الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنحداره بعد إنقطاعه -زيارتي لمعرض تونس الدولي للكتاب-

خلود العدولي

2012 / 11 / 4
الادب والفن


منذ دورته الثامنة و العشرين سنة 2010 إختفى معرض الكتاب عن المشهد الثقافي لسنة 2011 و انتظرنا هذه السنة أن يكون هذا الاختفاء سببا في تطور مستوى هذا المعرض و في تقديمه لصورة جديدة عن المشهد الثقافي التونسي الذي ألفناه راكدا و غير قادر على التجديد و العطاء بسبب بقاء الثقافة دائما و أبدا أداة لتسديد الركلات و الأهداف السياسية.بدايتي مع هذه الدورة كانت على شاشة التلفاز أثناء عرض نشرة الأخبار,التي لم يغب فيها "راعي الثقافة والساهر على التطور الفكري للشعب" رئيس الحكومة حمادي الجبالي.كان من خلال الصور يتجول بإبتسامته المعروفة بين أروقة المعرض بينما تلاحقه فلاشات الكاميرا و هو بصدد الإنتباه لمشيته فوق البساط الأحمر.لك أن تتسائل ما الذي كان سيجري لو إفتتح هذا المعرض إرنستو ساباتو أو مو يان الصيني الحاصد لجائزة الأداب هذه السنة.ماذا لو إفتتحه كاتب تونسي ..ماذا لو؟؟؟ ستكون النتيجة أن جميع الحاضرين لن يعرفوه و سيسير نعم رفقة الكاميرا لكنه لن يحضى بإلتفاف جماهري عتيد كالذي حضى به رئيس الحكومة أثناء سيره على البساط الأحمر.كنت قد تهيأت لدورة إستثنائية منذ هذا المشهد على التلفاز و كل ما رايته في المعرض لم يكن إلا صدى للمشهد الأول.في بداية الدخول يعترضك شباك التذاكر:تذكر إنه معرض الكتاب و لكي تدخل عليك أن تدفع.هناك قد يبهرك دعم الحكومة الكبير للمعرض من خلال إفتتاحه و يصدمك أيضا دعمها المادي الكبير لتتمكن أنت من الدخول إليه.دعم يجعلك أحيانا تضطر لتخبئة طفل من أطفالك الخمسة.بعد شباك التذاكر و مرورا إلى المدخل يمكن لمشهد وحيد أن يلخص لك محتوى هذه الدورة:رجل بلحية و قميص أمامه خليط متنوع من قنينات العطر الشرعي و الأدوية الشرعية.معرض يقدم لك منذ خطواتك الأولى طرقا لحل تساقط الشعر,لتجنب مرض الشقيقة,لحل عقدة الزواج,لمحو العين التي يمكن أن تصيبك.جميل أن يقدم هذا المنتوج في باب الدخول بينما لم تكد تستوعب بعد:ما الجديد في هذه الدورة.جميل أن نرمي المخابر الطبية جانبا و نعود لماض من الشعوذة التي لم تجد لها مكان سوى واجهة معرض يبدو أنه يهتم بالكتاب و الثقافة.تدخل إلى الأروقة فتجدها مكتظة بالعائلات و الطلبة خاصة اللذين يبدو على وجههم الشوق لإيجاد مادة قيمة تفيدهم في دراستهم و تكوينهم الشخصي.خلال جولتي لم أرى سوى دور النشر التونسية و العربية رغم أنني لم ترك مكانا في المعرض إلا و تفحصته جيدا,تيقنت حينها أنه معرض عربي و ليس دوليا أو ربما هو بالأحرى معرض خليجي بسبب المساحة الشاسعة للمملكة العربية السعودية و لدولة الكويت و غيرها.بحكم اختصاصي في اللغة الأنقليزية و آدابها كنت أبحث عن دور النشر الإنقليزية,عن رواق بريطانيا أو الولايات المتحدة أو كندا بما أنه معرض دولي لكنني لم أجد أثرا لأي دولة غير عربية.

وجدت أروقة مصر,لبنان,دول الخليج,تونس بالطبع لكن الدول الأجنبية غائبة تماما عن المعرض.اقتصرت دور نشر لبنان على الروايات العربية الحائزة على الجوائز و هنا أنقل ما قاله لي ممثل هذه الدار حرفيا:"هذه الرواية حازت على جائزة,هذه أيضا,أما هذه فهي قنبلة الموسم و الأكثر مبيعا في الدول العربية لكنها جريئة جدا " سكت قليلا,تململ و جعلني أكتشف وحدي معاني الجرأة خلف الكتاب قرأت" عسل,شهوة,أرتعش من النشوة,إنتحار الموت فوق عسل الشفتين و تدور الفخذين" تركت الكتاب بسرعة مجيبة إياه بإبتسامة صفراء و هربت.فعلا إنها رواياتنا العربية الرائعة لن تحقق المبيعات العالية و الجوائز الكرتونية إلا من خلال إسائة شنيعة للجسد و الغرائز البشرية.لم تختلف هذه الكتب بالذات عن كتب "الفتاوي السبع" و "الجنة و النار" و "اللباس الشرعي في الإسلام" لم تختلف تماما كلاهما عهر ثقافي لا جدال فيه.من أروقة لبنان إلى أروقة مصر التي عجت بمثل هذه العناوين المخيفة "عذاب القبر" "منكر و نكير" "تارك الصلاة " "النجاة من العقاب"..و التي لن تجد حولها إلا عباءات سوداء و منقبات و لحي طويلة يفزعك طولها و كثافتها.لقد عكست مصر ما تعيشه من تصحر ثقافي و عمق في تكريس الجهل و الظلمات.و بذالك كان معرض الكتاب فرصة لعرض فديهوات الشعراوي,بيع كتب الغفران و كتب التشجيع على الانغلاق و التزمت و تأسيس الخلافة الرشيدة.كنت أهرب من رواق لأخر ليستقبلي شيء مخيف ما.كما تأسفت لقلة وجود الترجمات عدى سلسلة نوبل التي ترجمت بعض الأعمال لقلة من أدباء نوبل.هناك ركود مشين لحركة الترجمة لازلنا نحمل ندوبه المخيفة إلى اليوم.ما أبهجني كذلك هو بيع بعض الكتب المستعملة و التي كلفت كاتبا تونسيا يعيش في كندا ستة ملايين لشحنها لكنه قال لي واثقا:لا يهم أنا أبيع الكتب و الموسوعات الأنقليزية و كتب الحضارة بأسعار منخفضة لأنني أكتب و أعرف ما يعانيه محبو الكتاب و لأنه لدي مشروع ثقافي في تونس لأن سبب تخلفنا إلى الآن هو تشبثنا بالمراجع الفرنسية فقط و عدم إنفتاحنا التام على الإنقليزية ذالك أن الإنقليز يكتبون الكتب أثناء التطبيق لا أثناء التنظير.وجدت من هم مثلي يحاولون رغم كل خيبات الأمل أن يزرعوا الأمل في المشهد الثقافي التونسي ووجدت من يعجبهم اللون الأسود كرمز لهذا الوطن.أن تحتكر السياسة الثقافة فهو عبارة عن مسلسل طويل سيء الإعادة,أن يصبح الكتاب مجرد تجارة ناجحة من أمثال كتب الثورة المتناثرة هنا و هناك "برج الرومي" "ثلاثون سنة من الإستبداد" و ما إلى ذلك فهذا لن يدل إلا على إنحدارنا حتى عن المستوى المحتشم الذي كنا فيه.أتذكر أنني كنت أعشق أن أزور الأروقة الأجنبية و أجرب التحدث مع ممثليها عن الكتب,الأن وجدت نفسي أمام إحتمالات متقابلة:أن أشاهد الشعراوي و أعود محملة ب"عذاب القبر" أم أن أذهب إلى الروايات العربية و أعود محملة بالعسل و الفخذين و الإرتعاشات الكاذبة و الموهومة.إنتظرنا دورة إستثنائية إنطلاقا من عدم تنظيم المعرض العام الفارط فتوجت إنتظاراتنا بدورة إستثنائية فعلا من كتب السواد و الترهيب و كتب الرعشات و الإهتزازات البشعة.إنحدار جديد نتوج به في هذه الدورة و لكنه لن يمنعنا عن الإيمان بتلك الأصوات الصغيرة الواعدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة