الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية للمرأة في يومها الأغر

عبدالخالق حسين

2005 / 3 / 8
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي


بمناسبة الثامن من آذار/مارس، يوم المرأة العالمي وعيدها الأغر، نقدم للمرأة أحر التهاني القلبية وأزكى التبريكات بهذه المناسبة السعيدة. إن تخصيص يوم عالمي للمرأة هو اعتراف بجهودها ودورها في حياة المجتمع ونضالها المتواصل لنيل كافة حقوقها المشروعة كاملة دون نقصان. ولم يأت هذا الاعتراف إلا بعد نضال عسير من قبل المرأة المناضلة وأنصارها من الرجال في الحركات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التقدمية.

لا نبالغ إذا قلنا إن مكانة المرأة في أي مجتمع تعتبر المعيار الحقيقي لمعرفة مستوى التطور الحضاري لذلك المجتمع. فإذا كانت المرأة مسحوقة وحقوقها مهضومة في بلد ما، كان ذلك دليلاً على تردي المستوى الحضاري في ذلك البلد، والعكس بالعكس. لذلك نرى المرأة تتمتع بكل حقوقها في الدول الديمقراطية الغربية المتطورة بينما نراها محرومة من هذه الحقوق في الدول المتخلفة وبالأخص الإسلامية والعربية. فدرجة التطور والتقدم الحضاري لا تقاس بالمستوى المعيشي والثروة المادية للشعب، إذ (ليس على الخبز وحده يحيى الإنسان) كما قال السيد المسيح، بل بمكانة المرأة فيه وتمتعها بالحرية ومساواتها بالرجل في الحقوق الواجبات وتكافؤ الفرص ودورها في الحياة العامة.

فالمرأة عادة تشكل نصف السكان، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ويتغلب على مصاعبه ونصفه مشلول ومعطل عن المساهمة في النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وهذا التعطيل لقدرات المرأة لعب دوراً كبيراً في تخلف المجتمعات الإسلامية والعربية على وجه الخصوص. فهناك علاقة جدلية بين التخلف وحرمان المرأة من حقوقها. لأن اضطهاد المرأة يؤدي إلى تخلف المجتمع وتخلف المجتمع يؤدي إلى اضطهاد المرأة.

وأفضل مثال على ذلك هو ما يعانيه المجتمع السعودي والدول الخليجية الأخرى، حيث المستوى المعيشي المادي جيد ولكن المرأة محرومة من حقوقها، بدءً من الحقوق السياسية وإلى الحق في سياقة السيارة. ونتيجة لهذا العطل لنصف الشعب السعودي البالغ 16 مليون نسمة، اضطرت الحكومة السعودية أن تستورد العمالة من الخارج لسد النقص الذي خلفه تعطيل المرأة، بما يسوي ثمانية ملايين عامل. وهذا يكلف البلاد أموالاً طائلة تبلغ حوالي 15 مليار دولار لتحويلها إلى الخارج سنوياً.

إن استحواذ الرجل على كافة الحقوق واضطهاد المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها، هو امتداد للوضع الاقتصادي في الماضي السحيق، حيث كانت المعيشة تعتمد كلياً على عوامل بايولوجية وخاصة القوة العضلية المطلوبة في العمل والحروب والغزوات وأعمال القتل والنهب والقيام بأعمال وحشية لا تتطلب الكثير من النشاطات العقلية التي تتساوى فيها المرأة مع الرجل. والرجل أقوى من المرأة في المجال العضلي لأسباب بايولوجية خلقية. ولذلك فقد استحوذ الرجل على السلطة والحقوق وصنعَ القرارات السياسية ونظمَ القوانين وأسسَ الأديان وفق رغباته وجعلها تستجيب لطلباته البايولوجية وإشباع حاجاته المادية والحسية وحرمان المرأة من حقوقها وجعلها كائناً دون مستوى الرجل وأنها ما خلقت إلا لخدمته وإنجاب الأطفال وتربيتهم. أما في المجتمع الإسلامي فالظلم مضاعف، إذ يقدسون فكرة سجن المرأة في البيت مثل قولهم أن المرأة الشريفة المخلصة هي التي لا تغادر البيت في حياتها إلا مرتين: الأولى بوم زواجها حيث تغادر بيت أبويها إلى بيت الزوجية والثانية إلى القبر.

والآن، فقد خطت البشرية شوطاً واسعاً في الحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجي، وتطورت الشعوب وتغيرت أساليب الحياة، فصارت الأحوال المعيشية والنشاطات الاقتصادية بل وحتى الحروب لا تتطلب المزيد من القوة العضلية بل تحتاج إلى قوة عقلية. وقد أثبتت المرأة أنها لا تقل عن الرجل في هذا المضمار إن لم تبزه، لذلك فلم يبق أي مبرر للرجل أن يستمر في الاستحواذ على الحقوق ويحرم المرأة من حقوقها ويعتبرها دون مستواه لأسباب واهية لا وجود لها.

إلا إن النظرة الدونية ضد المرأة بقيت ملازمة للرجل في المجتمعات الإسلامية والعربية بخاصة، كامتداد للماضي، معتداً على قراءات منحازة لبعض النصوص الدينية المقدسة دون نظر الاعتبار لسياقها التاريخي. وقد شاءت حركة التاريخ أن لا تتحقق الحقوق إلا من خلال نضال عسير من قبل المحرومين، سواء كان هذا الحرمان والإجحاف ضد طبقة اجتماعية معينة أو عنصر أو جنس معينين. فلما ولدت الديمقراطية الحديثة في بريطانيا، بقيت المرأة محرومة من حقوقها السياسية في التصويت والترشيح للبرلمان لفترة طويلة إلى العقد الثاني من القرن العشرين.
ويا للمفارقة، إن الملكة فكتوريا، المفترض بها أن تناصر المرأة كونها امرأة، كانت من بين ألد أعداء حقوق المرأة السياسية في بريطانيا ووقفت ضد مشاركتها في الانتخابات والترشيح للبرلمان. ومن رؤساء الوزارات اللذين عارضوا نيل المرأة لحقوقها السياسية كان ويليام غلادستون وبنجامين دسرائلي.
لقد شكلت المناضلة النسوية إملين بانكهرست في أوائل القرن العشرين حركة نسائية، سياسية واجتماعية، وتبنت الصراحة والكفاح العنيف إلى حد المصادمات مع البوليس ودخولها السجن. وأخيراً انتصرت الحركة عندما صوت البرلمان البريطاني عام 1918 لصالح المرأة التي جاوزت الثلاثين من العمر في حق المشاركة في التصويت والترشيح. وقد خفض هذا إلى عمر 21 في عام 1928 حيث نالت المرأة حقوقها السياسية الكاملة أسوة بالرجل. وفي عام 1929 صارت القائدة النقابية مارغريت بونفيلد أول وزيرة في الحكومة البريطانية. وفي عام 1979 صارت مارغريت تاجر أول امرأة رئيسة للوزراء ولثلاث دورات متتالية إلى عام 1990.

في العراق، كانت السيدة صبيحة الشيخ داوود أول امرأة تدخل كلية الحقوق في الثلاثينات من القرن العشرين. وقد ناضلت المرأة العراقية في جميع المجالات السياسية والإجتماعية والاقتصادية وعانت الكثير من الاضطهاد من الحكومات الجائرة والقوانين والأعراف المجحفة والتقاليد البالية. ولكن تأخر التأسسيس العلني للحركة النسوية في العراق إلى ثورة 14 تموز 1958 حيث تم الإعلان عن تأسيس (رابطة الدفاع عن حقوق المرأة). ثم صار اسمها وباقتراح من قائد الثورة الزعيم عبدالكريم قاسم إلى (رابطة المرأة العراقية). وأول وزيرة كانت هي الدكتورة نزيهة الديليمي في حكومة ثورة 14 تموز، ليس في العراق فحسب بل وفي الدول العربية والإسلامية. ومن ثمار كفاح المرأة العراقية أن أصدرت الثورة قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لعام 1959 والذي ساوى المرأة بالرجل في الميراث والشهادة في المحاكم وتولي رعاية أطفالها في حالة الطلاق ومسائل تقدمية كثيرة كلها في صالح المرأة مما أثار غضب القوى الرجعية وأعداء ثورة تموز. وكالعادة، اتخذوا من الدين وسيلة لمحاربة القانون واعتبروه ضد الدين الإسلامي، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، إلى أن تحالفت قوى الظلام ونجحت في اغتيال الثورة يوم 8 شباط 1963 الأسود ومعها اغتالت حقوق المرأة.

كما بينا أعلاه، لا تأتي الحقوق على طبق من ذهب أو فضة، بل بعد نضال عسير ومطالبة مستمرة وكفاح دون هوادة من قبل المرأة وأنصارها من الرجال التقدميين. ويحتاج هذا النضال إلى تضامن عالمي بين الحركات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان في العالم. وهذا ما حصل حيث تكلل هذا النضال بأن أصدرت الأمم المتحدة عام 1979 لائحة حقوق الإنسان الدولية والتي نصت على القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وكان العراق من الدول التي وقعت على هذه اللائحة. إلا إن الأنظمة الفاشية لا تلتزم بالمواثيق الدولية، فتوقيعها على هذه القرارات لا يعطي أي ضمانة لتطبيقها.
فرغم القرارات الدولية التي صادق عليها النظام البعثي الفاشي في العراق، إلا إن المرأة كانت مسحوقة وعانت الكثير من المظالم والقهر والاستلاب، إلى حد أن أباحت الحكومة الفاشية قتل المرأة فيما سمي بجرائم الشرف. فكان يحق للقريب من الدرجة الأولى والثانية قتل قريبته تحت هذه الذريعة الظالمة. وقد استغل البعض هذا القانون القبلي الجاهلي وبدوافع الطمع والجشع فكانوا يقتلون المرأة للتخلص منها من أجل الاستحواذ على حصتها في الميراث.

ويا للمفارقة، فبعد سقوط النظام الفاشي وخلاص شعبنا من ويلاته، وبدلاً من أن تتغير مكانة المرأة نحو الأفضل، أصدر مجلس الحكم الانتقالي قراراه المرقم 137 سيئ الذكر بإلغاء قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لعام 1959 وتطبيق الشريعة بدلاً منه، أي العودة إلى مجتمع الحريم والإماء والجواري. ولحسن الحظ، رفض بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف آنذاك القرار. إلا إن الإسلامويين هددوا أنهم سيلغون قانون الأحوال الشخصية عندما يفوزون بالسلطة في المستقبل. ولهذا فهناك قلق مشروع عما سيعمله الإسلاميون في الجمعية العامة في المستقبل. ولهذا فعلى المرأة وأنصارها من القوى الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني أن يكونوا على منتهى الحيطة والحذر من أي تحرك من الإسلامويين المتطرفين في إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.

وسبب آخر لخيبة أمل المرأة وأنصارها بعد سقوط الفاشية، هو أن المتطرفين الإسلامويين نجحوا في استخدام القوة في فرض الحجاب بنسخته الطالبانية الأفغانية في العراق ولم يسلم من هذا العسف حتى النساء غير المسلمات. والمخيب للآمال أن الذين يدعون الإعتدال من الإسلامويين التزموا الصمت إزاء هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان.
والجدير بالذكر، إن المرأة تشكل اليوم حوالي 60-65 بالمائة من المجتمع العراقي. حيث بلغت نسبة مشاركة النساء في الانتخابات الأخيرة يوم 30 يناير/كانون الثاني 2005 حوالي 65 بالمائة. وهذه النسبة تكشف أما أن المرأة أكثر حرصاً من الرجل في النشاط السياسي أو هذه هي نسبتها الحقيقية في المجتمع العراقي حيث قتل النظام البائد عدداً كبيراً من الرحال في حروبه العبثية. ولهذا الخلل نتائجه المدمر على المجتمع. وفي جميع الأحوال تستحق المرأة دوراً مساوياً لدور الرجل في النشاط السياسي والاجتماعي والقتصادي. ففي النظام الديمقراطي لا يحق للأقلية أن تستحوذ على كافة الحقوق على حساب الأكثرية.
لذلك، فأمامنا مرحلة عصيبة ونضال فكري وسياسي حامي الوطيس لمواجهة أعداء المرأة من القوى الطلامية المضادة لحقوق المرأة خاصة وحقوق الإنسان بصورة عامة وتحت مختلف الذرائع. ففي الوقت الحاضر يسيطر الإسلامويون على المؤسسات الإعلامية والتشريعية وقد استغلوا المؤسسات الدينية مثل المساجد والحسينيات لأغراض سياسية وتسييس الدين، والمرأة هي أولى الضحايا في هذا العسف. ونحن لا نملك سوى بعض مواقع الانترنت لنشر أفكارنا في هذا الكفاح. وعليه تقع علينا مسؤوليات كبيرة في تحريك الشارع وحشد الطاقات ونشر الوعي وثقافة الديمقراطية وروح التسامح وحقوق الإنسان وحقوق المرأة بوجه خاص. فألف تحية للمرأة في عيدها الأغر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة