الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانثى و الحضارة

نزار جاف

2005 / 3 / 8
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي


عبر التأريخ الانساني السحيق، تطالعنا أسماء نسوية عديدة " لکن محدودة " موزعة بين الاسطورة و الواقع ، نظير أفروديت آلهة الحب و فينوس آلهة الجمال و هيلين بطلة إسبارطة و دليلة صاحبة شمشون و مريم المجدلية و زنوبيا ملکة تدمر و إيزابيل ملکة قشتالة و القديسة جان دارک و أسماء أخرى . لکن هذه الاسماء " وحتى الاسطورية منها " وردت في السياق التأريخي إستثناءا و ليس قاعدة ، أو بتعبير أدق جاءت في فترات زمنية قصيرة و نادرة من عمر التأريخ الطويل حيث تستأثر فيها المرأة خلالها بشئ من السلطة و النفوذ أو تدخل بسبب أو آخر في دائرة الضوء . إلا أن القاعدة التي رص عليها البنيان التأريخي للانسان ، کان مشيده الاساسي الرجل لوحده . وحين نقول " لوحده " فإننا نرمي الى سطوة قيمه و أفکاره على کل الابعاد الحياتية للعملية الحضارية عبر التأريخ . الانثى عبر الحضارة القديمة و لغاية القرن العشرين ، کانت بمثابة عنصر ثانوي يتراجع دوره أحيانا الى أقل من ذلک بکثير ، وکان ينظر إليها رمزا للمتعة و الاغراء والاغواء ! وقد ساهم النص الديني من خلال قصة إغواء الشيطان لحواء ومن ثم توريط حواء لآدم المسکين المغلوب على أمره مما کان السبب في خروجه من الجنة في جعل المرأة سببا جوهريا لمعاناة الانسانية ، هذا النص الديني بإدافته مع القيم الاجتماعية "الذکورية" جعل المرأة في عنق الزجاجة ، فصارت المرأة بالاضافة لتبعيتها مشبوهة و مدانة بجريرة أمها حواء ! الانسان القديم إستطاع أن يبني حضارات کبيرة لکنها لم تتسم بديمومية الاستقرار و إنما کانت دائما تتعرض لهزات قوية تأتي عليها من الاساس و تصير في النتيجة هشيما تذرو به الرياح . وقد أثبت هذه الحقيقة " ويل ديورانت " حين کتب في موسوعته " قصة الحضارة " قائلا : "الحضارة تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق ، لأنه إذا ما أمن الانسان من الخوف ، تحررت في نفسه دوافع التطلع و عوامل الابداع و الانشاء ، وبعدئذ لاتنفک الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه الى فهم الحياة و إزدهارها "وقد کان العامل الاساسي في عدم إستقرار تلک الحضارات و إندثارها هو إنها کانت تبنى أساسا على مقومات القهر الاجتماعي و الطبقي مع رکونها و إعتمادها على الغزو الخارجي لبناء المجد الحضاري! وفي کل الحضارات في شتى أرجاء المعمورة کانت الانثى بجسدها أداة حاضرة و جاهزة للمتعة فيما کانت بروحيتها و نفسيتها الغائبة دوما عن کل المجالات الحياتية . ونظرة سريعة على المقاطع التأريخية المتباينة تبين أن المرأة کانت تارة ملعونة لأنها کانت " حصان طروادة" الذي أخرج آدم من الجنة ! و أخرى ذبحوها ليقدمونها قربانا للالهة ، وحينا أحرقوها لأنها ساحرة و أن الارواح الشريرة تسکن في ثناياها ! وآخرون کانوا يأدونها أو يسبونها حتى وصل الامر بها أن تباع کأية سلعة أخرى في الاسواق هذا إذا ما وضعنا جانبا أنهها کانت تتوارث من قبل الذکور ! وقد إستقر بها الامر أن تصبح معيارا لقيم الشرف و الاخلاق وأن تثاب و تجازى وفق لذلک ! وتطول قائمة العذاب و المعاناة الانثوية عبر التأريخ إذا ما بقينا على إماطة اللثام عن الصفحات السوداء في تأريخ المرأة، ورغم أن القرن العشرين قد شهد إنقلابا نوعيا لصالح المرأة بالمقارنة مع العصور الاخرى ، إلا أن ذلک لم يکفل لها نيل حقوقها المشروعة کاملة کي تشارک نصفها الاخر کطرف أساسي في عملية البناء الحضاري . وحتى في الغرب الذي يزعم أن المرأة قد نالت حقوقها کاملة ، لازالت تتعرض للإمتهان و الحط من قدرها ، خصوصا وأن النظام الفکري ـ الاجتماعي الغربي المبني أساسا على البنى البراغماتية ، مازال يرى في المرأة وسيلة للهو و المتعة و هاهي صورها و تماثيلها العارية أو شبه العارية تزين مختلف الاماکن في الغرب . أن مشارکة المرأة في البناء الحضاري لايعني إطلاقا تجردها من القيم و سعيها للمشاعية الجنسية بقدر مايعني إشتراکها النظري و العملي في صياغة و تحديدالاسس التي تقوم عليها العملية الحضارية . أن الاقرار بحقوق المرأة لايکمن في تبرجها و حريتها على مختلف الاصعدة من دون وجود الضمانات الکفيلة بحماية حقوقها الاساسية في مساواتها الکاملة بالرجل ، ذلک أن البيانات الصادرة عن الدوائر المختصة بالمرأة تشير الى تزايد حالات إستخدام العنف ضد المرأة حتى في عقر ديار بلدان مايسمى بالعالم الاول . إستخدام العنف ضد المرأة هو في الواقع عودة الى الروح الهمجية لحضارة الانسان في العصور القديمة ، والتخلي عن العنف کمنهج و وسيلة لبلوغ الغايات هو بداية الطريق الحقيقي لحضارة إنسانية واقعية مبنية على مقومات تشترک في صياغتها کل الاطراف و بشکل يعبر عن رؤى و تطلعات الجميع بدون إستثناء أو تمييز . من هنا ليس مهما أن تتبوأ السيدة تاتشر أو أولبرايت أو بينظير بوتو أو نسرين برواري مناصب سياسية رفيعة بقدر ماهو مهم و حيوي أن يجسد النظام الفکري ـ الاجتماعي قيما حضارية تؤمن إيمانا عميقا بالمرأة کعنصر أساسي و فعال في المجتمع و لايمکن بناء حضارة متکاملة البنيان من دون مشارکتها . وإذا ماعلمنا بأننا نتحدث هنا عن الغرب ، ونبين معايبه فيما يتعلق بالمرأة ، لعلمنا عندها المسافة الشاسعة التي تفصل بين المرأة الشرقية و أبسط مقومات الحضارة ، ذلک أن المرأة الشرقية مازالت تقبع تحت طائلة القيم الاجتماعية الذکورية المتوارثة والتي نستطيع حشرها جميعا تحت مايسمونه " العيب " رغم أن العيب الحقيقي هو في هذا " العيب" !! وعلى الرغم من أن مشروع الشرق الاوسط الکبير للإصلاح هو مشروع سياسي ـ إقتصادي ـ فکري يخدم توجهات و مصالح الولايات المتحدة الامريکية ، لکنها قد تکون إيجابية من حيث أنها قد تکون عاملا مهما في دفع النظم السياسية العربية المتخلفة نحو تکفيل المزيد من الحقوق للمرأة و فک قيودها . على أننا نؤکد أن حضور المرأة الشرقية في العملية الحضارية يرتبط إرتباطا وثيقا بالنص الديني الذي يقف حجر عثرة أساسي في وجه طموحاتها المشروعة ، ومن دون مراجعة و إعادة قراءة هذا النص لايمکن إطلاقا إحراز أي تقدم في مجال حقوق المرأة ، ترى متى سيأتي ذلک اليوم الذي قد يحدث فيه هذا الامر ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-