الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساؤلات بريئة- الجزء الثاني

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 11 / 4
الادب والفن



"ماما..."
"نعم؟"
"إذا تزوّج أبي امرأة أخرى فلن أعود لزيارته." قالها ابني بنبرة صلبة إذ كنا جالسين نتناول الغداء.
لا أدري لِم سماع كلامه أصابني بالذهول، رغم أنني لم أكن غافلة عن خبر زواج أبيه الذي تردّد على مسمعي كثيرا في الآونة الأخيرة. فمنذ طلاقنا دأبت كذبابة نشيطة لا تكل ولا تمل جارتي أم سميح على طن أخباره في أذني بين الفينة والأخرى، ولو لم أكن أسكتها في كل مرة لكانت ضربتني بكل أخباره أولا بأول وبأدق تفاصيلها، إذ كانت تجمعها علاقة قريبة بوالدته منذ زمن بعيد، ولا أدري لماذا أحسست كأن علاقة المرأتين قد توطّدت أكثر وأكثر منذ أن تمّ طلاقي، وفي الواقع، لم أكن مهتمة بالموضوع.
"دعيني من أخباره، أرجوك، يا أم سميح." كنت أقول لها في كل مرة تبدأ بسرد أخباره لي. "لا أريد أن أعرف شيئا. لم أعُد مهتمة بخصوصياته. أريد أن أنسى وأسير قدما ولا ألتفت الى الماضي، ولا الى من ينتمي الى الماضي."
تأملت ابني ذي السنوات السبع طويلا، وفي داخلي إحساس أن ذلك الصغير يكبر يوما بعد يوم، ويكبر معه وعيه وإدراكه بالأمور. ثم نقلت نظري إلى أخته الكبيرة التي جلست الى يساره يطوقها الصمت. عيناها مشدوهتان في نقطة ما في صحنها، تلتمعان بتساؤلات غامضة، تتراكض، تتقافز، تتشابك، تتصارع، وصمتها يطنّ في أذني أكثر من أخبار أم سميح.
حاولت التغلب على صدمتي وقلقي حين سألته: "لماذا يا حبيبي؟"
فردّ بحزم وحِدّة: "لأنه سيحضر لنا زوجة أب، يعني شريرة، لن تحبنا، وستضربنا."
ابتسمت لسماع قوله. ذكرني كلامه بتلك القصص التي كنت أسمعها في طفولتي، أقرأها في الكتب وأشاهدها على التلفاز عن ساحرات يؤذين الأولاد الصغار وزوجات أب شريرات يضايقن البنات الصغيرات، حتى جعلتني أبحث عنهن من حولي وأتساءل بيني وبين نفسي أيام كنت طفلة: من هي زوجة أبي الشريرة التي تتحدث عنها القصص؟؟ وهل جارتنا أم عادل هي ساحرة شريرة لأنها تضايق أولادها وبناتها الصغار بصرخاتها المجلجلة وضرباتها الموجعة؟!
توجّهت الى ابني وسألته باستغراب: "ومن قال لك إنها ستكون شريرة؟ قد تكون طيبة ولطيفة. إذا جهلتَ شيئا فلا تفترض الأسوأ. ربما ستحبك... وتحبها."
دارت حدقتاه في داخل عينيه كدوّامة في بحر، ورفعت أخته نظرها عن صحنها بدهشة وحيرة. لحظات من التوتر لم ينبس أحد منهما بكلمة. كانا غارقين في تأمّل طويل بتلك الفكرة التي لم تخطر على البال.
ثم قال ابني بصوت حاسم النبرات: "لا! ستكون شريرة. أنا أعلم ذلك."
"وكيف تعلم؟"
"أعلم... لأنك أنت طيبة وهو طلّقك... وسيتزوجها هي."
ثار غضبي وقلت له مؤنبة: "ولكن أباك لم يطلقني. كم مرة قلت لك هذا الكلام؟! نحن الإثنان طلّقنا بعضنا البعض." ثم توجّهت الى أخته التي حاصرتني بعينيها اللامعتين ببريق الخوف، وأضفتُ قائلة: "ولكننا نحبكما أنتما الإثنين، وسنبقى نحبكما الى آخر يوم في حياتنا. أفهمتما؟"
الصمت الواجم خيّم علينا بعد أن سكت عنا الكلام. أكملنا غداءنا ككل يوم، ثم افترقنا وذهب كل واحد الى خلوته بأفكاره وتساؤلاته.

كفر كما
12.10.12








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو