الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب

السيد نصر الدين السيد

2012 / 11 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مقدمة
"الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها وتنمية المحاصيل والأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها، وتحقيق الاكتفاء الذاتى منها، وتوفير متطلبات الإنتاج الزراعى وحسن إدارته وتسويقه، ودعم الصناعات الزراعية والحرفية. وينظم القانون استخدام أراضى الدولة بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويحمى الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال". الفقرة السابقة هى نص المادة (14) الواردة فى الباب الأول، "الدولة والمجتمع"، من أبواب مسودة الدستور المصرى الذى تجرى صياغته الآن. ولقد غاب عن هذا الباب أى مادة شبيهة تشير إلى أهمية الصناعة كمقوم أساسى من مقومات الإقتصاد الوطنى. وبالطبع لم أتوقع أن أجد مادة أخرى تشير إلى الدور الحيوى الذى تلعبه "المعرفة" فى الإقتصاديات الحديثة ومن ثم دورها فى الإقتصاد الوطنى المنشود.

وهكذا يبدو لى أن غالبية أعضاء اللجنة التأسيسية، المكلفة بصياغة دستور مصر المرتقب، لم تصل إلى أسماعهم كلمة "التطور" Evolution وما تحمله من معانى وما تتضمنه من قوانين، وأن ما كان يصلح لزمن فات لايصلح لزمن آت. لذا غاب عنهم إدراك حقيقة واضحة وهى أن المجتمع البشرى يخضع لقانون التطور شأنه فى ذلك شأن أى كيان حى. فلقد مر المجتمع البشرى فى رحلة تطوره المستمرة بأربعة مراحل رئيسية هى مرحلة مجتمع "حضارة ما قبل الزراعة" ثم مرحلة مجتمع "حضارة الزراعة" ثم مرحلة مجتمع "حضارة الصناعة" وأخيرا مرحلة مجتمع "حضارة ما بعد الصناعة" أو "حضارة مجتمع المعرفة". وتتمتع كل مرحلة بخصائص تميزها عن المراحل الأخرى. فعلى سبيل المثال شكلت النباتات والحيوانات غير المستأنسة الموارد الرئيسية لمرحلة مجتمع "حضارة ما قبل الزراعة" بينما شكلت الأرض المزروعة وما تنتجه والحيوانات المستأنسة الموارد الرئيسية لمرحلة مجتمع "حضارة الزراعة". أما موارد مجتمع "حضارة الصناعة" فهى المواد الخام بكافة أشكالها التى يستخرجها الإنسان ليقوم بعد ذلك بتحويلها إلى منتجات مصنعة. واليوم تشكل "المعرفة" المورد الرئيسى لمجتمع "حضارة ما بعد الصناعة".

المعرفة قوة
"المعرفة هى السلاح الرئيسى فى صراع القوى المصاحب لإقتصاد مابعد الصناعة"، على حد قول ألفين توفلر A. Toffler فى كتابه الشهير "تزحزح القوى: المعرفة والثروة والعنف على مشارف القرن الواحد والعشرين" (Toffler, 1990). أما ليستر ثرو، أستاذ الإدارة بمعهد ماساتشوست للتكنولوجيا (MIT)، فيقول "سيشهد القرن الواحد والعشرون إضمحلالا فى الدور الذى تلعبه وفرة الموارد الطبيعية ونسب رأس المال/العمالة فى تحديد المزايا التنافسية وإزديادا غير مسبوق فى الدور الذى تلعبه التكنولوجيا والمهارات فى تحديد تلك المزايا. وهكذا سيحل الإبداع الإنسانى محل الطبيعة والتاريخ" (Thurow, 1991).

والمعرفة فى هذا السياق تشمل كلا من "المعرفة العلمية" و"المعرفة التكنولوجية". و"المعرفة العلمية" هى المعرفة التى ينشئها إستخدام منظومة العلم الحديث فى دراسة الظواهر الطبيعية والإجتماعية، ويتم التحقق من دقتها وصحتها عبر المناهج العلمية المختلفة. أما "المعرفة التكنولوجية" فهى المعرفة التى يكتسبها الإنسان أثناء قيامه بتصنيع منتج ما أو تقديمه خدمة بعينها بدءا من مرحلة التصميم وإنتهاءا بمرحلة الإنتاج.

مجتمع وإقتصاد المعرفة
طبقا لـ نيكو إستهر Nico Stehr، أستاذ الدراسات الثقافية بجامعة زيبلين الألمانية، "يمكن وصف المجتمعات المعاصرة كـ "مجتمعات معرفية" إنطلاقا من التغلغل الكثيف وغير المسبوق للمعرفة العلمية والتكنولوجية فى كافة الأمور الحياتية والمؤسسية" (Stehr, 2002 ص. 18). هذا بالإضافة إلى توقف مكانة الفرد فى المجتمع على مايحوزه من معرفة (Böhme, 1997). ويمضى إستهر قدما فيعرف المعرفة بأنها "القدرة على الفعل الإجتماعى". وهو بتعريفه هذا يكون قد أضاف منظورا جديدا للمعرفة يضاف إلى ويكمل المنظور السائد الذى ينظر إلى المعرفة كـ "نموذج تفسيرى للواقع". وتعود أهمية هذا المنظور الجديد إلى ما ألقاءه من ضوء على الشروط المتعلقة بإستخدام المعرفة وتفعيلها. فهو من ناحية يوضح أن مجرد حيازة المعرفة لايعنى بالضرورة إستخدامها فيما يعود بالفائدة على حائزها. فإستخدام المعرفة وتجسيدها على هيئة منتجات أو خدمات تفيد أفراد المجتمع يتطلب مهارات قادرة على تفسير هذه المعرفة. وهو من ناحية أخرى يشير إلى أن الإستخدام الفعال لما يحوزه المجتمع من معرفة يتوقف على البنى الإجتماعية والإقتصادية والثقافية السائدة فى هذا المجتمع.

أما "الإقتصاد المعرفى" فهو الإقتصاد الذى يتمتع بالعديد من الخصائص التى تميزه عن الإقتصاديات التقليدية. وأول هذه الخصائص هو "المعرفة العلمية والتكنولوجية" التى تشكل، بشتى أنواعها، المورد الرئيسى لهذا الإقتصاد وبوصفها المكون الرئيسى لما ينتجه من سلع مصنعة ومايقدمه من خدمات. فعلى سبيل المثال تشكل العناصر المعرفية، المتمثلة فى برمجيات التصميم والتصنيع، 70 % من تكلفة إنتاج أى سيارة جديدة. كما تزيد قدرات الكمبيوتر الذى يتحكم فى أداء أى سيارة ركوب فاخرة ذلك الذى قاد عملية إنزال أول إنسان على سطح القمر سنة 1969 وتحكم فى أداء سفينتهم الفضائية أبولو 11. لذا يحدد المكون المعرفى الداخل فى تشكيل سلعة ما أو فى تقديم خدمة معينة سعر هذه السلعة أو الخدمة. وعلى عكس الموارد التقليدية فإن المعرفة لاتستهلك بإستخدامها بل على العكس من ذلك فهى تثرى وتتزايد بإستخدامها. والأكثر من ذلك فهى تظل فى حوزة صاحبها حتى بعد بيعها لمستخدم جديد. أما ثانى هذه الخصائص فهو الدور المحورى الذى يلعبه "رأس المال البشرى" Human Capital، المتمثل فيما يحوزه أفراد المجتمع من معرفة، سواء كانت مكتسبة عبر قنوات التعليم والتدريب أو ناتجة عن الممارسة العملية، فى خلق القيمة وإنتاج الثروة. وثالث هذه الخصائص هو تقلص تأثير الدور الذى يلعبه الموقع الجغرافى فى الأنشطة الإقتصادية التى أصبحت تميل إلى التمركز حول مراكز إنتاج المعرفة كـ "الجامعات ومراكز البحوث". ومما ساعد على عملية التقليص هذه التقدم الهائل فى تكنولوجيا المعلومات والإتصالات الذى مكن من إنشاء "أسواق إفتراضية" Virtual Marketplaces مثل e-Bay و"مؤسسات إفتراضية" مثل Amason.com. وهى أشكال مؤسسية جديدة تمارس أنشطتها من خلال الإنترنت.

هذا ويعتبر إنتاج "البضاعة المعرفية" Knowledge Goods هو أحد الأنشطة الرئيسية للإقتصاد المعرفى. و"البضاعة المعرفية" هو مصطلح يطلق على السلع أو الخدمات التى تدخل المعرفة فى تكوينها جزئيا أو كليا. ويمكن تصنيف البضاعة المعرفية إلى ثلاثة أنواع رئيسية (Choi & Whinston, 2000). النوع الأول هو "البضاعة المرقمنة" Digitized Goods وهى التى يقتصر وجودها على ذاكرة الكمبيوتر ويتم التعامل معها بواسطته فقط ولاحياة لها خارجه وذلك مثل برمجيات الكمبيوتر بشتى أصنافها. والنوع الثانى هو "السلع المادية القابلة للرقمنة" Digitized Physical Goods الذى يشمل كافة السلع التى يمكن تحويلها إلى الصورة الرقمية مثل الكتب والمجلات وتذاكر الطائرات. ويمكن نقل وتبادل كلا من نوعى البضاعة المعرفية هذين عبر شبكات إتصالات الكمبيوتر. والنوع الأخير هو "السلع المادية المدعومة بالمعرفة" Knowledge-Enhanced Physical Goods التى تشمل أى معدة أو جهاز تستخدم برمجيات الكمبيوتر فى المساعدة على تشغيله بكفاءة.

إن تهيئة المجتمع المصرى لدخول عصر الإقتصاد المعرفى لم يعد خيارمطروح بل هو ضرورة تفرضها ندرة الموارد الطبيعية ومعدلات الزيادة السكانية المرتفعة وطبيعة العصر الذى نعيش فيه.

المراجع
Böhme, G. 1997. The Structures and Prospects of Knowledge Society. Social Sciences Information, 36(3): 447-468.
Choi, S. Y., & Whinston, A. 2000. The Internet Economy: Technology and Practice: SmartEcon Publishing.
Stehr, N. 2002. A World Made of Knowledge. Paper presented at the New Knowledge and New Consciousness in the Era of the Knowledge Society, Budapest.
Thurow, L. 1991. New Tools, New Rules: Playing to Win in the New Economic Game. Prism, 2: 101.
Toffler, A. 1990. Powershift. New York: Bantam Books.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة