الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المراة في سوريا...أحوال وآفاق

نقولا الزهر

2005 / 3 / 8
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي


قبل أن أشرع في كتابة مقالي ترددت كثيراً فيما أكتب عن المرأة، وهي التي تشكل عالماً متراميَ الأطرافِ، عميقاً في أبعاده وأغواره...
ما هو حاسم في اعتقادي، أن الرجل حين يتكلم على المرأةِ وضرورةِ إنصافها، وحين يحاول الاعتراف بحقوقها، وحين يحاول أن يسهم في الدفاع عن مصالحها، تتأكدُ مصداقيته في اللحظة التي يقتنع أن تحرر المجتمع، يتزامن مع تحرر المرأة من الغبن التاريخي الواقع عليها وحين تُرْفعُ عن كاهلها وطأةُ قرونٍ من التقاليد والعادات والمعتقدات البالية.........
-1-

رغم أن المرأة في بلادنا العربية قد صارت وزيرةً وسفيرةً وطبيبةً ومحاميةً وقاضيةً ومهندسةً و عاملة في معظم المهن، لكنها لا تزال حتى لحظتنا هذه أسيرةً للتهميشِ والمحرمات ، وهي إلى الآن لا تزال في لغتنا و نحوِها وصرفِها، وفي تراثنا وأدياننا وأمثالنا الشعبية ونوادرنا، موضوعاً للمتعة بامتياز. وكأن فعلَ التمتع ليس فعلَ مشاركة له فاعلان كلاهما مفعولان، أو أنه يخص طرفاً دون الآخر؛ وهي تتحمل في معظم الأحيان وِزْرَ هذا الفعل اجتماعياً، إذا صدف وحدث خارج الزواج، عاراً أو قتلاً في الوقت الذي تعتبر فعلة الشريك الذكر شيمةً من شيمِ الرجال....والمؤسف أن معظم المدونات القانونية في البلدان العربية لا تزال تأخذ بأحكام مخففةٍ على قَتَلةِ النساء(غاسلي العار)...وهؤلاء القضاة المتسربلون بالشرف والرحمة في آن، لا يتذكرون لحظة واحدة أن عنترة العبسي الشاعر الملحمي وصاحب المعلقة والبطل المقدام هو ثمرة علاقةٍ خارجية مع إحداهن من ممتلكاتِ اليمين ..... فالمسألة بكل بساطة تحيل إلى تراثٍ عبراني من العصور الغابرة؛ وأيضاً (يفتاح الجلعادي) الذي جاء ذكره في سفر القضاة " كان محارباً باسلا وهو ابن (زَوْنَة) ولدته لجلعاد". الزَوْنَة: الغريبة بين النساء مثل الزِوان الغريب على القمح؛ ولقد ترجمت (زونة أم يفتاح) أيضاً بالزانية فهي مثل أم عنترة وشيبوب وجرير الذين افتخرت بهم عبس. ولكن رغم كل البطولة لم يعطَ عنترة عبلة التي أحبها ولم يعطَ يفتاح الجلعادي من ميراث أبيه وصرخ في وجهه إخوته قائلين: " ليس لك ميراث في بيت أبينا لأنك ابن ضرة ". فالمرأة العربية تطورت كثيراً في ميادين العمل والعلم والثقافة ولكنها بالنسبة إلى العلاقات الاجتماعية في أسرتها وحيِّها ومكانِ عملها لا تزال تعتبر (عورة) والعورة من العَوَر. والعور هو القباحة والرداءة والسوء والعيب. وعورة الشيء سوءته وعيبه.هكذا يقول لسان العرب......ألا يجب تحرير المرأة من هذه اللغة ومن هذه المفاهيم؟؟؟...
-2-
وأما في سوريا، ففي العقود الأربعة الماضية، تطورت أحوال المرأة بشكل متناقض، وفي الواقع كانت المحصلة الجبرية لهذا التطور متواضعة إلى حدٍ كبير.....
بطبيعة الحال لا يمكن أن نتجاهل الزيادة الأفقية التي طرأت على تعليم النساء وعلى عدد الخريجات من مختلف الاختصاصات فاصبح هناك عدد هائل من الطبيبات والصيدلانيات وطبيبات الأسنان والمهندسات والمحاميات والممرضات وعدد كبير من الموظفات في دوائر الدولة، ولكن في المقابل، إذا ما أخذنا تزايد عد السكان بعين الاعتبار، نرى أن عدداً كبيراً من الفتيات يتسربن من المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية لأسبابٍ مختلفة، منها ما يتعلق بالتقاليد والمقولات البالية التي تعتبر العلم ضرورياً للذكور وليس للبنات، ومنها ما يتعلق بأسباب مادية ومعاشية أدَّت إلى تفاقم العنوسة بين المتعلمات والخريجات لعدم قدرة الخريجين الشباب على الزواج وبالتالي لعدم رغبة الخريجة بالزواج من غير متعلم، لكون هذا الزواج لا يحقق الانسجام بين الطرفين..
وفي الواقع التزايد الأفقي للخريجين والخريجات لم ينعكس إيجابياً على تحسن وتقدم وضع المرأة وتفعيل دورها في المجتمع السوري وهذا يعود لعوامل رئيسة سيطرت على هذا المجتمع في العقود الأربعة الماضية من أهمها:
1- حالة الاستبداد والقمع والطرد من السياسة وعدم تكافؤ الفرص والفساد والتدهور الهائل في مستوى المعيشة، فكل هذه الأمور أدت إلى نشوء وتفاقم التطرف الديني الذي بدوره انعكس بنكوص كبير على حياة المرأة السورية أسهم في إعادتها من جديد إلى البيت والحجاب والجلباب.
2- حالة التربية والتعليم في المدرسة والجامعة، فقد ذهبت بعيداً في الافتراق عن العلوم المنطقية والمعرفية والفلسفية وهذا ما أدى إلى تخلف الوعي والمدارك والعودة إلى تقاليد الماضي البالية وهذا أيضاً انعكس على قضية تقدم المرأة وتفعيل دورها.
3- لقد دفع تضافر استبداد السلطة والنكوص الديني معاً المرأة نفسها لأن تدافع عن تخلفها وعن الظلم الواقع عليها وعن حصر دورها الاجتماعي بالمنزل والجنس وتربية الأطفال، وكلنا نرى في الفضائيات كيف أن بعض النساء رحن يدافعن عن مبدأ تعدد الزوجات، وعن قوامة الرجال على النساء وعن عدم أهلية المرأة للعمل الاجتماعي والسياسي واستلام المناصب السياسية، وهذا النكوص رأيناه حتى في بعض الأوساط اليسارية في أبنائهم وبناتهم وبعض الأوساط البرجوازية الليبرالية، وعلينا ألا نستغرب حينما نرى في هذه الأيام على سبيل المثال أماً طبيبةً غير محجَّبة مؤمنة تصلي وتصوم ومصَّرة على عدم تحجبها بينما ابنتها الطبيبة أيضاً مصرة على أن تتحجب . وإني أعرف سيدة من سيدات دمشق تقارب الثمانين ومن عائلة مرموقة لا تلبس حجاباً وهي في هذا العمر في الوقت الذي زوجة ابنها مصرة على ارتدائه؛ فأيام هدى شعراوي كان نزع الحجاب يحيل إلى تحرر المرأة بينما انقلبت الآية الآن. فيبدو أن عودة المرأة إلى التحجب في المجتمع السوري بعد أن كان يميل إلى الانحسار في الخمسينات كان انعكاساً للوضع السياسي الناشئ في الثلث الأول من الستينات الذي اتسم بالقمع واحتكار المؤسسات المدنية وعدم تكافؤ الفرص وتعميم الفساد وانحدار القيم وانتشار الأمراض الاجتماعية والنفسية بين الشباب وهنا كان للدين لدى هؤلاء دور مضاد لآلام سوء الحظ وانعدام الفرص.
-3-
وفي الواقع وضع المرأة في سوريا متناقض إلى حدٍ كبير، فالمرأة لدينا منذ الاستقلال يحق لها أن تنتخِب وتنتخَب، في الوقت الذي مجلس النواب في الكويت لا يؤيد حتى الآن حق المرأة في الانتخاب والترشيح ويعارض أمير الدولة الذي يؤيد حقها في ذلك، وفي بلدنا أيضاً يمكن للمرأة أن تكون قاضية ورئيسة محكمة ومحامية ولكن يا للأسف لا يمكنها أن تكون شاهدة، فمنذ سنتين ذهبت زوجتي وهي مدرسة للغة الانكليزية وزوجة أخي وهي طبيبة مختصة بالأمراض الجلدية ليستخرجا وثيقة من مختار أحد أحياء دمشق لإرفاقها مع معاملة وفاة لوالدتي فطلب منهما شاهدين ولما أبديتا استعدادهما لأن يشهدا على الوثيقة ،ذهب في ضحك صاخب وبدا كأنه يسخر منهما ومن جهلهما بالقانون، فاستنكرتا ضحكه وسخريته وتساءلتا عن السبب، فتلاطف حينئذ معهما وقال لهما ياسيداتي: لا يحق للنساء أن تشهد، فقالتا: ألا نشكل شاهداً واحداً نحن الإثنتان، فقال لهما:لا!!! ونهض عن كرسيه وخرج من مكتبه إلى الشارع وأتى بشاهدين من المارة ليشهدا على وفاة والدتي!!!! اللوحة فيها شيء من الكاريكاتورية، القانون في بلادنا يبيح للمرأة أن تكون قاضيةً تصدر قراراتٍ وأحكاماً، ويمكنها أن تستدعي شهوداً لتسمع أقوالهم ولكنها في آن لا تؤتمن على شهادة.
أيضاً في بلادنا يمكن أن نرى فتاة تعمل وتسهم مادياً في مصروف العائلة ثم تتزوج وتستمر في مساعدة والديها وإخوتها مادياً ومعنوياً، وفيما بعد تخدم والديها في مرضهما وشيخوختهما وعند الإرث تأخذ نصف حصة أخيها.
وأيضاً في بلادنا إذا لم يسعف الحظ الفتاة بالزواج وبقيت دون زواج فهي محكومة بالرهبنة طوال عمرها لتحافظ على (شرف العائلة)..... إنها مأساة كاملة....
وأيضاً في بلادنا إذا أرادت الفتاة أن تستقلَ في بيت خاص بها، فلا تخلص من كلام الأهل ولا من كلام الناس....
وأيضاً في بلادنا إلى الآن لا تستطيع المرأة أن تمنح جنسية بلدها لأولادها وبناتها إذا كانت متزوجة من أجنبي..
وأيضاً في بلادنا لا تستطيع الفتاة أن تتزوج شاباًًً أحبته من غير دينها إلا إذا ترك دينه ومعتقده والتحق بدينها... وفيما إذا فعلت فهي ستخسر أهلها وأقاربها وربما أهله وأقاربه.
وأيضاً في بلادنا إذا وضع الوالد والوالدة حساباً لطفلهما في المصرف(شهادات استثمار) فيحق للمرأة رفد هذا الحساب بمبالغ جديدة ولكنها لا يمكنها أن تسحب منه فيما إذا احتاجت للصرف على طفلها....
وهنالك حالات وحالات غير مرئية وغير معلنة تماماً تكابد المرأة فيها بصمت، يجب على المثقفين السورين والناشطين المدنيين إثارتها وإصلاحها....
-4-
وأما فيما يتعلق بعلاقة المرأة السورية بالسياسة، فهي إلى الآن تعيش حالة تبعية للزوج والأب والأخ ودورها في هذا المجال لا يزال دوراً مزيِّناً وملطِّفاً لإكمال الصورة والمشهد. ففي سوريا لم نشهد حتى الآن نساءً من نموذج نوال السعداوي وأمينة النقاش في مصر ولويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال في الجزائر وراضية النصراوي في تونس.
فالمرأة السورية إلى الآن لم يتح لها أن تبادر إلى ممارسة السياسة والإسهام في تأسيس التشكيلات السياسية وهي لم تصل إلى رأس الهرم في الزعامة السياسية، وبقي في الأحزاب السياسية السورية دور المرأة هامشياً أو بالأحرى مهمشاً ولا يزال هذا التهميش التاريخي يستغرق حتى الآن أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة، وعلى سبيل المثال فأحزاب التجمع الوطني الديموقراطي يكاد أن لا يكون دور المرأة مرئياً فيها وهذا تحدٍ كبير لابد من تجاوزه.
ولكن من جانب آخر لا يمكن على الإطلاق أن ننسى دورها الداعم والرافد في العمل السياسي، وفي الواقع يمكن كتابة مئات وآلاف الملاحم عن النساء السوريات، زوجات وأمهات وأخوات المعتقلين، وعن دورهن وأدائهن وتضامنهن دون ملل أو تعب أو تبرم أو تأفف. وفي الواقع لا يمكن أن تضمحل من الذاكرة تلك المشاهد التي كنا نراها من خلف الشباك حيث يقف أهالي المعتقلين ليزوروا ابنائهم، فأم أسعد رغم رعاشها لم تكن تغيب عن مجتمع السجن متأبطة إحدى أخواتي وأما سهام فهي لم تغب عني في محنتي مع السجن زيارة واحدة، وكذلك أم وردة وأم شفيع وأم عدنان وأم (هيثم العودات) وأم لبنى وأم رضا وأم محمد وأم عبده وأم(علي الشهابي) التي لم تكن تستطيب العودة إلى البيت إذا لم تستطع أن تظهر شيئاً من التحدي إزاء السجانين وأم وائل وأم ناصر............و...و....و......و.....

-5-
وفي مجال العمل والنشاط المدني لا يزال دور المرأة مقتصراً في سوريا على جمعيات الخير والبر والإحسان ،وكأن النساء من الهشاشة بحيث لا يستطعن سوى تقديم الصدقات، وعلى سبيل المثال فجمعيات حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات تكاد أن تخلو تماماً من العنصر النسائي، وطبعاً كان هنالك مبادرات قد جرت من بعض النسوة من أجل تشكيل مؤسسات مدنية جديدة ولكن هذه المحاولات ضاعت في أدراج الفروع الأمنية. فالنشاط المدني النسائي محتكر بشكل كامل من الاتحاد النسائي التي تهيمن عليه السلطة وأي نشاط مدني آخر خارج الاتحاد الحكومي ممنوع.
-6-
إن تفعيل دور المرأة في سورية مرتبط بشكلٍ أساس بالنضال من أجل بناء الديموقراطية في سوريا وإدخال السياسة إلى المجتمع، ومن جانب آخر مرتبط وعلى المستوى نفسه بالنضال من أجل زواجٍ مدني ينقل المجتمع من حالة قبل الدولة إلى دولةالمواطنة، والنضال من أجل مدونة قانونية حديثة للأسرة والأحوال المدنية والإرث تساوي بين الرجل والمرأة على كل المستويات.
وفي النهاية أتمنى لنساء سوريا ونساء العالم المزيد من التقدم والمكتسبات والحقوق، وأرسل تحياتي بمناسبة عيد المرأة إلى زوجتي وأخواتي والصديقات ونساء المعتقلين في سوريا.......
نقولا الزهر
دمشق في 6/3/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة