الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اكتشاف سعيد النورسي مدخل مفاهيمي الى (سيرة ذاتية) ‏

رواء محمود حسين

2012 / 11 / 7
سيرة ذاتية


اكتشاف سعيد النورسي
مدخل مفاهيمي الى (سيرة ذاتية) ‏

رواء محمود حسين
‏ ‏
‏ بذرة:‏
‏ يبدأ النورسي سيرته الذاتية بتأكيد أن حياته هي بذرة لخدمة القرآن الكريم، بل إن ‏حياته العلمية بمثابة مقدمات تمهيدية لبيان اعجاز القرآن الكريم الموسوم ب(الكلمات)، ‏وبالرغم من سنوات سبع قضاها في حياة النفي والاغتراب والعزل عن الناس، أمضى ‏أيام حياته في قرية نائية بعيداً عن الروابط الاجتماعية، مما ولّد لديه قناعة تامة لا ‏يتطرق إليها الشك في أنه قد هيأ لخدمة القرآن الكريم خدمة صافية لا شائبة فيها؛ ‏وهكذا تحولت الشدائد والعنت التي واجهها في حياته إلى حصر النظر في التأمل في ‏القرآن وفي اكتشاف أسراره، ومن ثم فقد أصبحت الآيات القرآنية وحدها أستاذا مطلقاً ‏له، ولهذا يقول النورسي: "إن خدماتي وأحداث حياتي قد أصبحت في حكم بذرة، لكي ‏تكون مبدأ لخدمة إيمانية جليلة، قد منحت العيادة الإلهية منها في هذا الزمان شجرة ‏مثمرة برسائل النور النابعة من القرآن الكريم" (بديع الزمان سعيد النورسي: "سيرة ذاتية"، ‏ترجمة إحسان قاسم الصالحي، ضمن كليات رسائل النور (9)، ص 10 – 11). ‏
‏ هدف رسائل النور:‏
‏ وبالفعل، فقد خصص النورسي كل حياته لكشف ما اشتملته العلوم القرآنية من ‏حكمة ونور وهدى. وكان الهدف الأساسي من رسائل النور التي كرّس لها النورسي ‏حياته هو خدمة خالصة للآخرة والإيمان، ولم يرد أن تكون الرسائل وسيلة لمغانم الدنيا ‏أو للمنافع الشخصية (سيرة ذاتية، ص 44). ‏
‏ الموازنة بين الدنيا والآخرة:‏
‏ ومع أن الهدف هو الدار الآخرة لكن لم يكن الأمر بالنسبة للنورسي رفضاً ‏للأسباب الدنيوية بل كان الأمر لديه يستند إلى التوازن بين الإثنين. فقد اعتقد النورسي ‏أن علم الكلام القديم قاصر عن رد الشبهات والشكوك الواردة حول الدين، ولذلك فقد ‏شدد على ضرورة استحصال العلوم الحديثة أيضاً. فطالع كتب العلوم الحديثة حتى ‏استحصل على أسسها من رياضيات وجغرافية وفيزياء وكيمياء وجيولوجيا وفلك وفلسفة ‏وتاريخ حتى سبر أغوار هذه العلوم دون معونة من أحد ودون اللجوء إلى مدرس؛ ‏وابتكر النورسي أيام إقامته في وان طريقة خاصة في التدريس تختلف عن الطرق ‏المتبعة آنذاك في المدارس الدينية، استخلصها من العلوم الحديثة التي استوعبها ومن ‏خلال تجربته في تدريس الطلبة، آخذا بنظر الاعتبار متطلبات العصر وحاجاته ‏الضروية. وتستند هذه الطريقة إلى تقديم الحقائق الدينية ممزوجة بالعلوم الحديثة ‏بأسلوب قريب لمدارك العصر. وكان يؤكد أن جوهر الأزمة الإسلامية يكمن في أننا قد ‏خدعنا بالمظاهر والقشور وتركنا جوهر الإسلام وأبعاده العميقة. وكان يؤكد أنه لا بد ‏من تدريس العلوم الدينية في المدارس الحديثة تدريساً حقيقياً، وتحصيل بعض العلوم ‏الحديثة في المدارس الدينية في موضع الحكمة القديمة التي أصبحت لا ضرورة لها ‏الآن (سيرة ذاتية، ص 62 – 63، 64، 72).‏
‏ المعجزة المعنوية للقرآن الكريم: ‏
‏ ولكن الإنقلاب الأساسي الذي حدث في طريقة تفكيره هو أنه قد جعل جميع ‏العلوم المتنوعة والمخزونة في ذهنه مدارج للوصول إلى إدراك معاني القرآن الكريم ‏وإثبات حقائقه، ولم يعد يعرف بعد هذا الانقلاب الفكري سوى القرآن الكريم هدفاً لعلمه ‏وغاية لحياته. وأصبحت المعجزة المعنوية للقرآن الكريم دليلاً ومرشداً واستاذاً له، حتى ‏أنه أعلن لمن حوله: "لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن ‏إطفاؤها" (سيرة ذاتية، ص 66).‏
‏ منهج للعلوم الإلهية والكونية:‏
‏ وكان يرى أن العلوم الإلهية لا تكسب كسائر العلوم، لأنها علوم مقصودة ‏بذاتها، وهي لا تشبه العلوم الكونية المثيرة للإعجاب والحيرة ولا هي كعلوم اللهو؛ ‏ولذلك فلكي يتم كسب العلوم الإلهية يتطلب الأمر همة عالية، أو توغلاً تاماً، أو ‏مسابقة بدافع الشوق، أو تنفيذ قاعدة تقسيم الأعمال. وهذه المنهجية تقتضي أن يتوغل ‏طالب كل علم في علوم معينة حسب استعداده، حتى يتخصص فيها ولا يظل سطحياً. ‏وهذا يعني أنه يتعين على طالب العلم أن يتخصص في علم معين فيجعله أساساً، ‏ويأخذ خلاصة من العلوم المتعلقة به، لاتمام صورة ذلك العلم. لأن كل خلاصة يمكن ‏عدّها مكملة للصورة الأساس من دون أن تشكل صورة مستقلة (سيرة ذاتية، ص 71).‏
‏ الحرية الشرعية: ‏
‏ وكان النورسي أيضاً مؤمناً إيماناً تاماً بما كان يسميه (الحرية الشرعية)، والتي ‏خاطبها بقوله:‏
‏ "أيتها الحرية الشرعية!‏
‏ إنك تنادين بصوت هادر، ولكنه رخيم ويحمل بشارة سارة، توقظين بها كردياً ‏بدوياً مثلي نائماً تحت طبقات الغفلة. ولولاك لما ظللت أنا والأمة جميعاً في سجن ‏الأسر والقيد. إنني أبشرك بعمر خالد. فإذا ما اتخذت الشريعة التي هي عين الحياة، ‏منبعاً للحياة، وترعرعت في تلك الجنة الوارفة البهيجة، فإنني أزف بشارة سارة أيضاً ‏بأن هذه الأمة المظلومة ستترقى الف درجة عما كانت عليه في سابق عهدها. وإذا ما ‏اتخذتك الأمة مرشدة لها، ولم تلونك بالمآرب الشخصية وحب الثأر والانتقام، فقد ‏أخرجنا إذن من له من العظمة والمنة من قبر الوحشة والإستبداد، ودعانا إلى جنة ‏الإتحاد والمحبة.." (سيرة ذاتية، ص 85). ‏
‏ حوار الحضارات:‏
‏ ويجعل القاعدة الآتية: "خذ ما صفا، دع ما كدر" أساس منهجه في موضوع ‏‏(حوار الحضارات)، فالمطلوب أن نأخذ من الحضارات الأخرى – مشكورين ! – كل ‏ما يعين الرقي المدني من علوم وصناعات. أما العادات والأخلاق السيئة، فهي ذنوب ‏المدنية ومساوئها التي لا يتبين قبحها كثيراً لكونها محاطة بمحاسن المدنية الكثيرة. ‏ويقول: "ينبغي لنا الاقتداء باليابانيين في المدنية، لأنهم حفاظوا على تقاليدهم القومية ‏التي هي قوام بقائهم وأخذوا بمحاسن المدنية من أوربا. وحيث إن عاداتنا القومية ناشئة ‏من الإسلام وتزدهر به فالضرورة تقتضي الاعتصام بالاسلام.." (سيرة ذاتية، ص ‏‏86).‏
‏ مبدأ بقاء وصلاحية الشريعة: ‏
‏ أكّد النورسي أن الشريعة الغرّاء باقية إلى الأبد، لأن مصدرها الكلام الأزلي، وإن ‏منهج الخلاص من النفس الأمّارة بالسوء إنما يكمن بالاعتماد على الاسلام والاستناد ‏إليه والتمسك بحبل الله المتين. كما إن الحرية الحقة مناطة بالإيمان، لأن من أراد ‏العبودية الخالصة لله رب العالمين لا ينبغي أن يذل نفسه فيكون عبداً للعبيد. وكل ‏إنسان مكلف بأن يتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته الشريفة. ‏وهذا هو المغزى من بعثة الأنبياء عبر التاريخ الطويل للإنسانية: إن الذي يدفع أبناء ‏هذه الممالك إلى التقدم إنما هو الدين. فالمشرب: محبة المحبة ومخاصمة الخصومة، ‏والمسلك: التخلق بالأخلاق المحمدية، والمرشد: الشريعة الغراء، والهدف: إعلاء كلمة ‏الله، ولذلك كان النورسي يقول: "لو كان لي ألف روح، لكنت مستعداً لأن أضحي بها ‏في سبيل حقيقة واحدة من حقائق الشريعة، إذ الشريعة سبب السعادة وهي العدالة ‏المحضة وهي الفضيلة" (سيرة ذاتية، ص 102، 109). ‏
‏ سعيد الجديد: الدين بديلاً عن الفلسفة
‏ تبدأ مرحلة (سعيد الجديد) عند النورسي بمشاهدته ازدياد العلم الفلسفي في ازدياد ‏المرض، ورؤيته ازدياد المرض في ازدياد العلوم العقلية، لأنه حين سار في طريق ‏التأمل والفكر، انقلبت العلوم الأوربية الفلسفية وفنونها التي كانت مستقرة في ذهن ‏‏(سعيد القديم) إلى أمراض قلبية، نشأت منها مصاعب ومعضلات كثيرة في تلك ‏السياحة القلبية. فقد قام سعيد الجديد بفحص فكره من جديد والعمل على تخليصه من ‏أدران الفلسفة المزخرفة ولوثات الحضارة السفيهة. فقد كان سعيد القديم مثل المفكرين ‏الذين ارتضوا بقسم من دساتير الفلسفة البشرية، أي يقبلون شيئاً منها، ويبارزونها ‏بأسلحتهم، ويعدون قسماً منها مسلماً به، كالعلوم الحديثة مثلاً. ولهذا لا يتمكنون من ‏تقديم الصورة الحقيقية للاسلام على تلك الطريقة من العمل. ولكنه ترك تلك الطريقة ‏بعد أن توصل إلى حقيقة مفادها: إن أسس الإسلام عريقة وغائرة إلى درجة لا تبلغها ‏أبداً أعمق أسس الفلسفة، بل تظل سطحية تجاهها. لكن حكمة القرآن قد أسعفته أخيراً، ‏رحمة من العلي القدير وفضله وكرمه سبحانه. فغسلت أدران تلك المسائل الفلسفية، ‏وطهرت روحه منها، فقد كان الظلام المنبثق من العلوم الفلسفية يغرق روحه ويطمسها ‏في الكائنات، فلا يرى نوراً ولا قبساً، ولم يتمكن من الانشراح والتنفس حتى جاء نور ‏التوحيد الساطع النابع من القرآن الكريم الذي يلقن "لا إله إلا الله". فمزّق ذلك الظلام ‏وبدّده. فقد اعتقد سعيد الجديد أن بداية كل الطرق إنما هو القرآن الكريم، فهو أسمى ‏مرشد، وأقدس أستاذ على الاطلاق، ومنذ ذلك اليوم أقبل على القرآن واعتصم به، ‏وصارت مسائل السنة النبوية بالنسبة له كالبوصلة التي تبين اتجاه حركة السفن، وكل ‏منها في حكم مصباح يضيء ما لا يحصى من الطرق المظلمة المضرة، فالذي ‏يتمسك بالسنة النبوية فهو أهل لمقام المحبوبية في ظل حبيب الله صلى الله عليه وآله ‏وسلم، ولذلك صار النورسي يردد: "اللهم اجعل القرآن نوراً لعقولنا، وقلوبنا، وأرواحنا، ‏ومرشداً لأنفسنا... آمين (سيرة ذاتية، ص 151 – 152، 162، 166، 167). ‏
‏ ‏
‏ ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة أكسفورد البريطانية يواصلون الضغط على جامعتهم لمقا


.. خفر السواحل الجيبوتي يكثف دورياته بمضيق باب المندب




.. وصفته بـ-التطور الشائن-.. وكالة -أونروا- تغلق مجمّع مكاتبها


.. بين مؤيد ومعارض.. مشرعون أمريكيون يعلقون على قرار بايدن بتجم




.. السويد.. مسيرة حاشدة رفضا لمشاركة إسرائيل في مهرجان غنائي في