الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصفور و شجرة و وطن في سر حكاية الاستاذ ميشيل كيلو

خالد قنوت

2012 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في نهاية المقابلة التي عرضتها فضائية دبي للاستاذ ميشيل كيلو, اليوم. سألتني زوجتي: أنت أيضاً تبكي؟. نعم, اغرورقت عيناي بالدموع. صحيح, أني قرأت مقالة الاستاذ كيلو عن الطفل الذي إلتقاه خفية و حاول أن يحكي له حكاية في سجن التحقيق العسكري الرهيب. الطفل لم يعرف العصفور و لم يعرف الشجرة. فكسب السجان البسيط رهانه أمام مثقف من أهم مثقفي سورية اليوم و مفكريها. كان الرهان, هل يستطيع أن يحكي حكاية لهذا الطفل الحرام من أم تناولها وحوش نظامية و برتب عسكرية أمنية متنوعة على مدى أكثر أربع سنوات من الاعتقال, تهمتها أن والدها مطلوب؟.
هل الأم هي سورية نفسها؟ أم الطفل هو الذي يمثل سورية هنا؟ أعتقد أن ثنائية الأم و طفلها الحرام يمثلان سورية على مدى أربعة عقود من حكم الطغاة و حكم الخيانة.
الأم, سورية التي أعتقلت لأنها تمثل الشرف و الأنوثة و لأنها بنت الحقيقة, تناوب على اغتصابها كل مستبد و ظالم. و لأنها الشرف و العفة فلابد أن يثبتوا عليها الفاحشة فتركوها تحمل جنيناً في بطنها من نجاستهم و تركوها تلد في المعتقل و تعيش اغتصابها كل يوم و كل دقيقة مع طفلها, يرضع و يكبر داخل سجن صغير و لكنه سجن كبير كبير هو الوطن.
الطفل لم يفهم كلمة العصفور و لم يعرف الشجرة و لم يرى الشمس, لكن من منا يعرف العصفور أو عرف يوماً الشجرة, خلال أربعة عقود و نيف من حكم الأسود؟؟
في سورية, السجن الكبير, لم نترك للطبيعة جمالاً إلا و قتلناه, النظام الذي يضع القوانين للحفاظ على الطبيعة و الشجر و الحيوان و الطيور, هم أول من يقضي عليها و يساعدنا و يشجعناعلى ذلك و نحن ندري و لا ندري.
هل شاهد أحدكم الطيور المهاجرة التي كانت تعبر سورية منذ عشرات السنين؟ الذي نجا منها, من رصاص النظام و رصاصنا, غير اتجاهه و صار يعبر أسبانيا بدلاً عن بلاد الشام.
هل حاول بعضكم النظر إلى نافذة الطائرة عندما تحط أو تغادر مطار دمشق الدولي و شاهد أن الغوطة التي تغنى بها الشعراء عبر الزمان صارت صحراء بكل معنى الكلمة. أولادي, سألوني مستغربين و هم ينظرون إلى الشاشة التي أمام مقاعدهم و قد أختاروا الكاميرا المثبتة في أسفل الطائرة, عند أول زيارة لنا لسورية, لماذا لا يوجد شجر هنا؟ هل هذه الأرض مفروشة بالبلاط؟ جاوبت في صمتي: لا هذا بلاط الأسد.
كانت سياسة مدروسة لنظام يكره المدنية و الحضارة, كي يزيل اسس الحياة للشام, بلاد الشام وأهلها. كل مشاريعه أقيمت على أرض الغوطة و على كل أرض خصبة في سورية: مناطق صناعية و مشاريع مدينة المعرض و قصر المؤتمرات و مدينة الملاهي و مطاعم استثمارية و عدد لا يحصى من القواعد العسكرية و الأمنية كلها في قلب الغوطة. مخالفات و توسعات المدن العشوائية مشاريع تكسب للمحافظين البعثيين القادمين مع أكياسهم الفارغة و ريالاتهم المتساقطة من أطراف أفواههم.
معمل الاسمنت في دمر, مصفاة غرب حمص, معمل الورق في دير الزور, معمل الاسمنت على سفاح جبال الزيتون في ريف طرطوس, المناطق الصناعية في الأراضي الزراعية, الأراضي المالحة في الرقة.
أذكر عندما زرت القنيطرة مرة, بعد أن حصلت على التصريح الأمني المعتاد, أني وقفت على أطلال القنيطرة و من خلال شريط الأسلاك الشائكة اقتربت لأرى الأرض المحتلة من الجولان, أبعدني جندي بسيط محذرأ من حقول الألغام التي ثبت أنها وهمية مع بداية الثورة السورية, على الطرف المقابل كانت هناك جنة حقيقية مشاريع زراعية و كروم وغابات و مراوح لتوليد الطاقة بينما خلفي كان خراباً و مدينة مدمرة صدر قرار من الصدر الأعظم للشحاذة على أطلالها و إبعاد أهلها منها إلى مناطق عشوائية و مخالفات و فقر, يبيع و يشتري بهم.

الاستاذ ميشيل كيلو الذي بكى و أبكانا, كان يصحح إتجاه البوصلة السورية, ذكرنا بأننا جميعنا كنا في سجن كبير و ما العصافير و الاشجار سوى خيال وهمي لحياة وهمية عشناها تحت حكم هذا النظام الاستثنائي من تاريخ سورية القديم و الحديث. كان يقصد أن يعيد الجميع إلى جوهر الصراع الذي نعيشه, أننا كسوريين نعيش أزمتنا الكبرى بسبب هذا النظام و مفرزاته.
كل مواطنة سورية هي تلك الشابة التي تقبع في المعتقل و ينتهك عرضها منذ ثلاث و اربعين سنة بالتحديد.
كل مواطن سوري هو ذاك الطفل الذي لا يعرف الحرية و الكرامة من قبل.
الاستاذ ميشيل يعرف التاريخ جيداً و يستقرء المستقبل, خائف على الوطن و لكنه واثق من طيبة و أصالة الشعب السوري.
سورية التي سكنت في الصمت و المعتقلات تنفض عفنها الذي عشش طويلاً و تخرج من أحشائها الزبالة و خراب السنين و المياه الآسنة.

ستتجدد سورية كما تتجدد الطبيعة, ستعيد أنتاج ذاتها فتقضي على العوالق و الفطريات التي نهشت من خيرها تحت جنح الظلام و النظام.
الشمس التي دخلت مع طباشير أطفال درعا ستقشط العفن و الدمار و الغبار, ستعيد سورية بناء نفسها بأسس من الكرامة و العزة و ستكسو جسدها بثوب الطهارة من جديد و سترعى أطفالها اليتامى بين خضرة حقيقية و عصافير حقيقية.
سورية الانسانية لن تعرف العدم لأنها طبيعية الوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته