الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة سيد فرج

مفيد بدر عبدالله

2012 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



كثيرا ما اجلس في المقاهي الشعبية وأحبذ القديمة منها لأتنسم عبق الأجداد واستذكر أيام الماضي الجميل , البعض منها ما أن أجتاز بابها حتى يتمالكني شعور وكأني في مرحلة ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي حيث التراث الجميل بفوانيسه النحاسية والناركيلات (والتخوت) المفروشة بالحصران اليدوية والراديو الأثري وصور قديمه لبصرتنا الفيحاء معلقة على الجدران بشوارعها وأزقتها ونخيلها وساحاتها وتماثيلها.دخلت يوما أحداها كعادتي وطلبت الشاي بعدما جلست بالقرب من أفندي يرتدي بدلة وعلى رأسه (سدارة) مشغول بحل الكلمات المتقاطعة لأحد الصحف ، وبينما إنا مستغرق في خيالي وسط أصوات متداخلة من غناء أم كلثوم وصراخ لاعبي (الدومينو ) وضرباتهم (للصايات) مع أصوات أقداح الشاي من عامل المقهى وكأنه يعزف الإلحان ، أفقت من خيالي على صوت الأفندي يسألني ( ما هي اصغر دولة في التاريخ ) ، نظرت اليه بتمعن وإذا به السؤال الأخير في الكلمات المتقاطعة لصحيفته , فأجبت لا إراديا (دولة سيد فرج) فتبسم ضاحكا وكأنه يستمع لنكته ومن ملامحي وسكوني عرف باني جاد فقال عذرا أين تقع هذه الدولة وما حكايتها قلت اتبعني إلى المقاعد الخارجية للمقهى لأحكي لك حكايتها فالمقهى صاخبة ، فلبى وما أن جلسنا حتى طلبت الشاي وبدأت أتحدث قائلا : تأسست هذه الدولة في الفوضى التي أعقبت إحداث عام 2003 بعدما قتل عدة أشخاص من قريتي أما بسطو مسلح أو مشاجرات ، بادرنا إنا وبعض إفراد قريتي المكونة من ثمانين منزل بالذهاب للسيد فرج (الرجل الصادق النزيه صاحب وكالة المواد الغذائية العارف بأحوال القرية ) ليكون صاحب الحل والعقد الآمر الناهي للقرية فلابد لنا من قيادة تتصف بالحكمة لحين تشكيل الحكومة في بغداد فوافق السيد على الفور، وبعدما تلقى التهاني باشر بوضع مسارات للعمل أشبه بالدستور للقرية مع الوجهاء والحكماء وكان شفويا وأوكل ثلاث مهام أو مسؤوليات أشبه بالوزارات (الدفاع والصحة والتجارة ) فأوكل مهمة الدفاع لضابط متقاعد وأمر بجمع جميع الأسلحة لنقاط الحراسة لمواجهة العصابات بدلا من استخدامها في المشاجرات . واوكل وزارة الصحة لطبيب وأمر بجمع كل ما في البيوت من دواء ونقله إلى منزله , أما عن وزارة التجارة فرأى أن يتولى مسؤوليتها هو وكالة بالإضافة لمنصبه كونه وكيل مواد غذائية ، اخذ كل موقعه وبدأنا نعمل كخلية نحل شاعرين بارتياح كبير والفرق بدا واضحا جدا فلا مشاجرات ولا حوادث قتل في القرية وصرنا امنين على أموالنا وأهلينا وتكونت لدينا قناعة راسخة بأننا أحسنا الاختيار فلقد أبدى السيد براعة وفن قل نظيره في القيادة فوضع كثير من الأمور في نصابها الصحيح وكان يمتلك من العقل والحكمة ما لم يمتلكه احد في قريتنا فكان كثير التجوال في القرية يتفقد أهلها وكثير السؤال عن الأرامل والأيتام ، كان الأب لليتيم والأخ لمن لا أخ له و ملاذا للأرامل والمطلقات فحصل على ما هو أقيم من جائزة نوبل , حصل على حب واحترام جميع إفراد القرية ونشأت علاقة حميمة بيننا وبينه فكلماته تلامس القلوب قبل الآذان .
إن السيد فرج قاد اصغر وانجح دولة والتي انتهت بتشكيل الحكومة في بغداد والتحسن الأمني فلم يعد لها مبرر, وأنهيت حديثي قائلا للأفندي (هل عرفت اصغر دولة في التاريخ ) فأجاب على الفور دولة سيد فرج وعلى يديه أتاكم الفرج وكم تمنيت وإنا استمع لك إن أكون احد سكان القرية فانا ممن اكتووا بنار الفوضى و فقدت اثنين من أبنائي بسطو مسلح على منزلي ، قد تحتاج كثير من البلدان اليوم للسيد فرج فما ابعد الحكام عن الشعوب ,,, سأكتب جواب الكلمات المتقاطعة دولة سيد فرج حتى وان لم يتسع لها المكان وتبدو غير منسجمة مع مربعات الكلمات المتقاطعة إكراما لك وللسيد فرج , فنادى على عامل المقهى ودفع حساب الشاي بإصرار شديد وشكرني كثيرا ,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تخفق في إبقاء قواتها في النيجر بعد فشل المحادثات بين


.. مصطفى البرغوثي: ما حدث اليوم يمثل نهاية عصر الحصانة لإسرائيل




.. جوزيب بوريل: الدول التي صدقت على النظام الأساسي للمحكمة ملزم


.. مانشستر سيتي بطلاً للدوري الإنجليزي للمرة الرابعة




.. حكومة الحرب الإسرائيلية تبحث مقترحاً لاستئناف مفاوضات صفقة ا