الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصّعلكة ؛ قراءة ٌ نقدية ٌ لأهمِّ الدّراساتِ التي عُنيتْ بصيرورةِ مفهوم ِ الصعلكةِ في الشعر القديم / الحلقة ُ الثانية ُ

أيوب بن حكيم

2012 / 11 / 5
الادب والفن


يرى اليوسفي يرى أن السارد/الأخباري تعمد إحاطة "الحجاج" و أعوانه بصفات الخسة و اِنعدام المروءة، في نفس الآن أحاط الصعلوك السجين بهالة نورانية خفية من الشجاعة و الجرأة و البأس، و النتيجة أن اِنتصرت قيم الزمن المنقطع و انهارت ـ مؤقتا ـ عوالم السلطة و النظام و ما تحمله من ظلم و جبروت و غدر، فاليوسفي يرى أن النص جيء به للتشفي من عصر أمعنَ في الخروج عن مقررات الدين الحنيف و العقل و أيام الراشدين.
من هذا المثال ، يمكن أن نعرف شيئا عن مفهومية الباحث التونسي إزاء شعر الصعاليك ، فهو اِنطلق من فكرة مُفادها أن الأخبار و المسرود العجائبي في المتون القديمة رسم طريق الرجوع عهد قيم الفروسية حيث كان الشعر ذا منزلة لا تضاهى،فعندي أن هذا الفصل و الفصل الذي يليه و عنوانه"دروب الاِنشقاق" لم يأت بهما اليوسفي إلا ليوضح أن الشعر استرجع هيبته بعد "دروب الهوان"،فالفكرة الأهم عند البـــاحث التونسي ـ و إن لم يصرح بها،بل أشار إليها في بداية الفصل وهو يتحدث عن اِختيارات الشاعر في عصر بني أميةـ،هي أن الشعرَ في كنف النظام أعلى من الجور و كبا بالشعر إلى الحضيض،تلميحا منه إلى الثالوث الأموي و كل المنتظمين في سلك السلطة و مريديها،لكن الشعراء اللصوص كانوا واعين بما يحمله تمردهم من إعلاء لكلمة الشعر،تباعا للقيم التربوية و العدالة الاِجتماعية و التحقق الحقيقي للقيم الإسلامية،فأورد صاحب"الفتنة" أخبار المتمرد "عبد الله بن الحر" المتمرد الثائر سياسيا و الذي قال عبارته الشهيرة"كل ملك أموي قوي الدنيا ضعيف الآخرة"،وكذلك يفعل بـ"القتال الكلابي" المخلوع اِجتماعيا طريد السلطة و إلى قريب من ذلك "مالك بن الريب" ، فقيمة شعر لصوص العصر الاموي ليست في شعرهم و مايقولونه من ملفوظ فقط ؛ بل في أفعالهم و تعاليمهم التي مجدتهم و اعلت من قيمة قريضهم ، هاهنا لا يخفي الباحث التونسي اِنتصاره لهم ،و أفرد صفحات للدفاع عنهم عبر تفكيك مصطلحات عيابة لصقت بهم كـ"الشعراء اللصوص" و "قطاع الطرق"،فيرى تسمية الصعلوك بالصعلوك قبل الإسلام كانت ذا حمولة إيجابية لكن الأمويين مكروا عبر مكائد التسمية ، فاستبدلوا مصطلح الصعلوك باللص لدرجة أن السكري ألف كتابا سماه"كتاب اللصوص"،كل هذا لكي لا يذيع شعرهم كما ذاع شعر السليك و الشنفرى و عروة..، اليوسفي هنا يعلن أن اِستبدال الوصف هو اِستبدال للحق بالباطل و إشهار و مسخ و تحويل لمبادئ الصعلكة كما تتبدى لنا اليوم مع "روبن هود" و "أرسين لوبين" ليكرهها العامة و الخاصة،لكن العكس هو الذي حصلفالمتون القديمة لم تحفل إلا بما ينافي تنبؤ الأمويين،وحكاية القتال الكلابي مع أمة عمه رغم فظاعتها و قسوتها إلا أنها مجدت الفروسية و الغيرة في شخص هذا الفاتك .
و عندي أن اليوسفي بإيراده هذا الفصل وجميع فصول الجزء الأول من رائعته"فتنة المتخيل" لم يهتم بالشعر من حيث هو قيمة جمالية إبلاغية،بل اِهتم بالثقافة العربية في تمظهرها شعرا تربويا قيميا،فبإعادة إنتاجه للأخبار و الأشعار ومساءلتهما كان ذلك طرقا للمسكوت عنه في الثقافة العربية الإسلامية،ولا أدل على ذلك توسله بفلسفة الأديان بوصفها ضرورة معرفية لفهم كيف أن الشعراء الصعاليك طردوا من مدينة العقل و الدين.
وحينما ناقش مفهوم"خلع اليمين" أورد رمزية اليمين في الدين الإسلامي،وكيف أن الدين الرسمي و السلطة تعاونا للإطاحة بالشعر،إن التاريخ يكتبه المنتصرون،و رغم ذلك وشتْ المتون القديمة بانتصار الهامش،ولم تقدر على التصريح لخوف المعرفة من السلطة المادية .
اليوسفي تعرض للهامش و المركز كما نفهمه مع التفكيكيين الفرنسيين،فهل فعل ذلك اِنتصارا للمهمشين أم أن هذه المفاهيم التفكيكية فرضت نفسها عليه فرضا من أجل قلب نظام الأشياء ؟
يتبع ..............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل