فسحقا اهكذا اختيار

اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون