الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى مأثرة نفق سجن الحلة عام 1967

حميد غني جعفر

2012 / 11 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في ذكرى مأثرة نفق سجن الحلة - 1967 –
لم تكن عملية الهروب هذه هي الأولى في تأريخ السجناء السياسيين من السجون العراقية فتأريخ حزبنا زاخر بمثل هذه المآثر البطولية ، لكن عملية نفق سجن الحلة المركزي – 1967 – هي الأكبر والأكثر نجاحا من سابقاتها ، كونها هزت أركان النظام ألعارفي وأقضت مضاجعه ، ولذا كثرت حولها الأقاويل والادعاءات – من هنا وهناك - ، وكل يريد تجيير الأمر لصالحه ، والآن وفي ذكراها الخامسة والأربعون لابد من إلقاء الضوء على الحقيقة التي ظلت غائبة عن الشارع العراقي والرأي العام لأكثر من أربعة عقود من الزمن ،خدمة للحقيقة والتأريخ ، لقد اكتسبت هذه المأثرة الرائعة أهمية استثنائية خاصة ، بفعل الظروف الذاتية والموضوعية التي مرّت بها بلادنا – آنذاك – من جهة ، ومن جهة أخرى ما تميزت به من دقة في التخطيط والتنفيذ وسرية العمل والكتمان الشديدين والانضباط الصارم بحيث لا يعلم بها ... إلا المنظمة الحزبية بقيادة الرفيق الراحل حسين سلطان وشخوص التنفيذ والإشراف على العمل وهم سبعة رفاق فقط – الشاعر مظفر النواب – وحسين ياسين وحافظ رسن بدور المشرفين على العمل - ، والمنفذين لعملية حفر النفق - عقيل حبش كمال ملكي والملازم فاضل عباس والكاتب - .
وكان عدد السجناء والمعتقلين الذين غصت بهم السجون العراقية بالآلاف وحظيت باهتمام الرأي العام العالمي في كل المحافل الدولية إلى جانب تصاعد نضال حزبنا والحركة الوطنية الديمقراطية من أجل إطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين حتى باتت قضية السجناء مطلبا وطنيا ملحا ، ولكن وبالرغم من تصاعد نضال حزبنا والقوى الديمقراطية وضغوطات الرأي العام العالمي لإطلاق سراح السجناء السياسيين لم تستجيب حكومة – عبد الرحمن عارف – وصمت آذانها عن هذا المطلب الوطني العادل حتى وقوع عدوان الخامس من حزيران 1967 ، فتقدم هؤلاء السجناء المناضلون وهم خلف الجدران الأربعة ويتحرقون شوقا لساحة المعركة القومية الكبرى بمذكرة إلى رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف – آنذاك –يطالبونه فيها بإطلاق سراحهم وإرسالهم إلى جبهات القتال ... وأبدوا استعدادهم للعودة إلى السجن ثانية – بعد حسم المعركة – لإكمال ما تبقى من محكومياتهم ، هكذا وبهذا السمو والتفاني يتحلى الشيوعيون والديمقراطيون ... وإزاء تعنت حكومة عارف وإصرارها على عدم إطلاق سراحنا ، كان لابد للسجناء والمعتقلين أن يفكروا بتحرير أنفسهم رغم أنف عارف وحكومته المتخلفة .
وجاء عدوان الخامس من حزيران 1967 ليشكل حافزا قويا للإسراع والتعجيل بعملية حفر النفق ، وللحقيقة فإن الفكرة موجودة أصلا – قبل العدوان - في بداية نيسان من العام – 1967 – ولكن من موقع آخر - غير الذي تمت منه العملية وكان مسؤول المنظمة الحزبية هو الأستاذ نصيف الحجاج ، ولكن وفي نهاية الشهر ذاته نيسان من العام 1967 جاء نقلا من سجن نقرة السلمان إلى سجن الحلة الرفيق المناضل الراحل عضو اللجنة المركزية للحزب حسين سلطان ، وكان لابد للمنظمة الحزبية أن تطلعه على فكرة النفق بوصفه عضوا للجنة المركزية ومناضلا مجربا في السجون ، وبعد إطلاعه على موقع – المطبخ – حذر الرفاق من خطورة هذا الموقع بفعل وجود ربية حراسة فوق السطح قبالة المطبخ بحيث تشرف على كل حركة صغيرة وكبيرة – للداخل أو الخارج – من المطبخ إضافة إلى أن هذا الموقع بعيد عن السياج الرئيسي للسجن ، وتبين بأن الرفيق سلطان كان يحمل أيضا مشروعا للهروب الجماعي ولكن من موقع آخر أكثر أمانا وضمانا للنجاح وطرحه على المنظمة ، وبعد مداولات ومناقشات ، استقر الرأي على فكرة الراحل – أبو علي – وهو غرفة الصيدلية الصغيرة من داخل القلعة الجديدة لا تتجاوز الثلاثة أمتار – عرضا وطولا - وألغيت الفكرة الأولى – وفي جانب من هذه الغرفة مجرى لتصريف المياه ، وفي داخل الغرفة بابان خشبيان يطل كل منهما على قاعتين كبيرتين – يمينا ويسارا – لكنهما مغلقان ومهجوران تماما ، والدخول إلى الصيدلية من الباب الرئيس الذي يطل على ساحة السجن ، وبعد أن تم تشخيص الرفاق المنفذين لعملية حفر النفق وهم أربعة والكاتب أحدهم إذ أبلغني الراحل سلطان شخصيا بهذه المهمة المشرفة وثلاثة آخرين هم – المشرفون – المذكورين أعلاه - ، والذين تم اختيارهم جميعا من قبل المنظمة الحزبية بقيادة الراحل حسين سلطان – وليس من أية جهة أخرى - وبعد أن تم إخلاء الصيدلية من محتوياتها من الأدوية بقرار من المنظمة الحزبية التي تولى قيادتها حسين سلطان بعد إطلاق سراح نصيف الحجاج بانتهاء محكوميته ، وكان العمل بسرية تامة وكتمان شديدين – كما أسلفنا – بدأنا العمل في بداية تموز من العام 1967 بعد فتح – المنهول – عن المجرى وبأدوات بسيطة للغاية – ملعقة أو درنفيس أو فأس صغير – حيث كانت أرضية النفق هشة جدا بفعل المجرى وواصلنا العمل على مدى حوالي ساعتين في اليوم بسبب الحر الشديد وخلو الهواء من الأوكسجين – داخل النفق – ومن جهة أخرى كنا مكلفون أيضا بمهمة إعداد النشرة الإخبارية اليومية للسجناء وكنا نسهر حتى ساعات متأخرة من الليل بإعداد النشرة ، الأمر الذي ساعد على صرف أنظار السجناء عن دخولنا وخروجنا للغرفة باعتبارنا مسؤولين عن إعداد النشرة الإخبارية ، وكنا على صلة يومية مستمرة بالرفاق المشرفين على العمل وخصوصا حسين ياسين وحافظ رسن لإطلاعهما على سير العمل وعلى ما يعترض عملنا من عراقيل ومعوقات ويقوم حافظ رسن بدوره في نقل ما نحتاجه من لوازم العمل ومعوقاته وبشكل يومي أيضا إلى حسين سلطان – مسؤول المنظمة الحزبية – ثم ينقل لنا توجيهات وتوصيات حسين سلطان بخصوص العمل ، وكانت من أصعب المشكلات التي واجهتنا في العمل هي مشكلة تسريب وإخفاء التراب واستخدمنا لهذا الغرض أكياس السكر والطحين والرز نفتحها ونصنع منها كيسا كبيرا- ندك التراب فيه دكا – حتى امتلأ جانب من الغرفة إلى السقف ، ثم صنعنا صندوق من الفايبر والخشب على طول الضلع الآخر من الغرفة ودكيناه بالتراب وامتلأ حتى السقف أيضا ثم عمدنا بعد ذالك إلى ملأ التراب بعلب الحليب أو التايد الفارغة ورميها في حاوية القمامة كي لا نلفت أنظار المنظفين عند نقل الأوساخ خارج السجن كل هذا ولا زلنا نخرج التراب بكميات كبيرة وأخبرنا المنظمة بالأمر، فقامت المنظمة بتقديم طلب لإدارة السجن – من خلال ممثل السجناء – بحاجتنا إلى كميات من التراب بذريعة ترميم سطوح بعض الغرف حيث موسم الشتاء على الأبواب وهذه السطوح تحتاج للترميم ، فاستجابت إدارة السجن لهذا الطلب وجاءت بكمية من التراب على ظهور – الحمير – إلى داخل القلعة الجديدة ونجحت هذه الخطة في التمويه على إدارة السجن ، وفي ساعات متأخرة من الليل وعندما ينام السجناء ويكون السجن في حالة السكون ، نقوم نحن الأربعة مع المشرف حسين ياسين بنقل تراب النفق من – داخل الصيدلية ورميه مع تراب الساحة ، وفي النهار نقوم بخلطه وترميم السطوح به فعلا ، وهكذا كان تسريب تراب النفق ، وكان طول النفق حوالي – 13 – 14 – متر ولم يكن الحفر مستقيم بل كان بشكل حلزوني ، وكانت فوهة النفق باتجاه – مرآب السيارات – الملاصق لسياج السجن - وما أن أوشك العمل على نهايته تقريبا ... حتى وقع الانشقاق الكبير والخطير في الحزب الشيوعي بقيادة – عزيز الحاج – في أواخر أيلول من العام 1967 وكان لهذا الانشقاق تداعياته وانعكاساته على كل السجناء السياسيين في السجون العراقية ومنها سجن الحلة ... وسادت حالة الفوضى والإرباك ... فكانت مناقشات حادة تطورت إلى مشاجرات بين السجناء وتستمر لساعات طويلة من الليل وانقسم السجناء بين مؤيد للانشقاق ومعارض له وبفعل حالة الفوضى والمشاجرات توقف العمل في النفق قرابة الشهر وكان قد انحاز إلى الانشقاق فريق العمل – مشرفون ومنفذون – باستثناء رفيق واحد ظل مع الحزب – الكاتب – والواقع أن انحياز فريق العمل – الستة – إلى جانب الانشقاق لا يمكن بحال من الأحوال أن يلغي أو ينفي دور الحزب في التخطيط والتنفيذ – كما يحاول تصويره البعض – فالقيادة المركزية ما كانت موجودة على الأرض أصلا ، والمهم لم تستتب أوضاع السجن إلا بقرار المنظمة الحزبية بقيادة الراحل حسين سلطان بإجراء استفتاء عام لكل السجناء بتحديد موقف كل منهم بشكل صريح وعن قناعته في أن يكون مع الحزب أو مع الانشقاق ، وبهذا القرار استتبت أوضاع السجناء وعاد الهدوء للسجن ولكن بانقسام المنظمة الحزبية إلى منظمتين ... منظمة الحزب بقيادة الراحل سلطان والأخرى للمنشقين وبعد استعادة الهدوء تم الاتفاق بين المنظمتين على استئناف العمل في النفق واستكماله ، وتمت عملية الهروب في ليلة 6 – 7 – تشرين ثاني 1967 وهي ليلة الذكرى الخمسون لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى ، تلك هي حقيقة عملية حفر النفق والهروب بكل صدق وأمانة و بهذه اللمحات الموجزة أردنا إيضاح الحقيقة أمام الأجيال الجديدة من الشبيبة ، ونؤكد بأن هذه العملية هي من صنع الحزب الشيوعي العراقي تخطيطا وتنفيذا وإن مصدر الفكرة هو الراحل حسين سلطان ، ولنؤكد أن لا صحة إطلاقا للإدعاءات والأقاويل من أية جهة كانت ومن أي شخصية مهما كانت كما وليس من دور في – التخطيط والتنفيذ – لأي شخص كان سوى المنظمة الحزبية بقيادة حسين سلطان والأسماء – السبعة – الذين ذكرناهم أعلاه .
وزيادة للمعلومات للوصول إلى الحقيقة ، راجع مذكرات الراحل حسين سلطان – التي نشرها نجله – الأستاذ خالد - أوراق من حياة شيوعي – حسين سلطان صّبي – ومقالاتنا – الحقائق الناصعة – المنشورة على موقع الحوار المتمدن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قبلنا شهادتك ورفضنا رأيك
طلال السوري ( 2012 / 11 / 8 - 21:45 )
كل ماذكرته عن تخزين التراب داخل غرفة السجن والسهر اليومي لساعات متأخرة لاعداد النشرة الحزبية بالاضافة الى الانشقاق في الحزب وتنظيم استفتاء ومن ثم المباحثات بين المنشقين وتأخر العمل لاكثر من شهر والتراب داخل غرفة السجن بالكمية التي وصفتها انما تدل على عدم الشراسة التي تميز بها حكم عبد الرحمن عارف وليس في الامر اية مأثرة...هل استطعتم عمل شيء من هذا عندما انقلب عليكم قائدكم في الجبهة؟

قبلنا شهادتك لنظام عبد الرحمن عارف ورفضنا رأيك بانها مأثرة


2 - الاخ طلال السوري
علي بابلي ( 2012 / 11 / 9 - 09:06 )
ان العمل هذا ليس مأثرة فقط انما هو درس في البطولة والاصرار والعزيمة والتضحية ...اذا لم تكن عندك كلمة طيبة بحق الابطال فالافضل السكوت فليس جيدا ان تبخس المناضلين تأريخهم الفاخر


3 - أضحَكَنا قبولكم و طيب خاطرنا رفضكم
د. حسين علوان حسين ( 2012 / 11 / 9 - 12:13 )
السيد طلال السوري المحترم
لم يبق إلا أن تقول للكاتب بإعجاز مبين : و هذا يدل على أن سجانيكم كانوا على حق و أنتم على باطل ؟
لمّ تبخس الأبطال بطولاتهم؟
كيف يكون النظام الذي يفضل إبقاء المناضل السياسي معتقلاً على تطوعه للقتال في تحرير فلسطين نظاماً غير شرس ؟
و كيف يكون النظام الذي يواصل تطبيق أحكام البعثيين الفاشست بحق الشوعيين الشرفاء غير شرس؟ و هل يوجد أشرس من سجن المناضل الشريف البريء و حبس هواء الحرية التي وهبه الله له ظلماً و عدواناً؟ و كيف يكون حفر نفق تحت السجن و الهروب منه عمل لا ينطوي على مأثرة كبرى ؟ تالله لأنها مأثرة المآثر بكل حق و حقيق ، هل تعلم لماذا؟
لأنها تقيم الدليل على كون إرادة المناضل الحر هي أقوى من سجون نظام الإرهاب .
و ما دام موضوع حفر خندق بطول 14 متر تحت السجن و الهروب الجماعي منه لا تشكل مأثرة
و لا من يفاخرون ، فلا بد أنك قد حققت في نضالك - خارج إطار الغيض و الحسد و بخس الأبطال بطولاتهم الفذة - معجزات كبرى . و ما دمت أخا معجزٍ ، فهات لنا بعضاً من معجزاتك النضالية كي نفرح بها و لا نواصل الضحك بحزن على صغر عقلك و فتور همتك و موت ضميرك و يبوس مخيلتك و سواد حقدك.


4 - نفق سجن الحله مأثره من ماثر الشيوعيين
غقيل حبش ( 2012 / 11 / 13 - 18:15 )
عزيزي حميد تحياتي للتوضيح لا غير ذلك بعيدا عن صواريخ الاخ جاسم المطير ومساميره وبعيدا عن فلسفة المتفلسفون وحلا لكل المعوقات فان هناك قرص سي دي يحتوي على مقابلة حسين ياسين وهو المشرف على عملية حفر نفق سجن الحله وكذلك مقابله الرفيق نصيف الحجاج حول نفس الموضوع وهو المسئول عن عملية نفق سجن الحله وهناك احدى رسائل مظفر النواب والمنشوره على موقع الناس قسم ذكريات والتي يقول فيهامخاطبا عقيل حبش يقول ((في الرزمه )) ويقصد بها النفق ابتدانا منذ لحظتها الاولى... منذ خطوطها الاول الشفويه... ذلك جعلنا نملك العمليه ونطوعها كلما التوت...ولاننانملك بدايتها بواقعيه ... نملك تاريخها ...انها ملكنا نحن الذين كنا نعيشها لحظه فلحظه...اكثر مما هي ملك اي انسان اخر
ان هذا السي دي موجود غي ساحة الاندلس في ارشيف اللجنه المركزيه ويمكنك استعارته ومشاهدته بهدوء تام حتى يتسنى لك الكتابه بهدور وتروي واسترجاعا للذاكره خدمة للتاريخ وان لم يعجبك كلام الجميع فلدي اجوبه لخمسون سؤالا للرفيق نصيف الحجاج اجاب عليها تحريريا وشكرا لك

اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |