الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الخرساء في سوريا ليست من اجل الحرية

روبير البشعلاني

2012 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



لو كانت فعلا ثورة حرية لكان الاجتماع السوري حديثا اي طبقيا ولكانت القوى الثورية قوى طبقية محددة وجامعة وموحِدة ضد قوى رجعية طبقية موحدة هي ايضا . ولما كنا نرى الفئات الكادحة منقسمة عاموديا على طوائف متعددة . ولما كنا راينا قوى ثورية لا ترفع الا شعارات دينية ذات صبغة عصبية واضحة ضد صبغة اخرى. لو كانت فعلا طبقية لحملت شعارات اجتماعية واضحة ولقالت ماذا تريد ان تفعل ل”شعبها” اذا ما وصلت الى السلطة .
وحدها القوى الطائفية في بلادنا , وهو امر معروف, تتقدم مقنعة ب”ثوراتها”, بدون برامج, وبدون اهداف معلنة, أو بأهداف كاذبة وعمومية الى درجة اخفاء الهدف الحقيقي وهو الغلبة المسنودة بالخارج غالبا. تذكروا آخر حرب في لبنان ابتداء من العام 1975 : شعار الثورة “الشرقية” كان تحرير لبنان من الغرباء . وشعار ثورة “الغربية” كان التخلص من الاستئثار . اما الحقيقة فكانت في غير المعلن : الموارنة ثاروا على غلبة فعلية بدأت ترتسم بقوة السنة ( لم يكونوا اهل السنة بعد) المسنودين بالقوة السنية الفلسطينية . وجاء اتفاق الطائف ليثبت هذه الحقيقة ولكي يعيد تحاصص السلطة بين هاتين القوتين . لا طبقات ولا ديمقراطية ولا “بطيخ ممسمر “. دمروا البلد حتى وصلوا الى تحاصص طائفي سخيف جديد .

لو كان نسيج الاجتماع السوري غير النسيج القرابي المعروف في المنطقة, كالعراق ولبنان والاردن وحتى تركيا لكنا صدقنا شعار الحرية وسوريا القانون للجميع وحرية المرأة المتساوية مع الرجل, لكنا صدقنا احلام يقظة بعض المثقفين الطوباويين او المحشيين دولارات ,معروفة الرائحة, لو كان العمران السوري, على رأي ابن خلدون طيب الله ثراه, موحدا بدون غلبة, لو كان منقسما الى مصالح اقتصادية غير عصبية لكنا صدقنا الثورة ولكنا صدقنا ان الديمقراطية هدفها .
اما وان انقسامها هو هوياتي واضح ,الا لأعمى البصيرة, فإن الديمقراطية هي آخر همها كما نعلم وتعلمون, الدولة آخر همها كما نعلم وتعلمون, دولة القانون والمساواة وتداول السلطة شعارات غريبة عليها والا لكانت لفظتها بوضوح فهي ليست صعبة النطق الى هذا الحد. من يريد شيئا يقوله بوضوح وسهولة ومن يريد اخفاء اهدافه لا يقولها. ولا يحاولن ذكي ان يتذاكى علينا بالقول انها ثورة “جديدة” وغير “متوقعة” و”عفوية” ولا “تشبه” غيرها في التاريخ. هذه اكذوبات لا تمر على طفل يا صرَاخ القبائل بلغة حديثة .
الطفل عندما يتعلم الكلام يقول ما يريد اما ثوراتكم , وهي صاحبة علم الكلام بالمناسبة, فلا تنطق بحرف يا للغرابة. لانها تريد الغلبة فقط لا غير. واما الغلبة فلا تحل مشكلتي انا العاطل من العمل القاطن في القبور والعشوائيات في بلاد ترزح تحت نير الاحتلال المباشر وغير المباشر, الاستعماري القديم والامبريالي الجديد. في بلاد ثرواتها وقيمها منهوبة ليل نهار, ولا من ينبس ببنت شفة. الغلبة لا تحل مشكلتي انا العامل بلا امل او الفلاح المعدم لان لا قيمة لزرعي في قيمكم الريعية والتجارية منذ التاريخ. عصبياتكم وصراعاتها لا تقنعني ولن اشارك بها تحت اي مسمى. فهي لن تحل مشكلتي, مشكلة المرأة, مشكلة الكفاءة, مشكلة البطالة, مشكلة الماء, مشكلة الطعام, مشكلة البيئة والصحة والتدفئة, مشكلة الحرية والحقوق, بل ستزيد من تخلفنا وتخلف بلادنا وحروبها الاهلية الابدية .

غريبة هذه الثورة الصامتة الخرساء التي لا تعرف ان تقول شيئا عن وجعها عن وجعنا الحقيقي. فهل اذا كانت الثورة “عفوية” تكون بالضرورة خرساء؟ الا تعرف ان تقول اننا جوعى و بلا مأوى وثرواتنا بالهبل تنهب كل يوم . بل بالعكس تتحالف ثورتنا الخرساء مع قبائل الخليج التي قبلت مقابل السلطة ان تترك الامبريالي ينهب ما يشاء من نفطنا ومائنا وطعامنا . غريب امر هذه الثورة التي تتألف من جوعى وساكني عشوائيات ولا تتحدث, عندما تنطق, الا بالديمقراطية المركبة والدساتير! غريب هذا الجائع العفوي الفيلسوف ! جوعه لم يدفعه الا الى اشكال السلطة لا مضمونها .

بصرف النظر عن الاستراتيجيات والاهداف المعلنة وغير المعلنة لهذا الطرف الدولي او ذاك, فإن الثورة الديمقراطية في الداخل لا تقوم في بلادنا الا لكي تجيب على سؤال الدولة, الدولة العصرية, دولة القانون المساوي بين كل الافراد بين كل المواطنين . اما اذا كانت “عفوية” كما تقولون , ولم تطرح هذا الهدف الذي وحده يحرر بلادنا ويعتقها, فعفوا منها, لانها ليست ثورة بعد بل صراع عصبيات وغلبة لن تزيدنا الا تأبيدا للسؤال القديم : من يغلب من ؟ وليس ماذا نغير ؟
فلو كانت الثورة في سوريا جائعة للحرية فعلا, للديمقراطية فعلا, للدولة فعلا, لكانت طرحت “جوعها” بكل عفوية. لكانت, وهي الثورة “الغير شكل”, عبرت على طريقتها عن جوعها للدولة, هذا الجوع الذي كما نعلم وتعلمون لا يمر عبر اي شعار طائفي أو اسماء دلالاتها كافية لكي نعرف ما تريد والى اين تتوجه.

اليس غريبا ان تكون الطبقات الكادحة في سوريا منقسمة على ذاتها ؟ اليس غريبا انها تتمثل بقوى لا تقبل التوحد على اي شعار ؟ لماذا برأيكم ترفض القيادات “الثورية” السورية التوحد تحت اية راية او شعار ؟ الا ترون ذلك مريبا ؟ اليس لانها تمثل حساسيات طائفية ومناطقية متعددة ولا تريد ان تعلن اهدافا برنامجية تقيدها مستقبلا ؟ الا ترون ان ثوارا لا يعلنون العداء لعدوهم الطبيعي شيء مريب ومرعب ؟ هل يمكن ان تكون ثورة طبقية تلك الثورة ؟
اعرف تماما ان بين الثوار الطائفيين صعاليك يحلمون فعلا بالدولة المستقلة والاقتصاد المنتج المحرر الحقيقي من التبعية, لكنهم غير منظمين بعد ولا يملكون وعي الثورة , ثورتهم الاتية بعد حين. لذلك هم يبيعون جهودهم ونضالاتهم مجانا اليوم لتجار الطائفية كما باعها قبلهم مناضلون سبقوهم الى التضحية من اجل اعلاء الطائفيات هنا وهناك وتحت جزمة المحتل المباشر والمحتل الاقتصادي.
حتى يحين وقت الصعاليك, الشباب الجديد الكثير العدد وغير التابع للعصبيات, وقت الثورات الفعلية ضد منظومة الاستبداد لا ضد شخوصها, حتى ذلك الحين وهو قريب جدا اسمحوا لي ان اكون في صف معاد لصف ثورة العصبيات الطائفية غير المجدية, خرساء ومرهونة للخارج فوق "الدكة" . لن اكون شاهد زور مرة ثانية أو ثالثة.
التحديات كبيرة جدا ومن يظن أن حلولها يمكن أن تأتي على يد جماعات لا تملك الا عقلية الجمعيات الخيرية والبر والاحسان فهو واهم. اصحاب هذه العقلية يجب اعادتهم الى المدرسة لا إعطائهم الدولة . فالدولة ليست لعبة يتلهى بها من لم يتعلم الكلام بعد. في الدولة مصير الامم والاوطان.
هذه المرة أعذرونا على عدم المشاركة.. فثورتكم خرساء ونحن شعوب فُطرنا على الكلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا